الولايات المتحدة بحاجة لتوضيح سياستها تجاه تركيا حليف الناتو

في عرضه قبل انتخابات عام 2020، أوضح الرئيس جو بايدن أن دور الولايات المتحدة هو قيادة المسيرة قائلاً: “علينا أن ندافع عن الحرية والديمقراطية”.

تخبط بايدن في أفغانستان لكنه أوفى بوعده. ويذكرنا دعمه القوي لأوكرانيا بدعوة الرئيس فرانكلين روزفلت، لأمريكا بأن تكون “ترسانة كبيرة للديمقراطية”.

وها هي الولايات المتحدة مرة أخرى تقود المسيرة بقرارات داعمة لأوكرانيا تبعتها دول الاتحاد الأوروبي بعد نوع من التأخير. 

وصرح بايدن أيضاً أن الولايات المتحدة ستعيد الغالبية العظمى من قواتها إلى الوطن من الحروب في أفغانستان والشرق الأوسط وحصر مهمتها بهزيمة “القاعدة” و”داعش”. لذلك أعلن وزير الدفاع لويد أوستن للتو أن القوات الأميركية مستعدة للبقاء في العراق.

وتبين أن التعاون بين القوات الخاصة الأميركية وقوات سوريا الديمقراطية بقيادة الكرد في شمال سوريا والذي أدى إلى هزيمة “داعش” كان عملية ناجحة وفعالة. وعندما أعطى الرئيس السابق دونالد ترامب، على إثر مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الضوء الأخضر لتوغل تركي ثالث في سوريا في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، هذا ما أدى إلى وضع العراقيل أمام العمل مع الشركاء.

مشكلة الولايات المتحدة مع تركيا

يعد الدعم الأميركي للقوات الكردية في سوريا مصدر إزعاج دائم لتركيا وقد أدى إلى محاولة استرضاء أنقرة عندما زار رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، شمال شرقي سوريا. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إنه التقى فقط مع القوات الأميركية أثناء وجوده هناك.

الشيء الوحيد الذي يمنع التوغل التركي الرابع المخطط له، هو إذن روسيا، لكن روسيا مشغولة أكثر بفنائها الخلفي في أوكرانيا.

أعلن بايدن أن الناتو هو حصن الفكرة الديمقراطية الليبرالية، “تحالف القيم”، وهو المكان الذي تقصر فيه تركيا. منذ وصول أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية (AKP) إلى السلطة في عام 2002، شهدت تركيا تحولًا رئيسيًا في المحور، مما أدخلها في صراع مع حلف الناتو وقيمه الأساسية: مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون.

ويتجلى ذلك في الاجتماع الثلاثي في تموز/ يوليو الماضي، في طهران بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان التركي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حيث أكدوا تعاونهم. في أيلول/ سبتمبر، عاد أردوغان من قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند، حيث لعب دورًا رائدًا.

كما ذكر أردوغان أن هدفه كان الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، والتي وصفها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بـ ” الناتو المتمرد”. كما تمنع تركيا عضوية السويد في الناتو ما لم تسلم منشقين تعتبرهم تركيا إرهابيين.

منذ أن أعلن بوتين التعبئة الجزئية في أيلول/ سبتمبر الماضي، وفرت تركيا ملاذاً آمناً لآلاف الروس رؤوس أموالهم. كان هذا على حساب الأتراك العاديين، الذين طردوا من منازلهم بسبب الزيادة الهائلة في الإيجارات. في الوجهة السياحية الشهيرة، أنطاليا، فاق عدد وكلاء العقارات الروس والأوكرانيين الذين يعملون بشكل غير قانوني عدد السماسرة الأتراك المرخصين.

حذر وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان إي نيلسون، الشركات والبنوك التركية من أنها قد تعرض نفسها لخطر العقوبات، والتي تشمل فقداناً محتملاً للوصول إلى أسواق مجموعة السبع، بسبب التعامل مع الكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات.

