هناك في عفرين قضية وطنية سورية عامة

خلال سنوات خمسة ماضية  نشأت وتراكمت (قضية عفرين) عبر التشكل التالي:

1-غزو تركي عسكري لمنطقة عفرين ومدينتها،قاد إلى احتلالهما عام2018، 2-تعاون مع التركي أثناء الغزو فصائل عسكرية سورية معارضة، 3-جرت عملية تهجير لمواطنين سوريين كرد من بيوتهم وأراضيهم في منطقة عفرين ومدينتها، حيث توزعوا في حلب وكوباني ومنطقة الجزيرة، وهم يُمنعون حتى الآن من العودة إلى ديارهم، 4-جرت عملية توطين لمواطنين سوريين،  نزحوا إلى منطقة إدلب  من حوران والغوطة وشمال حمص ، في بيوت وأراضي الذين تم تهجيرهم، 5-بدأت مشاريع تركية بتمويل قطري قبل فترة لبناء مدن وتجمعات سكنية في منطقة عفرين من أجل إسكان وتوطين لاجئين سوريين، يقيمون في تركية، هناك.

ليلة عيد نوروز هذا الشهر جرت مجزرة قتل فيها مواطنون سوريون أربعة من الكرد كانوا يحتفلون بالعيد في بلدة جنديرس غرب عفرين من قبل فصيل مسلح أغلب أعضائه من محافظة ديرالزور وهو ينضوي تحت مايسمى ب”الجيش الوطني السوري”الذي أنشأته أنقرة وتشرف عليه. لم تكن هذه المجزرة سوى قمة جبل الجليد الذي اسمه (قضية عفرين)، حيث أن منع الكرد هناك من الاحتفال بالنوروز هو أحد التفاصيل المتفرعة من القضية، كما أن الموضوع ليس فقط هو الموقف من المجزرة، بل يجب التنقيب والحفر في القضية، وإن كان يوم المجزرة المذكورة هو يوم يجب أن يطوي صمتاً،استغرق خمس سنوات عن (قضية عفرين)، شارك بها السوريون، الموالي منهم والمعارض والمتردد، وهو علامة ليست محمودة على وضعية الوطنية السورية الراهنة، عندما يتم الصمت العام المتواطىء، ولاعتبارات متناقضة ومتباينة، على ظلم سوريين لسوريين بالتعاون مع الأجنبي الغازي والمحتل.

أولاً، يجب تسجيل أن القضية على أنها قضية تعاون مع غازٍ محتل من قبل أناس سوريين يتعاونون معه، وله خططه ومطامعه في الأرض السورية وهو لا يخفيها. الجانب الثاني أن هناك اضطهاد قومي للكرد من قبل تركي غازي عنده قضية كردية مشتعلة في بلده ويشارك ويتعاون في هذا الاضطهاد عرب  سوريون يحملون أيديولوجية إسلامية، ولكن هذا لا يخفي البعد القومي  الشوفيني عندهم، وتحولات هؤلاء مثل تحولات مؤسس (داعش)، الملقب ب “حجي بكر”، عندما تحول من ضابط بعثي في مخابرات نظام صدام حسين إلى إسلامي في مرحلة مابعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. الجانب الثالث هو قبول سوريين نزحوا من أراضيهم بحكم صراعات الأزمة السورية وطاحونتها  بأن يكونوا تجاه مواطنيهم السوريين الكرد في عفرين في وضعية شبيهة بوضعية المستوطن اليهودي في أرضي الفلسطينيين بالضفة الغربية.

تكشف (قضية عفرين) ظاهرات عديدة منها  استسهال موجود عند سوريين كثر للتعاون مع الأجنبي ضد السوري الآخر. الظاهرة الثانية أن الظالم لا يمكن أن يكون صاحب قضية عادلة حتى ولو كان مظلوماً. الظاهرة الثالثة أن هناك سوريون إسلاميون كثر ينظرون إلى أردوغان كما كان ينظر خالد بكداش إلى ليونيد بريجنيف بالسبعينيات عندما أسمى الشيوعيين السوفيات ب”الرفاق الكبار”، أي ليس فقط تبعية، وإنما هناك إيمان أيديولوجي يبرر ويسوغ  التبعية. الظاهرة الرابعة هي استسهال سوريين كثر للظلم وعدم وجود تضامن معنوي عام مع المظلوم يكون عابراً للخطوط السياسية والقومية والدينية والطائفية ولا يقف عندها ولا تكون مانعاً من أن يعبر خطوطها.

طبعاً، كانت مجزرة جنديرس كاشفة لبعض مما سبق الكلام عنه في هذه الأسطر، ولكن لم تساعد حتى الآن على الوقوف أمام مرآة الوقائع للوصول إلى جوهر (قضية عفرين)، بل ربما كانت المجزرة مساعدة على تخبئة بعض الذين تعاونوا مع التركي منذ عام 2011 في “المجلس” و”الائتلاف”، عندما وقع بعضهم على بيان مشترك يدين المجزرة،ولكن من دون أن يقول بعض هؤلاء الآن  ماهو رأيهم بكلام قالوه عام 2012 عن أن “الشعب السوري يعتبر جبهة النصرة جزءاً من الثورة”، وهي الآن المعتمد التركي الأساسي من الفصائل المسلحة في عفرين، وأيضاً ماهو رأيهم، وبعضهم كانوا قادة رئيسيين في “المجلس”و”الائتلاف”، في سياسة أردوغان العامة تجاه سوريا والتي تأتي (قضية عفرين) كأحد نتائجها، وهم الذين ركبوا في مركب أردوغان منذ عام 2011 وكان ظنهم بأنه سيكون في سوريا مثل الرئيس الفرنسي ساركوزي مع مصطفى عبدالجليل ضد القذافي في ليبيا 2011.