التطبيع مع دمشق.. مفترق طرق ينتظر الإدارة الذاتية

الرقة – نورث برس

منذ السادس عشر من كانون الأول/ ديسمبر العام الفائت، وبالتحديد عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المصالحة مع الحكومة السورية بعد عداء دام لعقد من الزمن، بدأت دول عربية وإقليمية بتطبيع العلاقات مع دمشق إضافة لزيارات متكررة متبادلة بين الأطراف.

زادت كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من شباط\ فبراير الفائت، من حماسة بعض الدول العربية والإقليمية لفتح قنوات مع دمشق تحت مسمى المساعدات الإنسانية، وكأن الزلزال “جاء في وقت تنتظره دمشق”.

زار الأسد بعد الزلزال روسيا حليفه الأساسي منذ بداية الأزمة السورية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان إضافة إلى زيارات مسؤولين من مصر وعمان والإمارات إلى سوريا، وإرسال المساعدات عن طريق دمشق إلى المنكوبين من الزلزال.

ما مصير الإدارة الذاتية من عودة العلاقات الدولية إلى دمشق؟

يقول صالح مسلم، سياسي كردي سوري بارز، إن التطورات الأخيرة و”التطبيع” مع دمشق من قبل بعض الدول يشير إلى أن هناك لعبة سياسية جديدة تُحاك، لعدم ترك سوريا للإيرانيين وخاصة مع اقتراب دول عربية من “النظام السوري”.

ويضيف مسلم الذي يترأس الحزب الاتحاد الديمقراطي، لنورث برس، أن أيَّ تطبيع مع “النظام” يجب أن يستند إلى شرط تغير سلوكه، وأن يقبل بديمقراطية سوريا.

وفي العشرين من يناير / كانون الثاني الماضي، قالت مسؤولة في الإدارة الذاتية إن الشعب السوري أبدى رفضه لهذا التطبيع، لأن مثل هذه السياسيات هي أساس المقايضة على مصير ودماء السوريين.

وقالت أمينة أوسي، نائب الرئاسة المشتركة للمجلس العام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، آنذاك، إن هدف أردوغان من التطبيع هو “كسب تأييد أصوات الناخبين الأتراك قبل الانتخابات المقبلة، وأنها مناورة من الرئيس التركي ولن ينسحب من سوريا”.

واعتقد مسلم أن الدول المعنية بالملف السوري والتي تطبع مع “دمشق” وتعقد اجتماعات معه، “لن يخرجوا بحل لسوريا في الوقت الحالي”، وأن القوى المهيمنة مثل التحالف الدولي، “لا تريد حلاً لسوريا في الوقت الراهن”.

وحول إبعاد سوريا من الحضن الإيراني، استخلص “مسلم” من الاجتماع المنعقد مؤخراً في المملكة الأردنية، والذي حضرته 12 دولة، دليل على أن هناك خطوات جديدة. ووفقاً لما أضاف؛ هي “إبعاد دمشق عن طهران”.

وفي الرابع والعشرين من آذار/ مارس الفائت، اجتمع المبعوثين لبحث الملف السوري حضره الولايات المتحدة ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والنرويج وقطر والسعودية وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.

في بيان ختامي للاجتماع دعوا فيه المبعوثين إلى وقف إطلاق النار في مختلف أنحاء سوريا، وإلى وصول المساعدات الإنسانية بصورة مستمرة وبدون عراقيل إلى كافة السوريين من خلال كافة السبل، بما في ذلك عبر الحدود وعبر الخطوط.

وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أعلن في الواحد والعشرين من آذار/ مارس الفائت، عن وجود مبادرة أردنية لإيجاد “حلّ سياسي” للأزمة في سوريا، في استمرار لنهج سياسي أردني يهدف إلى التوصل لحل هذه الأزمة سياسياً، إذ يعدّ الأردن من أكبر المتضررين اقتصادياً وأمنياً من الصراع الدائر في سوريا.

الحاضر الغائب

يرى السياسي والكاتب الكردي صالح بوزان، أن أي مفاوضات بين “النظام السوري” والدول العربية ستكون الإدارة الذاتية “الحاضر الغائب” فيها، بكلمة موجزة “لن يكون هناك خطر على الإدارة الذاتية في حال التطبيع بين النظام والدول العربية”.

