تأمين قبر في الدحداح والباب الصغير بدمشق القديمة يثقل كاهل ذوي المتوفى

دمشق – جاد نجار – نورث برس
لم يكفي ما يعيشه السوريون في حياتهم اليومية من مآسي ومصاعب مع ظروف الحرب التي تمر بها البلاد، لتلاحقهم المتاعب حتى بعد الموت، حيث بات تأمين قبر يأوي جثمان المتوفى في دمشق القديمة أمراً شائكاً بعد أن صار يكلف ذوي المتوفى مبالغ مالية كبيرة.
استطلعت "نورث برس" آراء بعضٍ ممن يراجعون "مكتب دفن الموتى" في دمشق لتقف على ما يتناقله الناس من "أن أسعار القبور أصبحت بمبالغ تفوق التصور تصل حدّ الأربعة أو خمسة ملايين ليرة سورية".

مطلوب أوراق ثبوتية
يقول إبراهيم تتونجي (68 عاماً) وهو أحد المراجعين لمكتب الدفن لمتابعة معاملة وإجراءات دفن أخته: "توفيت أختي وأريد أن أُنزِلها في قبر جدّي (قبر العائلة كلّها) لكن هنا يطلبون موافقة اثنين من أصحاب الحقّ في الدفن أي ولديّ أخي الأخير الذي توفّي آخر مرة…. وهما الآن مغتربين في ألمانيا منذ بداية الحرب ولا أعرف عنهم شيئاً… والجثة تنتظر في البيت وأنا عالق الآن لا أعرف ماذا أفعل".
ويكمل بغيظٍ واضح: "يريدون إثباتاً أو ورقة من شعبة البيانات، ذهبنا إلى شعبة البيانات وجدنا الكهرباء مقطوعة و(شوفة عينك) العاصفة فوق رؤوسنا ويجب أن ننتظر /3/ ساعات في هذا البرد والتعتير حتى تأتي (ستّ الحسن) يقصد الكهرباء".
معاملة لا طائل منها
 ويقول خلدون إدلبي (أبو خالد) لـ"نورث برس": "الإشكالات التي حصلت معنا هي وجود متوفّي ضيف (اسمه سعيد وهو أحد أولاد عمومتي وآخرُ من دُفن هنا) في القبر الذي نريد أن ندفن أخينا فيه، وهنا في المكتب لا يريدون إكمال المعاملة إلا إنْ أثبتنا أننا من ورثة أهل المتوفّي الأول والذي لم نجد له قيود في القبر لأن جدّنا الكبير حين دفن هنا في مقبرة الدحداح كان ذلك عام 1890 ولا وجود لقيود تشمل تلك الفترة ".
ويكمل، "يريدون تسهيل الأمر علينا لكنهم طلبوا أن نجلب موافقة اثنين من الورثة أولاد عمّي المسافرين في السعودية، وقد قبلوا هنا في المكتب بعد الرجاء والاسترحام مبدئياً على أن نقدم صورة الموافقة عن طريق الواتس أب، رغم أنهم يقولون إنها غير قانونية".
ويقول إدلبي بسخرية وقهر "المهم أن ندفن الجثة قبل أن نلحقها إلى القبر ويتعذّب أولادنا فينا فوق عذابهم وحزنهم"
لا صحة لبيع القبور
فيما يوضّح لنا فراس إبراهيم مدير مكتب دفن الموتى: أن "ما يُتداول من شائعات حول أننا نعطي القبر مقابل مليون أو عدة ملايين هذا غير صحيح بالمطلق لأنه ليس هناك أصلاً شيء اسمه شراء وبيع قبور عن طريق مكتب دفن الموتى كجهة رسمية".
ويضيف، "فنحن جهة إدارية مهمتها تسهيل إجراءات الدفن بدءاً من تقديم قبر جديد، أو تنفيذ معاملات إنزال المتوفّين في قبور يستحقّونها لأنها أصلاً من موروثات الجد أو الجدّة أو أحد الوالدين أو الأعمام ممن يُسمّون (العصب الأساسي) أو العمّات وهنّ يأتين في المرتبة الثانية من حيث أحقية أولادهم في الدفن في قبورهم نفسها".
وفيما إذا كان بعض الناس يبيعون قبور العائلة  عن طريق "حكم محكمة قطعيّ" وعبر المحاكم الرسمية رغم أن القبور والمقابر الإسلامية تُعتَبرُ وقفاً تابعاً لوزارة الأوقاف ولا يمكن التلاعب بها أو تشويهها أو إزالتها أو البناء عليها.
يقول إبراهيم بهذا الخصوص: "يمكن لأي صاحب استحقاق شرعي ومُثبت بالبيانات العائلية (التسمية الرسمية في معاملات الدفن) أن يبيع بالمبلغ الذي يريده حين يوافق عليه الشاري لكن عن طريق المحكمة وليس عن طريقنا نحن هنا في مكتب الدفن… وهذه من الأمور التي نسعى عبر القرارات الجديدة مثل القرار رقم /18/ لعام 2019 أن نتلافاها ونتجاوزها".
تكاليف مرهقة
والجدير بالذكر أن بعض تكاليف معاملة "الدفن /أي السيارة والكفن والتغسيل" تتراوح بين /30/ و/35/ ألف ليرة سورية، يُضاف إليها /75/ ألف ليرة في حالات تنازل أحدهم للآخر عن استحقاق الدفن. إضافة لمئة ألف ليرة في حالات تثبيت الاستحقاق و/40/ ألف ليرة تكلفة تجهيز القبر من مواد بناء وشاهدة رخامية واسمنت وأجرة حفّار القبور، و/150/ ألف ليرة تكلفة استئجار صالة عزاء لمدة ثلاث ساعات يومياً فقط… وهذه التكاليف باتت تعتبر بالنسبة للسوريين كوارث تضاف إلى فاجعتهم بموت ذويهم وأقربائهم.