حظوظ نجاح اللقاء الرباعي

انفض اجتماع ممثلي كل من روسيا وسوريا وإيران وتركيا في موسكو بعد مداولات حصلت في يومي 3 و4 نيسان الجاري، دون أن يحدث اللقاء أيّ ضجة إعلامية، كما لم يصدر عن الاجتماع بيان مشترك. وعلى ما يبدو فقد حرص المجتمعون، على عدم تسريب أي معلومات دقيقة عما تم التوصل إليه؛ فبحسب وكالة نوفستي الروسية فإن الاجتماع كان إيجابياً، وسوف تستمر المشاورات بين الأطراف عينها في المستقبل. من جهته وزير خارجية تركيا بدى متفائلاً، وصرح بأن الاجتماع القادم سوف يكون بين وزراء الخارجية، وهو ينتظر دعوة روسيا لعقده في موسكو قريباً. أما المصادر السورية فقد نسبت إلى نائب وزير الخارجية السوري، أيمن سوسان، الذي مثّل سوريا في الاجتماع قوله بأن تركيا قد تعهدت بسحب قواتها من كامل الأراضي السورية، ولم يصدر عن تركيا أو الأطراف الأخرى المشاركة في الاجتماع ما يؤكد ذلك.

كان من المقرّر إجراء هذا الاجتماع بتاريخ 15 و16 آذار/مارس لكنه تأجل لإجراء المزيد من المشاورات وإنضاج ظروف عقده، على ما قالته مصادر روسية. وكان وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان في لقائه مع نظيره التركي مولود جاويش اوغلو في 8 آذار/مارس قد طلب انضمام إيران إلى المباحثات فوافقت روسيا وسوريا. وقبل ذلك، وفي 27 شباط/فبراير، وخلال زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري إلى كل من سوريا وتركيا بعد قطيعة استمرت أكثر من عشر سنوات بين مصر وكل من تركيا وسوريا قد عرض المساعدة في تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، وبين الأخيرة والعديد من الدول العربية. وبحسب مصادر خاصة فإن تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا هو أحد المطالب العربية (مطلب للسعودية ومصر وغيرها) لتطبيع العلاقات مع تركيا ذاتها. وضمن هذا النشاط الدبلوماسي المكثف تندرج زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى مصر يوم السبت في الأول من نيسان برفقة وفد كبير نسبياً، ولقائه زميله سامح شكري. ما نود قوله أن الأزمة السورية صارت عبئاً على جميع دول الإقليم، ولذلك فهي تعمل على إيجاد مخارج مناسبة تعيد الاستقرار إلى المنطقة كمقدمة لإعادة التعاون والنشاط الاقتصادي.

صار واضحاً ان الموضوع الرئيس على جدول الأعمال هو تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، لكن ذلك يتوقف على نجاح التوليف بين المطالب السورية والتركية. من المعلوم بحسب ما صرح به مسؤولون سوريون رفيعي المستوى (منهم الرئيس السوري) بأن المطالب السورية تتمثل في الانسحاب التركي من سوريا، والتوقف عن دعم المجموعات المسلحة في إدلب وشمال سوريا التي تصنفها دمشق كمجموعات إرهابية، أو على الأقل إعداد جدول زمني لهذا الانسحاب يضمن الجانبان الروسي والإيراني تنفيذه خلال فترة زمنية غير طويلة يتم الإتفاق عليها (نحو سنة بحسب الجانب السوري).

من جهتها تطالب تركيا بمناقشة المخاطر الأمنية المتعلقة أساساً، بحسب زعمها، بوجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومنع قيام أي كيان كردي على حدودها الجنوبية. ولضمان تحقيق هذا المطلب الرئيس تطالب تركيا بتعديل إتفاقية أضنة ليصل عمق منطقة التدخل التركية إلى نحو ثلاثين كيلومتراً، وتوطين اللاجئين السوريين فيها لتشكيل منطقة آمنه لها. وهي تريد الاحتفاظ بما تسميه “الجيش الوطني السوري” كأداة تدخل لها ضد قسد، وتشترط حله ودمجه بالقوات الأمنية السورية (الجيش والشرطة) بعد حل قسد.

