خبراء يطرحون حلولاً لتحسين الدخل دون زيادة الأجور وطباعة عملة
دمشق ـ نورث برس
رغم الفجوة الكبيرة بين الدخل والأسعار، ورغم المطالب الملحة برفع الأجور، إلا أن هنالك آراء أخرى لخبراء اقتصاديين تبين أن زيادة الرواتب تشبه الانتحار الاقتصادي، وأن نتيجة الزيادة ستكون “خلبية”، قد تسعد بعض المواطنين، قبل أن يكتشفوا وسريعاً أنها لن تسد تلك الفجوة بين أجورهم والأسعار.
يقول الخبير الاقتصادي عمار الغبرة (اسم مستعار)، لنورث برس، إن هنالك خطوات كثيرة تحدث فرقاً مهماً في الدخل، ولا تترك آثاراً “كارثية” لزيادة الرواتب مثل الحد من التضخم، ورفع الطلب في الأسواق، وزيادة الإنتاج والتصدير.
وإن هنالك الكثير من المشاكل النقدية التي يجب علاجها، وفي حال تم ذلك سيساهم هذا في تحسين الأجور، وتكون النتائج أفضل من تبعات الزيادة.
وأعاد السبب في التدهور الدائم لقيمة الليرة السورية إلى طريقة إدارة النقد، وعدم استخدام أدوات السياسة النقدية، وبرأيه أن السبب يعود إلى ضعف الإدارة المالية وعدم خبرتها.
الدول المجاورة
وذكر “الغبرة” أن على البنك المركزي أن يكون على علم بحجم الإصدارات الورقية، ليتمكن من تحديد حجم الكتل المالية من الليرة السورية الموجودة خارج سيطرة الدولة، سواء الموجودة منها في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، أو في الدول المجاورة مثل لبنان والعراق والأردن، وبيّن أن هذه الكتل النقدية خارج سيطرة البنك المركزي ورقابته.
وقال إن كل هذه أمراض يجب علاجها قبل زيادة الأجور، لأنه ضمن هذه الأمراض لا فائدة من الزيادة.
وأضاف أن سياسة الحكومة تجاه زيادة الأجور غير واضحة، ويجب أن يكون هنالك خطة واضحة لكيفية الزيادة، وهذه الخطة تتطلب “زيادة في الإنتاج والتصدير والاستيراد، لكن ما يحصل على أرض الواقع عكس كل ذلك، وبالتالي ليس هنالك الموارد المطلوبة لزيادة الأجور”.
مؤسسات صرافة
وقال “الغبرة” إن من مشاكل النقد في سوريا أيضاً، موضوع حوالات القطع الأجنبي من الخارج التي تصبح أرقاماً تسجل في حسابات شركات الصرافة، “وهذه تغذي العمليات التي يقوم بها المستوردون”، في إشارة إلى تهميش دور المصارف العامة الذي اقتصر عملها على عمليات الودائع والسحوبات.
وأشار أيضاً إلى أن مؤسسات الصرافة أصبحت تقوم بمهام المصارف، علماً أن هذا له آثار كبيرة لأن تنفيذ السياسة النقدية من قبل المصارف العامة أكثر قوة من الاعتماد على مؤسسات الصرافة.
عضو لجنة تصدير سابق، قال لنورث برس، إن “المشكلة الأكبر في إدارة النقد هي في اعتماد “المركزي” على منصة التصدير والخسائر التي منيت بها الدولة بسببها”.
وبين المصدر أن المنصة لم تحقق الأهداف التي وجدت من أجلها، وهي تثبيت سعر الصرف، لكن الواقع أن سعر الصرف الذي كان عند إحداثها لا يتجاوز 3750 ليرة، وصل سعره اليوم إلى 7200 ليرة، أي أنه ارتفع بنسبة 200 %.
ووصف المصدر تلك السياسة بالفاشلة، لأنها لم تحقق أهدافها وكبدت الدولة خسائر كبيرة بسبب انخفاض قيمة الليرة وتراجع الدخل وارتفاع الأسعار.
ولفت المصدر إلى أن هنالك استنزافاً حقيقياً لليرة دون معرفة السقف الذي يمكن الوصول إليه في سعر الصرف، لأن طريقة التعامل عشوائية، والسياسة المالية غير واضحة.
وقال إنه في ظل تلك السياسات تصبح زيادة الرواتب كارثة للاقتصاد، وما عليهم عمله هو رفع قيمة الليرة السورية، ولجم التضخم ورفع قدرة الدخل على الاستهلاك.
وبين أن الحلول تحتاج لفريق مهني على مستوى عالٍ من الخبرة.
حلول ناجعة
في حين بين خبير تنموي لنورث برس، أن هنالك مصادر كثيرة يمكن للحكومة اتباعها لتحسين مستوى الدخل دون زيادة الأجور.
وهذه الإجراءات تعتمد على قرارات تؤدي لخفض الأسعار مثل تأمين الكهرباء مهما كانت تكاليف ذلك، لأن هذا سيساهم في تخفيض تكاليف الإنتاج، إذ أن أصحاب المصانع لن يضطروا لشراء المحروقات من السوق السوداء من أجل تأمين الطاقة لتشغيل الآلات وهذا يخفض التكاليف كثيراً.
كما أن تأمين الكهرباء سيخفف كثيراً من الطلب على المحروقات من السوق السوداء لتشغيل المولدات والتدفئة، وهذا يخفض سعر هذه المواد، ويصبح هنالك عدم جدوى من قيام أصحاب “السرافيس” ببيع المازوت المدعوم في تلك السوق بعد تراجع الطلب عليه، ويعودون لأعمالهم على الخطوط، وكل هذا بالنهاية يخفض الأسعار، ويساهم بزيادة الدخل.
كما أن البلاد تدفع سنوياً مئات ملايين الدولارات لاستيراد مستلزمات توليد الكهرباء مثل المولدات وألواح الطاقة الشمسية وغيرها، وكل هذه المبالغ يمكن توفيرها واستخدامها في مجالات أخرى.
والفكرة الثانية التي طرحها الخبير التنموي، هي العمل على تخفيض أسعار العلف، لأن ذلك يساهم بانخفاض أسعار ما لا يقل عن 10 مواد إلى النصف، وكل هذا يساهم بشكل غير مباشر في زيادة الدخل دون الحاجة لزيادة الرواتب وطباعة عملة.