المقدمة
دخلت المياه ميدان الحرب السورية مثل باقي القطاعات والموارد الأخرى, وتأثرت بشكل كبير إثر النزاع المستمر منذ أكثر من 12 عاماً, وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن أكثر من 50%من أنظمة المياه والصرف الصحي لا تعمل في سوريا وإن نسبة مياه الشرب انخفضت لأكثر من 40%, وتدنت إثرها قدرة البلاد على توليد الطاقة بنسبة 70%.
وساهمت تركيا بحبسها حصة سوريا من مياه نهر الفرات، بتفاقم أزمة المياه في البلاد, إذ يعتمد عليها بشكل أساسي أكثر من 5 ملايين شخص, وأثر النقص الحاد في المردود المائي بتدهور وضع المزروعات وبالتالي انعكست على الأزمة الغذائية, بالإضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة.
أزمات نقص المياه
أثرت الحرب السورية على أنظمة المياه وتضررت عشرات محطات المياه بسبب القصف أو بسبب سرقة محتوياتها, ودفع ذلك السوريين للاعتماد على مصادر مياه غير آمنة بدأت تظهر أضرارها بعد تفشي الكوليرا بالبلاد في 10 أيلول/سبتمبر 2022.
وتعد مناطق شمال شرقي سوريا أكثر المناطق المتضررة من أزمة المياه, بسبب حبس تركيا المياه في سدودها منذ كانون الثاني/ يناير 2019, واستخدام نهر الفرات كسلاح حرب وورقة ضغط على الإدارة الذاتية.
لكن أكثر المتضررين هم المدنيون وعلى وجه الخصوص المزارعون, لأن انخفاض مستوى نهر الفرات وجفاف بعض أفرعه, ساهم بتدهور الإنتاجية الزراعية وخاصة بعد أن تم منع المزارعين من ري المحاصيل بمياه النهر لانخفاض منسوبه وبسبب انتشار الكوليرا, كما أن الجفاف الحاصل في المنطقة أثر على الاقتصاد السوري وعلى غذاء السوريين بشكل مباشر, وتسبب ذلك برفع أسعار الخضروات والخبز في جميع المناطق السورية, أي أن تركيا ارتكبت انتهاكاً صارخاً آخر لحقوق الإنسان وهو حرمان السوريين من حقهم في المياه الأمنة والتأثير على أمنهم الغذائي.
وبحسب الأمم المتحدة تأثرت 54 محطة مياه من أصل 73 محطة على طول الضفة الغربية لنهر الفرات بشكل كبير أو شديد من انخفاض منسوب المياه بشكل خطير, وأثر ذلك على مياه الشرب المتوفرة في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور وحلب.
وساهم انخفاض منسوب نهر الفرات بحدوث أزمة صحية, وتسبب بانتشار الأمراض والأوبئة كالكوليرا والتهاب الكبد الوبائي وحمى التيفوئيد, وازداد عدد حالات الوفاة بهذه الأمراض منذ جفاف النهر وأفرعه.
وفي تقرير لـ هيومن رايتس ووتش، بعنوان “أطراف النزاع في سوريا تفاقم وباء الكوليرا”, قالت فيه: “السلطات التركية تفاقم أزمة المياه الحادة التي يُعتقد أنها أدت إلى انتشار الكوليرا القاتل في جميع أنحاء سوريا وإلى البلدان المجاورة, ينبغي على تركيا أن تتوقف على الفور عن مفاقمة أزمة المياه في سوريا”.
وقال آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “لن يكون تفشي الكوليرا المدمر هذا آخر مرض تنقله المياه يؤثر على السوريين، إذا لم تتم معالجة مشاكل المياه الشديدة في البلاد على الفور، لا سيما في الشمال الشرقي”, ينبغي على تركيا أن تتوقف على الفور عن تفاقم أزمة المياه في سوريا.
حبس المياه ليس الانتهاك الوحيد للحكومة التركية, فهي مسؤولة أيضاً عن فصائل المعارضة المتواجدة في سري كانيه والتي تعمل بشكل ممنهج على قطع المياه الواردة من محطة علوك التي تقع في مناطق سيطرتهم في سري كانيه.
وتعتبر محطة مياه علوك المورد المائي الوحيد المغذي لأكثر من 700 ألف شخص يقطنون في مدينة الحسكة وريفها وتل تمر.
كما فتحت السلطات التركية عام 2020 بوابات تصريف في سد بحيرة ميدانكي في عفرين الخاضعة لسيطرة الفصائل, لاستجرار المياه إلى سد الريحانية في ولاية هاتاي التركية واستجرّت إلى الآن أكثر من 50% من مخزون البحيرة.
وتعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن إلحاق الضرر بالمنشآت والأشغال المائية طرق عديدة يمكن من خلالها إفراغ الأرض المحتلة من سكانها الأصليين, وتأثيرها لا يكون فقط على السكان بل على المحاصيل والماشية أيضاً.
وتعد أفعال السلطات التركية تجاه الوارد المائي، انتهاكاً بيئياً خطيراً, ويحظره القانون الدولي الإنساني ويفرض على طرف النزاع حماية الموارد المائية وذلك لضمان الاستدامة وتقليل الضرر البيئي, كما أن الصكوك المتعلقة بالنزاعات المسلحة الدولية تحظر استخدام المياه والغذاء كأسلوب حرب, وتعد ممارسات السلطات التركية اتجاه الموارد المائية انتهاكاً ممنهجاً وواسع النطاق ويرتقي ليكون جريمة ضد الإنسانية.