ما تأثير قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف بوتين؟
غرفة الأخبار – نورث برس
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الجمعة، قراراً رمزياً للغاية، يُعتقد صعوبة تطبيقه على أرض الواقع، وهو توقيف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومفوضة حقوق الطفل الروسية ماريا ألكسييفنا لفوفا بيلوفا، فيما يتعلق بالترحيل القسري للأطفال من أوكرانيا إلى روسيا.
لاقى القرار تأييداً أميركياً، بينما لم تعترف به روسيا.
ويعتبر الترحيل القسري للسكان جريمة بموجب القانون، وهذا ما يواجهه الرئيس الروسي، علماً أن بلاده كانت من الدول الموقعة على قانون روما الأساسي، لكنها انسحبت في عام 2016، قائلة إنها لا تعترف باختصاص المحكمة.
أما أوكرانيا وهي ليست من الدول الموقعة على المحكمة في لاهاي، إلا أنها منحت المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة على أراضيها.
وجاء إصدار المحكمة الجنائية الدولية، بعد أربع زيارات أجراها المدعي العام للمؤسسة كريم خان، على مدار العام الماضي، حيث أفاد أن “هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن بوتين يتحمل المسؤولية الجنائية الفردية عن عمليات اختطاف الأطفال”.
ما تأثير القرار؟
نظراً لأن روسيا لا تعترف بالمحكمة ولا تسلم مواطنيها، فمن غير المرجح أن يتم تسليم بوتين أو لفوفا بيلوفا إلى المحكمة في أي وقت قريب.
لكن إصدار القرار يظل بالغ الأهمية لعدد من الأسباب، وهي رمزية للغاية، حيث تعد بمثابة إشارة إلى كبار المسؤولين الروس – العسكريين والمدنيين – الذين قد يكونوا عرضة للمحاكمة إما الآن أو في المستقبل، وسيحد من قدرتهم على السفر دولياً، بما في ذلك حضور المنتديات الدولية.
ويفرض القرار على الدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 123 دولة أن تحتجز بوتين وجلبه للمحاكمة إذا وطأت قدمه أراضيها.
ومن المعروف أن المحكمة الجنائية الدولية لا تعترف بالحصانة لرؤساء الدول في القضايا التي تنطوي على جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية.
وأحد النماذج التي توضح صعوبة تطبيق القرار على أرض الواقع، هو قرار إلقاء القبض على الرئيس التشيلي السابق أوغستو بينوشيه في لندن في عام 1998 بناءً على مذكرة دولية صدرت بحقه آنذاك.
ادعى الرئيس التشيلي وقتها، أوغستو بينوشيه الحصانة كرئيس سابق للدولة، وهو ادعاء رفضته المحاكم البريطانية، ولكن في نهاية المطاف، سمح وزير الداخلية البريطاني، جاك سترو، لبينوشيه بالعودة إلى الوطن على أساس اعتلال صحته.
في الوقت الحالي لن يتأثر بوتين بالقرار باعتباره يرى نفسه آمناً في سلطته وقد يستهزئ بالإجراء، لكن يبقى ثمة احتمال أن يخسر بوتين السلطة أو سقوطه يوماً ما، وخاصة إذا تم ذلك على يد معارضته، فيقرر خلفاً له إرساله إلى لاهاي.
ويشجع هذا الاحتمال حالات حصلت بالفعل، مثل الزعيم اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي أدين بسلسلة من تهم جرائم الحرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في خضم الحرب في كوسوفو في عام 1999، فبعد سقوطه عام 2001، تجاهل رئيس الوزراء، زوران دجيندجيتش، حكماً قضائياً يحظر التسليم وأمر بنقل ميلوسيفيتش إلى لاهاي، قائلاً: “أي حل آخر باستثناء التعاون مع لاهاي سيؤدي بالبلد إلى كارثة”.
وجاء اعتقال ميلوسيفيتش – قبل نقله – بعد ضغوط على الحكومة اليوغوسلافية لاحتجاز الرئيس السابق أو المخاطرة بخسارة مساعدات اقتصادية أميركية كبيرة وقروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
الأطفال الأوكرانيين – خلفية القرار
ظهرت تقارير لأول مرة في بدايات الحملة الروسية ضد أوكرانيا، عن نقل أطفال أوكرانيين في الأراضي التي سيطرت عليها موسكو كي يتم تبنيهم من قبل عائلات روسية.
وقدمت روسيا أعمالها على أنها مهمة إنسانية لإنقاذ الأطفال الأوكرانيين من الحرب. لكن أوكرانيا اتهمت روسيا بارتكاب إبادة جماعية ووصفت أفعالها بأنها جريمة حرب.
من بين المختطفين المزعومين أطفالاً أُخذوا من مؤسسات الدولة الأوكرانية في مناطق خيرسون خاركيف وزابوريجيا ودونيتسك ولوهانسك، ومعظمهم أرسلهم آباؤهم إلى “معسكرات صيفية” تديرها روسيا ولم يعودوا منها أبداً، وأطفالاً اعتقل آباؤهم من قبل سلطات الاحتلال الروسية، وأطفالاً أيتام بسبب القتال الدائر.
ويقرأ الروس القضية على أنها كانت تصرف إنساني من قبلهم، حيث تبنت العائلات الروسية ما لا يقل عن 400 يتيم أوكراني بينما نحو ألفاً آخرين ينتظرون تبنيهم، وفقاً لأرقام كشفها المركز الإقليمي الأوكراني لحقوق الإنسان.
ومفوضة الأطفال الروسية لفوفا بيلوفا وهي أيضاً يشملها القرار الدولي إلى جانب رئيسها بوتين، قامت “بتبني” طفل يبلغ من العمر 15 عاماً من ماريوبول، المدينة التي سيطرت عليها روسيا والواقعة جنوب شرقي أوكرانيا .
أما ما يدفع الجانب الأوكراني للاعتقاد بأنها جريمة حرب، هو أن العديد من هؤلاء الأطفال الأوكرانيين لديهم أقارب على قيد الحياة، وغالباً ما يبحثون بشدة عنهم، بما فيهم الأطفال الذين كانوا بأيتام برعاية أوكرانية.
وتحظر اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية “النقل القسري لأطفال المجموعة إلى مجموعة أخرى”، وتحظر اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأطفال “النقل غير المشروع للأطفال إلى الخارج وعدم عودتهم”.
رفض روسي وتأييد أميركي
وفي أول تعليق على قرار المحكمة، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن روسيا لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
بالمقابل قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إن بوتين ارتكب “بوضوح” جرائم حرب وإن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة توقيف بحقه كان له ما يبرره.
وقال بايدن للصحفيين قبل مغادرته البيت الأبيض متوجها إلى ديلاوير: “حسناً، أعتقد أن قرار المحكمة له مبرر”، وفيما لم تعد الولايات المتحدة طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية ولا تعترف بسلطتها، إلا أن بادين اعتبر القرار بمثابة “نقطة قوية للغاية”.
وقال المتحدث الروسي بيسكوف إن روسيا تعتبر قرار المحكمة “باطل قانوناً”.
ورفض بيسكوف التعليق عندما سُئل عما إذا كان بوتين سيتجنب القيام برحلات إلى دول يمكن أن يعتقل فيها بموجب مذكرة المحكمة الجنائية الدولية.