دمشق – أحمد كنعان – نورث برس
شهد المسرح السوري خلال سنوات الحرب عدداً من الأعمال التي حاولت طرح المعاناة الكارثية التي حلت بالسوريين إلا أن نظرة سريعة على المقالات النقدية التي كُتبت عن هذه العروض كافية لتشكيل قناعة أن أغلب هذه الأعمال كان سطحياً في المعالجة أو تعبوياً بعيداً عن واقع الأمر.
ولكن هذه القراءة لا تنطبق على مسرحية " تانغو" التي قدمها المخرج ياسر دريباتي يومي 19 20 , كانون الثاني/ يناير الجاري على خشبة مسرح القباني بدمشق، حيث تغوص المسرحية في عمق المشكلة السورية وتطرح الكثير من الاسئلة التي تلامس بقوة المأساة السورية وتكشف أسبابها الحقيقية.
فهي تحكي قصة فتاتين تعيشان في خرابة أحدهما ليلى وهي متدينة متشددة وتنتظر لم الشمل من زوجها الذي كان يعمل بائع غاز وقد تزوج بأخرى و لجأ الى ألمانيا وأقنعها أنه سيبني أكبر جامع في أوربا ووعدها بلم شمل، ولكنها تجهل أنه يخدعها حيث أن المانيا تمنع تعدد الزوجات.
أما الثانية فهي ريتا التي كانت مدربة رقص تانغو في مدرسة كان قد افتتحها لها زوجها الماركسي والمنفتح والذي حولته الحرب الى شبه داعية وتحول إلى متعهد دفن الموتى السوريين فهربت وتشاركت مع ليلى هذه الخرابة لتبدأ بينهما معركة فرض المفاهيم، فليلى تريد أن تصلي وريتا تريد أن ترقص ويوازي هذا الصراع صراع آخر في الخارج على إتاحة الطريق بين سيارتين ليتطور إلى صراع مسلح.
اقتصر العرض على كرسيين وبعض الاغراض المسرحية معتمداً طريقة المسرح الفقير الذي يرتكز بشكل كلي على أداء الممثلين.
المخرج زهير البقاعي قال لـ"نورث برس"، إنها تجربة ناجحة وقد "استمتعتُ بعرض مسرحي صافع في جرأته وملامسته للوجدان ولحقيقة ما جرى ويجري".
الناقد أنور محمد قال: "بتقديري أن عرض تانغو قد ذهب إلى آخر الجرأة وقد صور لنا حالة الهلع والذعر التي تعيشها شخصيَتي المسرحية وهي حال كل السوريين وقد لعب المخرج على الصراع القائم مع المتطرفين وقد كشفت أقنعتهم في هذه المسرحية فكل طرف يحاول أن يرمي بأسباب الجريمة التي تمت في سوريا على الآخر والضحية هو الإنسان".
أما مخرج العرض ياسر دريباتي فقد قال لـ"نورث برس"، عملنا على عنصرَي النص والأداء ولم نعتمد على العناصر الأخرى لأننا كنا نفكر بالعرض خارج صالة المسرح.
وعن كمية الجرأة الكبيرة في الطرح وتدخل الرقيب بالعرض قال: "لم يكن الرقيب قوياً كما كان دائماً وأعتقد أننا قلنا ما نود قوله وكان لدى لجنة قراءة النصوص بعض الملاحظات ولكنها لم تكن جوهرية ولم تؤثر وأعتقد أن المشكلة ليست في الرقابة المشكلة فينا نحن العاملين في المسرح، طبعا لا أريد القول أن الهامش المعطى للمسرح هو هامش واسع ولكن أعتقد أننا يجب أن نخترق المحرمات ولو بشكل نسبي وعلينا أن ان نحرك الساكن".
واختتم حديثه بالقول "لا أنكر أن الموضوع يثير حساسيات مختلفة ولكني أؤمن أن المسرح يجب أن يكون كذلك واذا لم يحفر المسرح عميقاً بحثاً عن الإختلاف وإثارة الشكوك والأسئلة فهو غير جدير".
الجدير ذكره أن المسرحية من إنتاج "البيت العربي للموسيقى" وهي فكرة ياسر دريباتي وكتابة بسام جنيد وتمثيل نرمين علي وريهام التزه، وصمم إضاءتها بسام حميدي.