من الواضح أن المطالب التركية يصعب الموافقة عليها من قبل الجانب السوري بالشكل الذي تطالب به تركيا. فهو يرفض (حتى الآن) تعديل اتفاقية أضنة لجهة عمق المنطقة الأمنة (منطقة التدخل الأمني التركي)، كما يرفض توطين اللاجئين السوريين فيها، ويصر على عودة السوريين إلى مناطقهم الأصلية. وبخصوص الوجود الكردي في شمال شرق سوريا (الإدارة الذاتية، وقوات سورية الديمقراطية) فلا يزال الطرف السوري يعدها مسألة داخلية سورية لا يحق للجانب التركي التدخل فيها.

في ضوء هذه المعطيات يمكن القول إن الهوة لا تزال عميقة بين المطالب السورية والمطالب التركية، وبالتالي ينتظر الجانبين الروسي والإيراني بذل جهود إضافية للتقريب بين مطالب الطرفين. في الواقع ليست حدود المناورة واسعة كثيراً لكل طرف؛ فبالنسبة للجانب السوري يمكن أن يوافق على تعديل إتفاقية أضنة لجهة عمق منطقة التدخل الأمني التركي في الأراضي السورية لتصل إلى نحو عشرة كيلومتر، وهو يعلن موافقته على تطبيق سياسة المصالحة التي طبقتها في مناطق مختلفة من سوريا على المسلحين السوريين في منطقة النفوذ التركية، على ان تتعهد تركيا بترحيل جميع المسلحين الأجانب. فيما يخص عودة اللاجئين السوريين في تركيا يوافق الجانب السوري على عودتهم بصورة تدريجية على أن تتعهد تركيا بالمساعدة في إعالتهم وفي إعمار مناطقهم.

بالنسبة للجانب التركي بات واضحاً أن لديه قضيتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بالوجود الكردي في شمال شرقي سوريا سواء من خلال الإدارة الذاتية أم من خلال قوات سوريا الديمقراطية، وقضية اللاجئين السوريين في تركيا. بالنسبة للقضية الأولى سوف تتمسك تركيا بموقفها منها، وتطالب بأن يتعاون معها الجانب السوري لحلها. بخصوص هذه القضية يمكن أن يتعهد الجانب السوري ضمان أمن الحدود المشتركة بعد عودة الجيش السوري للإمساك بها. في المضمر فهو يوافق على التعاون مع الجانب التركي للضغط على الجانب الأمريكي لتسوية هذه القضية وضمان الإنسحاب الأمريكي من المنطقة، فكلا الطرفين الحكوميين السوري والتركي لا يوافقان على وجود الإدارة الذاتية ولا على وجود قوات سوريا الديمقراطية. أما بالنسبة لقضية اللاجئين السوريين فإنها لا تشكل عقبة كبيرة أمام إيجاد تفاهم مشترك حولها.

السؤال الهام الذي يطرح نفسه في هذا السياق المدعوم إقليمياً (إيران وبعض الدول العربية الفاعلة) ودولياً من قبل روسيا والصين، لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا يتعلق بالموقف الأمريكي من هذه العملية. ما تعلنه الإدارة الأمريكية رسمياً أنها ضد تطبيع العلاقات مع النظام السوري، ولا تشجع أي طرف عربي أو إقليمي للقيام بذلك. غير أن بعض المحللين السياسيين يعدون ما صدر عن لقاء عمان الأخير الذي شاركت فيه دول عربية عديد إضافة إلى بعض الدول الأوربية وأمريكا لا يتوافق مع ما تعلنه الإدارة الأمريكية، ويستنتجون بالتالي بأن ثمة ضوء أخضر أمريكي، غير مرئي إلا من قبل المعنيين بالتطبيع مع النظام، يسمح لهذه الدول بالقيام بذلك.