دير الزور – نورث برس
في كل ربيع يذهب حسن إلى البادية كما باقي رعاة الأغنام لرعي ماشيتهم، حيث ينمو العشب بُعيد هطول الأمطار وزوال البرد التدريجي، لكن الأمر بات مختلفاً منذ الحرب.
يقول حسن الرعيان (56عاماً) وهو من سكان الحريجي شمالي دير الزور، ويملك 370 رأساً من الأغنام، إن البادية لم تعد تغويهم لرعي ماشيتهم، الأمر الذي يكبدهم الكثير من المصاريف، إذ يضطرون لعلف أغنامهم، دون أن يتكبدوا عناء البحث عن الكلأ في البادية، خوفاً من الألغام.
وتنتشر مخلفات الحرب في دير الزور والبادية السورية وكذلك المدن، ويعود غالبيتها لفترة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وحصدت تلك الألغام آلاف الضحايا خلال سنوات الحرب السورية الإحدى عشر.
يقول “الرعيان” الذي توارث رعي الأغنام عن أجداده، إنه خسر ساق ابنه، في محاولته التخلص من تكاليف العلف، حينما قرر السكن في البادية حيث مرعى أغنامه، حينما انفجر فيه لغم أرضي من مخلفات الحرب.
ويضيف أنه خسر أيضاً 60 رأساً من الماشية بانفجار الألغام، الأمر الذي دفعه، لترك البادية والعودة إلى بلدته، وشراء الأعلاف لأغنامه بغض النظر عن سعرها وتكاليفها.
وسجل قسم الرصد والتوثيق في نورس برس، منذ بداية العام الجاري، مقتل وإصابة 331 شخصاً بمخلفات الحرب في سوريا، منهم 127 شخصاً في دير الزور بين مصابين وقتلى.
ونتيجة مخاوف صاحب الأغنام واعتماده على شراء الأعلاف منذ ثلاث سنوات، لم يتبق لديه سوى 150 من أصل 370رأس غنم، إلا أن ما حصل معه وما سمعه يجعل الرجل متخوفاً أكثر ويفضل وضعه الحالي إلى حين إزالة الألغام.
إذ أن الرجل يناشد الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية، لنزع مخلفات الحرب، التي تنتشر بشكل كبير في البادية، وتفتك بأرواح المدنيين من رعاة أغنام وعاملي كمأة، وكذلك الماشية.
وبلغ عدد الألغام البرية والعبوات الناسفة والذخائر غير المتفجرة في كامل سوريا 6632 بينما بلغ عدد الذخائر الأرضية 60 ألفاً بينما الذخائر العنقودية 1658وبلغ عدد الذخائر التي أطلقت من الجو 364 ألفاً، وفق تقارير.
ويقول حسون الداغر، وهو سكان بلدة الشعفة شرقي دير الزور، وينحدر من مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، إنه كاد أن يخسر اثنين من إخوته أثناء عملهم في البادية، مطلع العام الجاري.
ويعمل الرجل بجنى فطر الكمأة مع إخوته، ويصل مدخول الواحد منهم إلى 200 ألف ليرة، لكنه خسر أحد إخوته جراء عمله في البادية، إذا انفجر بـ اثنين منهما لغم أرضي بينما كانوا يهمون بالعودة إلى منازلهم.
أسعف الرجل أخويه إلى مشفى ميداني في البلدة، وهناك فقد أحدهما حياته، فيما فقد الثاني قدميه، رغم ذلك إلا أن “الداغر” لا زال يعمل في جمع الكمأة، على الرغم من خطر العمل بها، لكنه يقول إنه حذر.
وكما سابقه يناشد المجتمع الدولي وسط عجز تام من قبل السكان والحكومة والمنظمات المحلية الموجودة في المنطقة، في إيجاد حل فوري وسريع للتخلص من الألغام، التي تشكل خطراً كبيراً على حياة السكان القريبين من البادية، وعمال الكمأة ورعاة الأغنام وعابري السبيل.
وبعد مرور 12 عاماً على الحرب، راح 16.301 شخص ضحية لمخلفات الحرب المتفجرة في الفترة ما بين 2013 و2022، بحسب مرصد الألغام الأرضية، الذي أشار إلى أن سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية ترأست قائمة “أكبر ضحايا مخلفات بأكبر عدد ضحايا”.
وخوفاً من ملاقاة ذات مصير سابقيه، قطع قيس الصبحي وهو من بلدة جديد عكيدات بريف دير الزور الشرقي، التفكير في التنزه خلال هذه الفترة من كل عام في البادية، إذ اعتاد الرجل فيما سبق على الذهاب مع عائلته.
ويضيف لنورث برس: “لكن منذ نهاية الحرب وطرد التنظيم، لا نستطيع الذهاب إلى البادية لكثرة الألغام ومخلفات الحرب فيها، والتي نشاهد ونسمع عن وقوع ضحايا بشكل يومي جراء انفجارها”.
ويطالب، الجهات المسؤولة بإزالة تلك الألغام التي تحصد بأرواح المدنيين منذ سنوات، دون تدخل أي جهة للمبادرة بنزع تلك الألغام.
وكما سابقه يناشد علي الزايد من سكان مدينة ذيبان بريف دير الزور الشرقي، المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بالإسراع في معالجة موضوع الألغام ومخلفات الحروب ونزعها من البادية.
“الزايد” فقد شقيقه الأصغر بانفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب، أثناء جمع الحطب من بادية البلدة لبيعه في السوق ليستطيع تأمين قوت أسرته.