الإعلام في شمال شرقي سوريا.. معلومة “محتكرة” وانتساب مشروط

القامشلي – نورث برس

بمرور قرابة عامين على إقرار قانون الإعلام في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، يشكو الكثير من الصحفيين من بنود تتعلق بالحريات والازدواجية في التعامل حول حق الحصول على المعلومة سواء للصحفيين أو الوسائل الإعلامية.

ويطالب الصحفيون العاملون في مناطق الإدارة الذاتية، بتعديلات على بعض بنود اللائحة التنفيذية للقانون لتوفير مناخ أفضل لمزاولة العمل الإعلامي.

التميز في التغطية

يقول الصحفي جانو شاكر من القامشلي، إن الازدواجية في التعامل مع وسائل الإعلام في شمال شرقي سوريا، تتجسد عملياً في التمييز وعدم تكافؤ الفرص بين الصحفيين والوسائل الإعلامية في الحصول على المعلومة، رغم أن الفقرات 6 و7 و8 من المادة 10 من قانون الإعلام تضمن هذا الحق.

ويضيف لنورث برس: “حينما يتم حصر هذا الحق بوسائل إعلامية موالية للسلطة أو إعلاميين مواليين، يصبح العمل الإعلامي أقرب إلى العلاقات العامة أو الدعاية أو مزيج من كلا الأمرين، كما هو حالنا مع غالبية التغطية الإعلامية في شمال شرقي سوريا الآن، وهو ما يفقد ثقة الجمهور بالإعلام عموماً”.

ويشير إلى أن ‘‘التغطية الإعلامية الحالية هي تغطية إخبارية، فيما يغيب عن النتاج الإعلامي رغم مرور 10 سنوات على تجربة الإعلام في المنطقة، التحقيقات الصحفية والاستقصائية، على وجه التحديد، والسبب الرئيسي يتعلق بحق الحصول على المعلومة”.

ويقول الصحفي والذي كان أحد المشاركين في لجنة صياغة القانون، إن “ما يحدث ومنذ بداية عام 2021 يستشف منه أن هناك مساعٍ لجعل بعض وسائل الإعلام وبعض الصحفيين المصدر الوحيد للمعلومة، عبر إتاحة المعلومة لهم والتضييق في نفس الوقت على آخرين”.

وتنص المادة 10 من قانون الإعلام في الإدارة الذاتية، أنه يحظر على أي جهة فرض قيود تعيق حرية تدفق المعلومات أو تحول دون تكافؤ في الفرص بين كافة الإعلاميين للحصول على المعلومة.

وينفي جوان ملا إبراهيم، الرئيس المشارك لدائرة الإعلام في الإدارة الذاتية، التميز في التغطية بالنسبة للصحفيين والوسائل الإعلامية، ويقول: “لدينا مكاتب تنسيق في كل مناطق الإدارة الذاتية لاستقبال طلبات الصحفيين ومساعدتهم وتسهيل عملهم”.

واستطرد في تصريح لـنورث برس: “لكن هناك أمور متعلقة بالأشخاص الذين يتم إجراء اللقاءات معهم، لربما يكونوا متغيبين فترة معينة أو ليسوا مستعدين للظهور إعلامياً لفترات معينة، وهذه أسباب عدم الاستجابة لتصاريح الصحفيين”.

ويشير لوجود “بعض المواضيع الحساسة الإدارة الذاتية لا تريد التحدث عنها لحين استكمال كافة جوانبها، لكن دائرة الإعلام ليس لها أي علاقة لعرقلة مهام الصحفيين”، وفق “ملا إبراهيم”.

وأقرت الإدارة الذاتية قانون الإعلام بمناطقها في أيار / مايو 2021، بعد عقدها لسلسلة اجتماعات مع الصحفيين والوسائل الإعلامية في مناطق شمال شرقي سوريا.

‘‘مصطلحات فضفاضة’’

يدعي صحفيون أن القانون الإعلامي كتب بصيغة حماية الصحفيين وحقوقهم، لكنه يصطدم بلائحته التنفيذية التي لم تشارك فيها لجنة صياغة قانون الإعلام، إنما كتبت بصيغة تتيح التضييق على العمل الإعلامي.