لكن وبحسب الكاتب، أن الخطر المتوقع على شمال شرقي سوريا قد يأتي من الاجتماع الرباعي في موسكو. فروسيا ترغب “القضاء على الإدارة الذاتية ولو أنها لا تعلن ذلك. والنظام السوري يريد ذلك حتماً، لاستعادة هذه المنطقة، كما أن إيران تريد ذلك. أكثر طرف في هذا التحالف الرباعي يريد القضاء على شمال شرقي سوريا هي تركيا. بينما الدول العربية تعرف أن قوات سوريا الديمقراطية عامل قوي في سد الطريق أمام أطماع تركيا التوسعية في سوريا أكثر من النظام السوري”.

والثلاثاء الفائت، أعلنت وزارة الخارجية الروسية عن اجتماع رباعي بين روسيا وتركيا وسوريا وإيران، عُقد في موسكو يومي 3 و 4 من نيسان / أبريل الجاري، اتفقوا خلال اللقاء الرباعي على استمرار الاتصالات.

ويرى الكاتب أن القادة في شمال شرقي سوريا يجب عليهم تنشيط العمل الدبلوماسي على مختلف الصعد، مع الدول العربية وخاصة مع مصر والسعودية بهدف إيجاد حل شامل للأزمة السورية دون أي موقف “متشنج” تجاه “النظام السوري”.

ومن الضروري، بحسب “بوزان”، توسيع الاتصالات الدبلوماسية مع كافة الدول الكبرى، والسعي لفتح قناة اتصال مع الحكومة الصينية. لقد باتت الصين دولة مهمة على الصعيد العالمي إلى جانب أميركيا وروسيا، بحسب الكاتب.

 كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الصين دولة تحترم حقوق القوميات حسب المبدأ الماركسي. وهي لا تستعمِر الدول، ولا ترسل جيشها إلى الخارج. هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقيم علاقات سياسية واقتصادية عادلة مع الدول الأخرى في عصرنا. والأهم من ذلك كله أن الصين في طريقها للتحول إلى إمبراطورية اقتصادية عالمية تتجاوز فيها أمريكا وأوروبا، حسبما يقول “بوزان”. 

سيناريوهات متوقعة

يرى صالح بوزان أن مستقبل الإدارة الذاتية سيتوضح أكثر بعد الانتخابات التركية. فإذا لم ينجح أردوغان، “وهذا محتمل جداً”، فكل الخارطة الجيوسياسية في المنطقة ستتغير، “وستجري الأمور لصالح الإدارة الذاتية والحل المعقول للأزمة السورية”.

وإذا نجح أردوغان مرة أخرى “ستتعقد الأمور من جديد. سيشترط أردوغان على النظام السوري وروسيا أن انسحاب تركيا من الأراضي السورية مرتبط بقيام النظام السوري بالقضاء على الإدارة الذاتية، وأن تركيا مستعدة للمشاركة في الحرب ضد قسد”.

ووفقاً للكاتب، فإن الرئيس السوري لن يتجرأ على هذه الخطوة لقناعته أنه بدون دعم عسكري روسي مباشر سيُهزَم. وستؤدي هذه الهزيمة إلى زعزعة سلطته. وإذا استعان بالجيش التركي فسيتحول إلى خائن للوطن بنظر أغلب الشعب السوري والشعوب العربية مما يهدد مستقبله السياسي من الجذور.

يقول الكاتب إنه من المستبعد أن يشارك بوتين الأسد في الحرب على “قسد” لسببين. الأول والأهم وجود أمريكا في شمال شرقي سوريا. فالطرفان الروسي والأمريكي يتحاشيا الاصطدام حتى الآن. وكل طرف منهما يرى في الحرب الروسية الأوكرانية النقطة المركزية في صراعهما. وبالتالي أي مشاركة عسكرية مباشرة من قبل الروس مع “النظام السوري” ضد “قسد”، ستفهم أمريكا منها أن روسيا تريد إخراجها ليس من سوريا فقط، بل من كامل الشرق الأوسط.

أما السبب الثاني وفقا لـ”بوزان”، فإنه يخص سمعة بوتين شخصياً. فالحرب على الكرد في سوريا ستؤدي إلى إدانة دولية واسعة، ليس من منطلق التضامن مع الكرد بقدر ما يكون موقفاً من روسيا. سيؤدي ذلك إلى فرض عقوبات جديدة على روسيا. كما ستهتز سمعة بوتين داخل روسيا. فالشعب الروسي لا يملك أي عداوة ضد الكرد، بل يتعاطف معه. وبالتالي ستستغل المعارضة الروسية هذه المسألة لاتهام بوتين بالغدر.

إعداد وتحرير: زانا العلي