دمشق- نورث برس
انتهى اللقاء الرباعي في مساعي تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، بالعاصمة الروسية موسكو، بنتيجة مبهمة عنوانها “استمرار الاتصالات”، في حين كان من المفترض أن يشكل أسساً للقاء لاحق على مستوى وزراء الخارجية بين الدول الأربعة (روسيا- تركيا- إيران وسوريا)، إذاً إلى ماذا تفتقر هذه المساعي لكي تتكلل بنتائج؟
قبل الخوض فيما يدفع الدول الأربعة لعقد مثل هذا اللقاء والشروط التي طرحت فيه، يمكن القول إنها ستبقى في مسار دائري مغلق مهما تطورت المباحثات، حتى لو وصلت إلى مستوى القادة.
باحتساب عدد اللاعبين الدوليين في الساحة السورية، وبغض النظر عن مواقفهم المتباينة تجاه دمشق أو تجاه الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا أو حتى بخصوص وضع المعارضة السورية وفصائلها المدعومة تركياً، تبقى اللقاءات الرباعية ناقصة عدد ومضمون، وهذا ما أثبته بالفعل مسار استانا والمشاورات بشأن الدستور، رغم عقد عدد هائل من المباحثات في تلك الصيغ.
إذ لا يمكن فصل مسألة أي تطبيع بين حكومة دمشق وأي دولة كانت قد قاطعتها خلال السنوات الـ12 فائتة، من مسار حل جذري لسوريا يشمل جميع المناطق ومراكز الإدارة في شمال شرقي البلاد.
وفي حين تسعى تركيا للتوصل مع دمشق لاتفاق يبدد مخاوفها المزعومة من مستقبل مناطق شمال شرقي سوريا، أقله تفعيل اتفاقية أضنة، لا يمكن لدمشق فرض نفسها كما السابق من دون إطراء تغيرات في النظام والدستور يترك خصوصية ذاتية للمنطقة سواء على الصعيد الإداري والأمني.
وباعتبار أن الولايات المتحدة تعتبر أحد أبرز اللاعبين المؤثرين في المنطقة، ولأن القضية السورية باتت قضية دولية، السؤال الذي يُطرح هو كيف يمكن للاجتماع الرباعي التوصل إلى نتيجة قابلة للتطبيق على الساحة السورية مع إقصاء الدول الغربية المشحونة بمواقفها الصارمة تجاه التطبيع مع دمشق؟
ويضاف ذلك إلى أن الصراع الدولي بين الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا والتي حظيت بدعم صيني، فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، فرضت تداعياتها على سوريا وعرقلت إمكانيات ماقبل سنوات لوضع أسس متفق عليها دولياً.
لذا فإن الدول الأربعة المجتمعة أمس، يبدو أنها تحاول إيجاد نقاط مشتركة في مجموعة نقاط خلاف شائكة لتجسد مهام شبه مستحيلة.
سبق وتحدث عدد من الباحثين والمطلعين الأتراك على العلاقات بين أنقرة ودمشق لنورث برس، عن صعوبة ردم الفجوة بين العاصمتين إذ أن بعض العلاقات الإقليمية سواء بين أنقرة ودمشق أو أنقرة والقاهرة وكذلك بين تركيا وباقي الدول العربية الخليجية هي أشبه بأن تكون “مرحلة هدنة مؤقتة لتجميد الحل السياسي تماشياً مع المتغيرات السياسية داخلياً وخارجياً”.
كما تم التحجيم من أهمية الاجتماع على صعيد الخروج بنتائج، لأنه سبق وعقد مثل هذا الاجتماع على مستوى وزارات الدفاع، بينما لم تحدث تغيرات جذرية في مواقف الأطراف.
والتطور الأخير في العلاقات الإيرانية السعودية، وكذلك الأبواب التي فتحها الزلزال المدمر أمام دمشق وخاصة على الصعيد الإنساني الأممي، عززت إلى حد ما خطاب دمشق وتركت لها منفذاً لتفرض بعض الشروط الصارمة على الجانب التركي بقيادة أردوغان الذي يواجه أزمة انتخابية وكذلك توتراً في علاقاته مع الدول الغربية.
وما نشرته صحيفة أيدينليك التركية قبل يومين، هو أن الولايات المتحدة تود أن ترى المعارضة التركية تحقق فوزًا في الانتخابات، وهو ما تأمل واشنطن أن يمنحها فرصة لإثارة مواجهة بين أنقرة، توضح مدى حاجة بوتين إلى ترتيب اللقاءات بين أنقرة ودمشق.
وبحسب الصحيفة ، فإن تحالف المعارضة السداسي التركي يمثل فرصة لواشنطن لإثارة المواجهة بين تركيا وروسيا في سوريا ومنطقة البحر الأسود وآسيا الوسطى.
و تشير هذه الإيماءات إلى أنه في حالة وصول قادة المعارضة التركية إلى السلطة، فقد يتخذون موقفًا مناهضًا لروسيا، الأمر الذي يدفع موسكو لإبقاء الأطراف على طاولة واحدة، كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخاصة مع تطور العلاقات بينها وبين دول الخليج من جهة وبين الخليج وإيران من جهة أخرى مع التمدد الصيني الواضح.
وتعتقد روسيا أن تركيا لا تستطيع ضرب مصالحهما المشتركة والتبادل التجاري، لذا فهي مهيئة لأن تمتثل لشروط دمشق، لكن بالمقابل يبحث أردوغان وهو بحاجة لانتصار في الانتخابات، عن ضمانات فيما يتعلق بمناطق الشمال الشرقي من سوريا، وهذا ما يبقي الطريق مسدوداً ما لم يلقَ استحساناً أميركياً.
واقترح الجانب الروسي، في مشاورات نواب وزراء خارجية روسيا وإيران وسوريا وتركيا، بعض المواعيد لعقد اجتماع رباعي على المستوى الوزاري. حسبما صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس، متطلعأً أن يتفق عليه الفرقاء، لكن ما من موعد معلن حتى الآن.
وكما أشار وزير الخارجية الروسي إلى عدة نقاط مشتركة بين الدول الأربعة، هي نفسها تواجه رفضاً أميركياً بالفعل وحتى من الأمم المتحدة.
وما قصدته الخارجية الروسية عن النقاط هي “منصة أستانا” كآلية لتحقيق الاستقرار العسكري – السياسي وجهود تعزيز مرحلة ما بعد الصراع وإعادة إعمار، وعودة اللاجئين السوريين”، وجميع هذه النقاط تواجه شرطأً غربياً وهو تغيير النظام والحل السياسي قبل كل شيء.