يبدو أن إدارة بايدن قد نسيت أمر سوريا هذه الأيام. فقد كانت التحركات الوحيدة الواضحة للعيان التي قامت بها مؤخراً استجابتها لزلزال شباط/فبراير المدمر أو الهجوم الأخير على القوات الأميركية من قبل طائرة مسيرة إيرانية. وتنازلت الإدارة عن القيادة الدبلوماسية لصالح موسكو وباتت تغض الطرف عن ترحيب دول الخليج بعودة نظام الأسد إلى الساحة الدبلوماسية. وقد أخبرني العديد من مسؤولي بايدن على انفراد أنه لا وجود لأي خيارات سياسية أميركية جيدة.
هناك العديد من الأشياء التي يمكن وينبغي أن تفعلها الحكومة الأميركية والتي يمكن أن تمنع الكارثة في سوريا من أن تزداد سوءاً. ففي هذا الأسبوع، أرسل العشرات من المسؤولين والخبراء وقادة المنظمات السورية السابقين إلى الرئيس بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن قائمة طويلة من الأشياء التي يجب على الإدارة القيام بها الآن. كما يوضح الموقعون على الرسالة سبب أهميتها.
وجاء في الرسالة أنه “لم يتم حل أي من القضايا التي تسببت في حدوث الصراع السوري، وأبرزها فظائع نظام الأسد وعجزه أو رفضه الإصلاح. وتتفاقم العديد من أعراض الصراع، منها المعاناة الإنسانية وتهريب المخدرات على مستوى صناعي وتدفق اللاجئين والإرهاب والصراع الجيوسياسي والأعمال العدائية العرقية والطائفية”.
بعبارة أخرى، تخطئ الإدارة الأميركية بشدة إذا اعتقدت أن السماح للاعبين الإقليميين بإعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع بشار الأسد سيؤدي إلى مزيد من الاستقرار. ويقول الموقعون: “أزمة سوريا معقدة، لكن أي تطبيع غير مشروط مع النظام ليس بالأمر الحتمي”.
وتدعي الإدارة أن سياستها في معارضة التطبيع مع الأسد “لم تتغير”. لكن السوريون لم يقتنعوا بذلك. ويقولون إن التصريحات الأخيرة لمسؤولي بايدن ترقى إلى مستوى الموافقة الضمنية للشركاء الأميركيين المزعومين الذين بدأوا بالاقتراب من الديكتاتور السوري. على سبيل المثال، في 9 آذار/مارس قالت باربرا ليف، كبيرة مسؤولي الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، ” كانت رسالتنا الأساسية [أنك] إذا كنت ستتعامل مع النظام، فاحصل على شيء في المقابل”.
وفي 19 آذار/مارس، استقبل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان الأسد في أبو ظبي بتحية 21 طلقة، ولا سيما الرمزية المزعجة في الذكرى الثانية عشرة للانتفاضة السورية. ولم يكن هناك ما يشير إلى فوز الإمارات بأي مزايا للشعب السوري مقابل الزيارة. ورفضت وزارة الخارجية الأميركية انتقاد تلك الخطوة.
وقال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لفرقة الطوارئ السورية، وهي منظمة سورية-أميركية تتبع للمعارضة إن “إدارة بايدن تخذل الشعب السوري. وإن خطر تهاون إدارة بايدن ودعمها الكامن للتطبيع مع الأسد يكمن في أنه سيدعو الطغاة الآخرين إلى اتباع نفس السياسات”.
وتجاهلت وزارة الخارجية الأميركية إلى حد كبير أقوى أداة كانت في متناول يدها لعزل الأسد – وهي قانون قيصر، الذي أجاز فرض عقوبات على أي شخص يساعد الحكومة السورية. وكان استخدامهم الأول والوحيد لهذه العقوبات في هذا الأسبوع ضد تجار المخدرات. وهذا وعد لم يلتزم به بلينكن الذي قال خلال حملة 2020 أن إدارة بايدن ستنفذ القانون بالكامل. وكتب قادة كل من لجنتي العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والشؤون الخارجية بمجلس النواب إلى بلينكن الأسبوع الماضي ليتأسفوا على «الوتيرة البطيئة المخيبة للآمال للعقوبات» بموجب قانون قيصر.
وأعرب السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، عن أسفه لافتقار إدارة بايدن إلى استراتيجية شاملة لسوريا وحث بايدن وبلينكن على أخذ قائمة توصيات الخبراء على محمل الجد. ويوصي الخبراء بزيادة حجم المساعدات والوصول إلى المناطق المحررة وتكثيف الدبلوماسية وإعادة العلاقات مع تركيا ومعالجة أزمة معتقلي داعش ومواصلة الضغط على الأسد لوقف الفظائع المستمرة مع متابعة المساءلة.
وأخبرني تشارلز ليستر، وهو باحث بارز في معهد الشرق الأوسط، الذي ساعد في تنظيم القائمة المرسلة إلى بايدن وبلينكن، أن الموقعين لا يتوقعون أن تقرر الإدارة فجأة تكثيف مشاركتها في سوريا. لكن من الخطأ القول إنه لا توجد خيارات جيدة.
وقال ليستر: “لم يكن من الضروري أن يتم الأمر على هذا النحو. نعم، لقد ولت أيام إجبار نظام الأسد على الخروج، لكن هناك العديد من الأشياء الأخرى التي لا يزال بإمكاننا القيام بها لإحداث تأثير مفيد ومثمر للولايات المتحدة والشعب السوري.”
ومن الواجب لأي إدارة أميركية أن تفقد الأمل عندما يتعلق الأمر بسوريا. لكن الاستراتيجية الحالية للإهمال غير المقصود ليست مستقرة ولا مستدامة. وإذا استمرت التحركات الحالية، فسوف ينتعش تنظيم الدولة الإسلامية وستؤدي التوترات بين القوات المدعومة من تركيا والمدعومة من الكرد في شمالي سوريا إلى المزيد من إراقة الدماء وستوسع إيران وروسيا نفوذهما وسيعاني ملايين النازحين السوريين داخلياً ولن يعود ملايين اللاجئين إلى ديارهم أبداً وسيستمر شركاء الخليج في التقرب من الصين وسيستمر الأسد في ارتكاب المجازر وسيعلم القتلة الجماعيون المستقبليون أنه لا توجد مساءلة في انتظارهم.
ومن الصعب أن نتخيل أن الوضع في سوريا يمكن أن يزداد سوءاً – لكنه بالإمكان وسيكون كذلك إذا استمرت مصلحة الولايات المتحدة ومشاركتها في التخاذل. إن افتقار إدارة بايدن إلى الاستراتيجية لا يعفيها من المسؤولية عن العواقب القادمة لتقاعسها عن العمل.