ويشدد جانو شاكر، على أنه “لا يوجد في القانون بند يفرض على الصحفي أن يكون عضواً في اتحاد صحفي معين، بينما تفرض اللائحة التنفيذية هذا البند على الصحفي الفريلانس وصاحب الامتياز،  لا بل أوضحت التجربة العملية أن هناك أعضاء وربما مدراء في اتحاد مرخص لدى الإدارة أجبروا على الانتماء لاتحاد آخر”.

بينما يذهب “جانو” إلى وجود مصطلحات فضفاضة ضمن اللائحة التنفيذية لقانون الإعلام مثل “الإساءة للشعب وقيمه المعنوية”، مبيناً أن ذلك يتيح لدائرة الإعلام التدخل السافر دون ضوابط والتضيق على العمل الإعلامي، بحكم أنه يتيح لها اتهام أي صحفي يعد تقريراً عن تقصير عمل مؤسسات الإدارة.

إلا أن “ملا إبراهيم” شدد على أنهم يعملون على تعديل بنود في القانون واللائحة التنفيذية “لكنها قيد النقاش لطريقة إعادة صياغتها”.

وحول فرض الانضمام لمؤسسة نقابية، يقول “ملا إبراهيم” إن “البطاقة الممنوحة من قبل اتحاد الإعلام الحر معمول بها في شمال شرقي سوريا وضمن اللائحة التنفيذية، كونه من يعمل في الحقل الإعلامي يجب أن يكون لديه بطاقة نقابية”.

ويضيف: “لكن بسبب عدم وجود نقابة سوى اتحاد الإعلام الحر في مناطقنا، نضطر لهذا الإجراء، ولكن مستعدين لقبول بطاقة نقابية أخرى بشرط أن تكون مرخصة لدينا”.

“تعزيز النزاهة والشفافية”

خلال سنوات الأزمة السورية، كانت مناطق الإدارة الذاتية وجهة للإعلاميين، وخطفت أنظار العالم لسنوات جراء الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وكان لوسائل الإعلام دور بارز بإظهار الوقائع التي جرت.

إلا أن الواقع الإعلامي منذ انتهاء الحرب على “داعش”، تراجع بشكل كبير واقتصرت التغطيات الصحفية على الإخبارية فقط، وارتبطت بعدة عوامل، بحسب صحفيين.

ويقول الصحفي عبدالحليم سليمان من القامشلي، إن “الصحافة في مناطق شمال شرقي سوريا من الناحية المؤسساتية هي ناشئة مقارنة مع الصحافة في الدول والمجتمعات الأخرى التي يسود فيها القانون وتلقى الصحافة فيها تأثيراً نافذاً في جو من الديمقراطية المعتبرة”.

ويضيف: “في منطقتنا ثمة جملة من العوامل التي تحدّ من التميز النوعي للعمل الصحفي، لاسيما أن الأحداث الأمنية والعسكرية (خاصةً) لا تنقطع ولا تمهل الأجواء للتفرغ للالتفات بقضايا أخرى لا تقل أهمية برأيي”.

ويشدد “سليمان” على أن “الصحفيين باتوا يضعون رقابة ذاتية شديدة على أنفسهم مؤخراً، بفعل عدة عوامل أبرزها سوء الوضع المعيشي والقرارات التي تلت صدور قانون الإعلام بالرغم من أن القانون يساند الصحفيين في أبرز حقوقهم لكن في الوقت ذاته لا تطبق بشكل صحيح، لاسيما في حق الحصول على المعلومة وتكافؤ الفرص فيها بين المؤسسات والصحفيين”.

وكانت منظمة مراسلون بلا حدود أصدرت في منتصف العام الفائت، تقريراً، استنكرت إجراءات العضوية الإجبارية لنقابة اتحاد الإعلام الحر على الصحفيين في مناطق شمال شرقي سوريا، لمزاولة عملهم.

وأوضح سليمان أنه “ثمة واجبات على الجهات المعنية، وهي توفير الأمان الكامل للصحفيين عند تناول أي قضية لا تتعارض مع القانون الصادر عن الإدارة الذاتية، والذي يوفر في مواده حماية الصحفيين ويتيح لهم الوصول إلى المعلومة المطلوبة”.

وأضاف: “الإدارة الذاتية مدعوة لإنشاء وإتاحة قاعدة بيانات أساسية من شأنها الاستفادة من العمل الصحفي، لمساعدتها على تعزيز النزاهة والشفافية”.

إعداد: دلسوز يوسف ـ تحرير: تيسير محمد