الثوم والبصل نموذجاً.. سياسة زراعية “فاشلة” تنقل الأزمات من عام لآخر

دمشق ـ نورث برس

عاش السوريون قبل عامين مشكلة النقص الكبير في الثوم، وارتفاع أسعاره، وفي هذا العام شهدوا أزمات كثيرة مثل النقص في مادة البصل، ومن ثم الفروج، والبطاطا واللحوم الحمراء وغيرها.

الأزمات التي تحصل في أي منتج زراعي لا تكون مفاجئة، بل تكون متوقعة، ومع هذا يمكن أن نشهد أزمة في كل عام، يختلف فيها نوع المنتج فقط.

معظم الأزمات التي حصلت، توقعها الكثير من المتابعين للقطاع الزراعي، وحذروا مما سيحصل لهذا المنتج في العام التالي.

يقول خبير زراعي لنورث برس، إن “الحكومة هي المسؤولة عن حصول كل هذه المشاكل الزراعية، فعندما تنخفض أسعار أي منتج بسبب الفائض منه، يتعرض المنتجون لخسائر كبيرة، بسبب انخفاض الأسعار لما دون التكاليف”.

والقصة أن الحكومة “لا تتدخل لحل هذه المشاكل”، سواء من حيث تسويق المنتج عن طريق مؤسسات التجارة الداخلية وتخزينه، لحين الحاجة، أو عن طريق العمل على دراسة حاجة السوق الفعلية والسعي لتصدير الفائض منه.

نتيجة حتمية

وتكون النتيجة عزوف المزارعين عن الإنتاج، ليحصل نقص في المادة يتسبب برفع أسعارها الكبير بشكل يرهق المستهلك، ولا يحقق فائدة للمنتج، لأن العمل الزراعي في سوريا يحقق عوائد أعلى للحلقات الوسيطة التي تتدخل في التسويق أكثر من المنتجين، وهذه طريقة عمل تكرس الاستغلال للمزارعين والمنتجين.

وبين الخبير أن هذا الأمر حصل مع الثوم، ومن ثم البصل والفروج والقمح، والبطاطا وغيرها.

وأشار إلى أن مشكلة العلف مثلاً، “تسببت بخروج الكثير من المربين من قطاع الدواجن، وهذه المشكلة ظلت بلا حل حتى أصبح سعر الفروج يفوق نصف راتب الموظف، وأصبح مادة خارج القدرة على الاستهلاك. الأمر الذي يجعل المنتج رغم انخفاض كميات الإنتاج يجد صعوبة في التسويق.

لكل هذا يشير الخبير الزراعي، إلى أن تجنيب المنتجين الخسائر “يحافظ على الإنتاج، ويحول الأراضي غير المزروعة إلى أراض منتجة”.

وبين أن كل دول العالم تعمل على دعم المنتجين والمصدرين، في حين من يتلقون الدعم في سوريا هم المستوردين، والجميع يعلم أن إنقاذ القطاع الزراعي يبدأ من حل مشاكل المنتجين.

عمل مقامر

يقول المزارع حسن اليوسف، إن العمل الزراعي يشبه “المقامرة”، فمع كل موسم زراعي يظل المنتج يراهن على العوامل الجوية فيما إذا توفرت الماء، وتم تأمين الري المطلوب للمحصول، أو إذا أمطرت أم لم تمطر.

ثم تأتي المشكلة الأهم وهي التسويق، فكل المحاصيل التي لا تصدر لا تحقق للمنتج عوائد اقتصادية تغطي تكاليف الإنتاج، بسبب انخفاض القدرة الشرائية الكبير، وهذا ما يحصل مع موسم الحمضيات كل عام، فحين تستقبل العراق الحمضيات السورية يتحسن السعر في الداخل، أما حين تغلق الحدود كما حصل خلال السنوات السابقة، يختنق المزارع وتكون خسائره كبيرة.

وبين “اليوسف” أن هنالك الكثير من المزارعين الذين قلعوا أشجار الحمضيات ليزرعوا الزيتون مكانها بعدما كانوا زرعوا الليمون مكان أشجار الزيتون التي تم قلعها بسبب صعوبة تسويق زيت الزيتون الذي تكدس في مخازن البيوت لسنوات طويلة قبل أن يقوم التجار بجمع كل تلك المخازن من الزيت بأسعار بخسة لم تتجاوز 3 آلاف ليرة للبيدون قبل سنوات خلت، ثم يعاودون بيعه بأسعار مضاعفة.

منع التصدير

وعند التواصل مع خبير في الاقتصاد الزراعي، لتبيان رأيه في موضوع الخسائر الزراعية، قال علي صقور (اسم مستعار) لنورث برس، إن من أهم أسباب الأزمات المتكررة لنقص كميات الإنتاج الزراعي وارتفاع الأسعار بالمنتجات الزراعية كالبصل والبطاطا والثوم والبندورة، هو أن “المزارع ليس لديه توقع حقيقي عن حجم الطلب المستقبلي على منتجاته الزراعية، ويخشى أن تقوم وزارة التجارة الداخلية كالعادة بتوجيه ضربة له بمنع تصدير تلك المنتجات لتحقيق مبدأ: خلي الشعب يطعمي بعضه”.

وأضاف “صقور” أن هذا يؤدي إلى زيادة العرض وكساد منتجاته وانخفاض الأسعار لأقل من تكلفة الإنتاج، ووقوعه بـ”الخسارة الفادحة”. وبين أن هذا الأمر يتكرر بشكل دائم, وبالتالي عدم قدرته على الزراعة في الموسم القادم وعليه يكون الإنتاج الزراعي ضعيفاً.

وأشار “صقور” إلى أنه في حال معرفة المنتج المسبقة، بأن الأسواق مفتوحة للتصدير وهنالك طلب مستقبلي على منتجاته للتصدير،  “فإن الإنتاج سيتضاعف بشكل كبير بما يكفي لتلبية الطلب على الأسواق المحلية والطلب للتصدير”.

وبين أن زيادة الصادرات تساهم في تخفيض سعر صرف الدولار.

واقترح “صقر” ضرورة عمل الحكومة على “توسيع الإنتاج دون الخوف من إغلاق باب التصدير بقرارات مفاجئة في أي لحظة تتسبب بخسائر فادحة للمنتجين كما حصل مع الثوم والبصل”.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله