مسافات بعيدة ومراكز طبية قليلة.. واقع صحي “شبه معدوم” بريف الرقة الشمالي

الرقة – نورث برس

جُلّ ما تخشاه مريم أن تستيقظ في ساعة متأخرة ليلاً، وأن تجد زوجها المريض قد تعرض لوعكة صحية، ربما تودي بحياته، لطول المسافة بين قريتها وأقرب مستشفى.

وتضطر مريم محمد (42عاماً)، وهي من سكان قرية حزيمة شمالي الرقة، شمالي سوريا، لنقل زوجها للطبابة في أحد مشافي المدينة، رغم المسافة الطويلة وعدم توفر خدمات صحية في الريف.

ويعاني سكان أرياف الرقة بشكل عام، والشمالي على وجه الخصوص، من تدهور الخدمات الصحية، وقلة المراكز في القرى وعدم توفير العلاج والأدوية فيها، لا سيما في ظل قلة المنظمات الطبية الراعية للقطاع الصحي.

وتقول “محمد” إن زوجها يعاني من أمراض القلب، وكان قد تعرض في وقت سابق لجلطة دماغية مما يجعلها في خوف دائم من تكرارها.

وتضيف أنه يوجد مركز صحي واحد فقط في قريتها ، يقدم إسعافات أولية، بالإضافة إلى ما يتوفر فيه من الأدوية لجميع المرضى من سكان القرى المجاورة، على الرغم من الكثافة السكانية الهائلة للقرية والقرى المحيطة بها.

وأمام الوضع الصحي السيء لزوجها، وقلة الأدوية في مركز حزيمة الطبي، تضطر المرأة لشراء الأدوية، من الصيدليات في ظل غلاء أسعارها وتدهور الأوضاع المعيشية لهم، ويقتصر دور الأطباء على كتابة الوصفات الطبية لعدد محدود من السكان.

ويعاني القطاع الصحي في الرقة من صعوبات عدة نتيجة الدمار الذي لحق في المشافي والمراكز الطبية، وتراجع الدعم من قبل المنظمات، والتي تؤدي لتراجع العاملين في المراكز الطبية من أطباء وممرضين، نتيجة قلة الرواتب.

وتقول “محمد” في حال توفرت الأدوية في المستوصف تكون أدوية مسكنة فقط، إذ يكون الاهتمام الكامل للمدينة من الناحية الصحية ويصرف النظر عن الأرياف، وفقاً لرأيها.

تضيف بلهجتها “هون مقطعة”، في دلالة على حاجة الأرياف لنقاط طبية تستقبل السكان على مدار اليوم. لافتةً إلى تدهور الخدمات الصحية في الريف ومعاناة ساكنيه بحكم المسافة بينهم وبين المدينة.

وبعد كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا مؤخراً، توقف الدعم لبعض المنظمات التي كانت تتبنى المراكز الصحية في الأرياف، وكان مركز قرية العبارة شمالي الرقة أحد هذه المراكز.

إذ كان يعتمد غالبية سكان القرية والقرى المجاورة لها، من الكالطة شمالاً وحتى شنينة جنوباً على هذا المركز، إلى جانب مركزي حزيمة وخنيز.

ويضطر ماجد الحمود (64 عاماً)، وهو من سكان قرية العبارة، إلى شراء دواءه من الصيدليات بعد أن كان يأخذه مجاناً, من المركز الصحي في القرية الذي توقف عن العمل منذ أسبوعين.

يقول إن “المستوصف كان يقدم خدمات جيدة”، واستشارات طبية برغم قلة الأدوية الموجودة فيه، ولكن الرجل الستيني كان لديه بطاقة مريض يأخذ فيها أدويته التي يحتاجها كل شهر.

 ويضيف أن إغلاق المستوصف فاقم معاناة الكثير من السكان في ظل غلاء أسعار الأدوية والمعاينات الطبية في العيادات الخاصة.

ويشتكي سكان أرياف الرقة من ارتفاع أجور معاينات لدى الأطباء، وطول فترة الانتظار أمام المشافي والعيادات، والتي تكبدهم عناء الخروج مبكراً من منازلهم.

وفي رأي مغاير لسابقه يرى جاسم السعيد، من سكان قرية حلو عبد شمالي الرقة، أن إيقاف مركز العبارة الصحي عن العمل لم يشكل فرقاً لديه.

إذ لم يكن يقدم سوى “بعض أنواع الأدوية المسكنة”, وفي أغلب الأحيان يقوم الأطباء فيه بإحالة المريض إلى العيادات والمشافي الخاصة، طبقاً لقوله.

ويضطر ” السعيد” إلى مراجعة الطبيب في كل أسبوع، وذلك لأنه يعاني من بحصة في الكلى، ليس لديه القدرة لدفع تكاليف إزالتها بعملية جراحية، وكلا الأمرين يثقل كاهل الرجل.

وبكلمات لا تخلو من الحسرة والأسف، يقول، إن “الوضع الصحي في الريف تعيس جداً، ونحن ناس فقراء لا قدرة لنا على مصاريف العلاج في المستشفيات الخاصة”.

إعداد: فاطمة خالد – تحرير: أحمد عثمان