دير الزور.. صيادون على ضفة الفرات عرضة لصيد الفصائل

دير الزور – نورث برس

انتظروا الليل ليخيم، ليذهب أنور ومجموعة من رفاقه إلى الصيد في نهر الفرات، بعد أن حصلوا على موافقة من نقاط لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” على النهر، للسماح لهم بالتحرك في النهر عبر قواربهم، إذ يذهب الصيادون ليلاً خوفاً على حياتهم، كذلك لخروج الأسماك إلى سطح المياه.

يقول أنور البشير، وهو اسم مستعار لصياد أسماك من بلدة غرانيج شرقي دير الزور، إنه ذهب ورفاقه في قاربي صيد على كل واحد منهما صيادين اثنين، استطاعوا الحصول على كمية جيدة من الأسماك.

لكن ما هي إلا فترة قصيرة وعند دخولهم إلى أحد “الخلجان” القريبة من الضفة الغربية للفرات، حتى انهال عليهم رصاص كثيف من الجانب الآخر حيث يسيطر فصيل تابع لإيران.

وبات صيد الأسماك في نهر الفرات شرقي دير الزور، مهنة “محفوفة بالمخاطر”، نتيجة تكرار حالات استهداف الفصائل الإيرانية للصيادين، والتي تسببت بمقتل عدد منهم، لذا يصف الصيادون مهنتهم بالـ “مغمسة بالدماء”.

يتذكر “البشير” كيف أطلق عناصر نقطة للفوج التاسع التابع للواء القدس الموالي لإيران النار، وكيف انهال عليهم الرصاص بغزارة، وأدى لإصابة أحدهم في الكتف.

يتابع الرجل، سرد الحادثة: “فما هي إلا ثوانٍ عقب إطلاق الرصاص حتى تبعهم قارب عليه محرك دفع، ترك الصيادون القاربين وفروا هاربين، وكان الحظ حليفهم، إلا أن المصاب لم يستطع”.

يقول الصياد إن “عناصر الميلشيات اعتقلوا الصياد المصاب وآخر معه، واقتادوهم إلى مقر الفوج التاسع، هناك تم ضربهم وتعذيبهم، وبعدها تواصلوا مع ذويهم وتركهم بعد استلام مبالغ مالية وصلت إلى 4 آلاف دولار عن كل صياد عبر سمسار يتبع للحرس الثوري الإيراني تواصل مع ذويهم”.

ويعتمد غالبية الصيادين بدير الزور على الطرق التقليدية والقديمة في الصيد، أي على قوارب صغيرة ويصطادون الأسماك إما عن طريق الشبكة، أو الصعق بالكهرباء، أو تفجير الديناميت.

ونهاية شباط/ فبراير الفائت، منعت الإدارة الذاتية صيد الأسماك والاتجار بها وتسويقها اعتباراً من تاريخ 5 / 3 ولغاية 5 / 6 / 2023ـ ويتزامن هذا القرار مع الراحة البيولوجية وبدء موسم التكاثر من أجل تنمية وزيادة أعداد الثروة السمكية.

وتوجد عدة أنواع للأسماك في نهر الفرات ولكل منها جودتها وسعرها في البيع، يعتبر السمك الرومي من أجود الأنواع في نهر الفرات يليه، “الكرب، البني، السلوري، السلموني والعرموطي”.

وتتراوح أسعار الأسماك في الأسواق بين 6 آلاف ليرة للكيلو الواحد حتى الـ٢٠ ألف بحسب جودة ونوع وحجم السمك.

وعلى خلاف سابقه لم يهرب ناصر الفهد وهو أحد صيادي الأسماك من بلدة الطيانة شرقي دير الزور، حينما سمع أصوات الرصاص فوق رأسه، أثناء خروجه للصيد ليلاً.

ولمعرفته ومن معه بأنهم سيقتلون في حال الهرب توجه الصيادون إلى ضوء موجه وأصوات مناداة لهم من إحدى نقاط الفرقة الرابعة “في حال هربنا سيتم إطلاق النار علينا، سيقتلوننا”.

“ذهبنا إلى النقطة وعند وصولنا قيدونا وضربونا وشتمونا أيضاً، وبعد قليل دخل رقيب أول يدعى علي الجدعان يتحدث بلهجة ساحلية، طلب منّا أن نترك لهم السمك والموبايلات ومولدة الكهرباء التي نستخدمها للصيد”.

لم يجد “الفهد” ورفاقه حلاً سوى الموافقة، “عاودنا أدراجنا إلى منازلنا” ومنذ ثلاثة أشهر، وهو وقت الحادثة، يجلس الرجل في المنزل، ولم يستطع النزول مرة أخرى للصيد خوفاً من تكرار الحادثة.

ومنذ بداية العام الحالي 2023 تم رصد عمليتي قتل لصيادي أسماك إحداهما ببلدة البوليل والثانية ببلدة المريعية بريف دير الزور الشرقي، برصاص عناصر موالين لإيران، وإصابة ستة صيادين آخرين في مناطق متفرقة من دير الزور.

وفي العام 2022 قُتل خمسة صيادين برصاص عناصر قوات حكومية وفصائل موالية لإيران، وأُصيب 13 صياداً، واعتقل ما يقارب الـ 25 آخرون، وتم الإفراج عنهم بعد دفع ذويهم لمبالغ مالية أو مصادرة أدوات الصيد.

ويصف أحمد العلي وهو صياد من بلدة الباغوز شرقي دير الزور، مهنة الأسماك بالـمهنة “المحفوفة بالمخاطر”، والـ “مغمسة بالدماء” خاصة خلال الفترة الأخيرة، إذ يتم إطلاق الأعيرة النارية عليهم بشكل مباشر، من قبل نقاط الفصائل الإيرانية المتمركزة على السرير النهري للضفة الغربية للفرات.

ويضيف أنهم يدفعون مبالغ مالية لقيادي في القوات الحكومية، مسؤول عن النقاط المتمركزة على السرير النهري، “لكي يسمح لنا بالصيد، ولكن تلك المبالغ لاتقينا من رصاص عناصر الفصائل الموالية لإيران إلا في حال دفع مبالغ ماليه إضافية لهم”، طبقاً لقوله.

ويحقق “العلي” الذي يعمل صياداً منذ نحو 10 سنوات ويعتمدها كمهنة لتأمين معيشته، مدخولاً يومياً من صيد الأسماك يصل إلى 40 ألف ليرة.

لكن في حال دفع الصياد للجهتين فلن يكفيه المبلغ لرشاوى القياديين، وكذلك سيكون عاجزاً عن تأمين حاجيات أسرته، لا سيما في ظل ضعف ضرب موسم الصيد بعد انخفاض منسوب نهر الفرات.

إعداد: عمر عبد الرحمن – تحرير: أحمد عثمان