كيف أثرت التهديدات الأمنية وانسحاب التحالف الدولي والمنظمات على كوباني؟

كوباني- نورث برس

لا يُعجب علي حال مدينته التي كسرت تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وأخذت حينها صدى عالمي، لكن سرعان ما تلاشى الأمر، لتتحول لمدينة مهملة من قبل التحالف والمجتمع الدولي.

يقول علي أحمد (42 عاماً) وهو من سكان مدينة كوباني، لنورث برس، إن الحرب الطاحنة في كوباني ضد “أكبر تنظيم إرهابي” في العالم، أدت لتدمير نحو 90 بالمئة من البنية التحتية والأبنية السكنية في المدينة، وتهجير سكانها إضافة لتدمير البنية الاقتصادية فيها.

يرى سكان كوباني أن تراجع التحالف الدولي ومنظمات المجتمع المدني الدولية عن أداء دورهم في دعم الاستقرار بمنطقتهم بعد سنوات من طرد تنظيم “داعش” عن المدينة، أدى لزعزعة الاستقرار الاقتصادي فيها وهجرة الشباب منها، وخاصة بعد التهديدات التركية باجتياح المنطقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

يضيف “أحمد” أنه بعد طرد “داعش” من المدينة وعودة سكانها والبدء بتنفيذ مشاريع اقتصادية فيها، إضافة للمساعدات المقدمة من قبل المنظمات الدولية، تحسن وضع السكان في عدة مجالات وخاصة من الناحية الصحية والزراعية والخدمية.

لكن بعد حرب تركيا على مدينتي سري كانيه/ رأس العين وتل أبيض، خرجت معظم المنظمات من كوباني، ما أثر سلباً على تدهور الوضع الاقتصادي للسكان وزعزعته.

وفي التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، سيطرت القوات التركية على المدينتين والشريط الحدودي بطول أكثر من 80 كم، وبعمق 30 كم، بعد تسعة أيام من معارك دارت مع قوات سوريا الديمقراطية قبل أن تعلن الأخيرة استعدادها للانسحاب من مدينة سري كانية بوساطة أميركية – روسية مع الجانب التركي، في إطار اتفاقية وقف إطلاق النار.

هجرة الشباب

تلك العملية كانت أبرز أسباب زعزعة الاستقرار في المدينة، والتي أدت إلى هجرة الشباب من كوباني باتجاه الدول الأوروبية، حيث أن بعضهم فقد حياته على الطريق، وذلك بسبب عدم وجود مؤهلات للاستقرار في المنطقة، في ظل التهديدات التركية المستمرة على كوباني.

كما أدت إلى خروج المنظمات الدولية من كوباني بسبب المخاطر الأمنية، ومن ثم تراجع وتدهور الوضع الاقتصادي للسكان، وفقاً لـ “أحمد”.

يبدو أن المنطقة بحاجة لوجود هذه المنظمات كي تساعد السكان على تحسين وضعهم المعيشي والاقتصادي ودعم المشاريع الزراعية والصحية والتعليمية، والتي ستسهم بتخفيف هجرة الشباب.

توقف دعم التحالف الدولي

يرى “أحمد” أن التحالف الدولي ساعد كوباني عسكرياً حتى تحرير المدينة من “داعش”، ثم قدم مساعدات مدنية لسكان المنطقة لكنها توقفت.

ويأمل أن يساهم التحالف الدولي بجهود إعادة الاستقرار إلى المنطقة “كي يبقى السكان في مناطقهم ولا يفكروا بالهجرة”، حيث أن وجود التحالف ومساعداته سيساهم في دعم السكان وتأمين الاستقرار في المنطقة.       

ويوافق محمد محمد (40 عاماً) وهو من سكان كوباني، على أن المدينة قدمت تضحيات كبيرة في حربها ضد “داعش”، ومساعدات التحالف الدولي في الحرب وللسكان بعد عودتهم إلى مدينتهم، عبر المنظمات الدولية ومن خلال تأمين فرص العمل ودعم الجانب الخدمي وتأهيل المنطقة من أجل الاستقرار.

خروج المنظمات وتأثيره

يرى “محمد” أن التهديدات التركية المستمرة على المنطقة أدت لتوجه المنظمات الدولية نحو مدن الرقة ودير الزور، وبالتالي فقد السكان فرص عملهم وتسبب ذلك بهجرة الشباب من المنطقة.

ومن واجب التحالف الدولي باعتبارهم شركاء المنطقة في طرد تنظيم، “داعش” أن يعملوا لإعادة الاستقرار إلى المنطقة عبر عودة المنظمات الدولية للعمل فيها وخاصة بعد تراجع حدة التهديدات التركية مؤخراً، وفقاً لقوله.

من جهته يوضح إسماعيل أحمد وهو الرئيس المشارك لمكتب شؤون المنظمات في كوباني، أن العديد من المنظمات الدولية توجهت إلى مدينة كوباني بعد طرد “داعش” منها.

إذ عملت نحو 30 منظمة دولية في مجال تأهيل البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي والمياه والمجال الإغاثي وإزالة الألغام، بدعم من التحالف الدولي من أجل دعم كوباني.

يشير “أحمد” أنه وبعد عام 2019 خرجت هذه المنظمات من كوباني، بسبب التهديدات التركية، وأثرت سلباً على الوضع الاقتصادي في المنطقة.

ومع بداية تحرير كوباني ساهمت منظمتان أميركيتان هما (تايجر وتيترا تيك) بتأمين فرص عمل للعديد من سكان المنطقة برواتب جيدة، حيث كانت تساهم عبر هذه الرواتب بإعالة الكثير من العائلات في المنطقة وكان لها تأثير إيجابي كبير بدعم اقتصاد المنطقة، وفق ما ذكر.

وأسهمت تهديدات تركية بتوقف دعم التحالف للمنطقة، وخروج المنظمات، الأمر الذي انعكس على الحركة التجارية في كوباني بشكل كبير وأثر سلباً على الوضع الاقتصادي لسكانها.

حتى أن هناك أصحاب رؤوس الأموال في كوباني كانوا يرغبون بالعمل في المنطقة وفتح مشاريع اقتصادية، ولكن بسبب التهديدات التركية وعدم الاستقرار، لم ينفذوا تلك المشاريع، وفقاً لـ “أحمد”.

وعودة التحالف الدولي للمنطقة ستؤدي إلى تحقيق الاستقرار والاطمئنان لدى السكان، وخاصة إذا عملت المنظمات الإنسانية فيها فسيؤدي لتلاشي مخاوف السكان.

وتناقص عدد المنظمات الدولية العاملة في كوباني، من 30 منظمة قبل عام 2019 إلى خمس منظمات أجنبية فقط وست منظمات محلية بعد عام 2019.

ويشير “أحمد” إلى أن المنظمات الأجنبية الحالية تعمل بقسم أو اثنين فقط، ويمكن للمنظمات التي لا تستطيع العودة إلى المنطقة بشكل مباشر أن تدعم شركائها المحليين، لا سيما أن هناك ست منظمات محلية متوقفة عن العمل بسبب توقف الدعم.

وكانت المنظمات في كوباني تعمل في مجال الصرف الصحي والطبي والإغاثي وإزالة الألغام والتدريبات المهنية وتأهيل البنية التحتية، ولكن هذا الدعم تراجع بشكل كبير.

إعداد: فتاح عيسى – تحرير: أحمد عثمان