بعد فرض عقوبات على تركيا لشرائها نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400، تم استبعادها من برنامج  F-35 ومع ذلك، أوصت وزارة الخارجية الأميركية قبل عام، الكونغرس بأن ذلك سيكون متماشياً مع مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة ويخدم وحدة الناتو طويلة الأجل للموافقة على بيع 40 طائرة مقاتلة من طراز F-16 و 79 مجموعة تحديث إلى تركيا.

بعد مؤتمر ميونخ للأمن، الذي ركز على الوحدة ضد روسيا، واصل وزير الخارجية أنطوني بلينكن زيارة تركيا، حيث التقى بوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو. بعد الدمار الهائل الذي سببته الزلازل في جنوب شرق تركيا، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 185 مليون دولار كمساعدات إغاثية لتركيا وسوريا.

على الرغم من الكارثة الوطنية، حث وزير الخارجية التركي، بلينكن على تسريع بيع طائرات F-16 المقاتلة إلى تركيا، وأعرب بلينكن عن دعم إدارة بايدن القوي للصفقة.

سافر بلينكن إلى أثينا، حيث التقى بنظيره اليوناني نيكوس ديندياس. أشار كلا الطرفين إلى تعديل اتفاقية الدفاع والتعاون المتبادل (MDCA) وإدراج ميناء ألكسندروبوليس كمحور استراتيجي رئيسي. كما أشار بلينكن إلى استجابة اليونان الإنسانية للزلازل.

كما تحدث بايدن عن الالتزام بمكافحة الفساد والدفاع ضد الاستبداد وتعزيز حقوق الإنسان. في ضوء تقرير وزارة الخارجية لعام 2021 عن انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا، فقد حان الوقت للإدارة الأميركية لإلقاء نظرة طويلة وفاحصة على حليفها في الناتو.

هل التغيير قادم إلى تركيا؟

في أعقاب كارثة الزلزال، تم تمهيد الأرضية لتغيير كبير. تعرض أكثر من 170 ألف مبنى إما للتدمير الكامل أو لأضرار بالغة، ويتم إيواء حوالي 1.9 مليون في ملاجئ مؤقتة، وتوفي أكثر من 50.000 في تركيا وسوريا.

وفقًا لحاكم إقليمي في منطقة الزلزال، فإن الرقم السابق لأكثر من 41.000 قتيل في تركيا يمكن أن يكون أعلى بخمس مرات. قدر عالم جيولوجي أنه من بين 184000 تحت الأنقاض، تم إنقاذ واحد فقط من كل 25.

في تحليل مفصل، أظهرت Financial Times كيف أصبح انهيار Rönesans Residans (Renaissance Residence) ،وهو مجمع سكني فاخر في أنطاكيا، رمزًا للتعفن في نظام البناء في تركيا. قال أردوغان إن تركيا ستبني، ابتداء من آذار/ مارس، ما يقرب من 200 ألف منزل في الجنوب الشرقي المدمر. عقدت إدارة تطوير الإسكان في تركيا، TOKI، ثمانية مناقصات خلال ثلاثة أيام لبناء 3770 مبنى سكني.

مع اقتراب موعد الانتخابات، أصبحت قضية المساءلة أولوية بالنسبة لأردوغان. تم انتقاد تأخر رد فعل الدولة في الساعات الثماني والأربعين الأولى الحاسمة بعد الزلزال الذي وقع في وقت مبكر من صباح يوم 6 فبراير / شباط.

في خطوة صارخة لإعادة انتخابه، ناشد أردوغان أن يتم منحه عامًا، واعداً بأن يشفي فيه جراح الزلازل. كما ألقى باللوم في عدم الاستجابة الفورية على الآثار المدمرة للزلازل وسوء الأحوال الجوية.

ومع ذلك، تم إعاقة عمليات الإنقاذ عندما تم حظر موقع تويتر لمدة 12 ساعة. قدم مدير الاتصالات في تركيا، فخر الدين ألتون، تطبيقًا جديدًا، وهو “خدمة الإبلاغ عن المعلومات المضللة”، بحيث يمكن للمستخدمين الإبلاغ عن الأشخاص الذين ينشرون أخبارًا مزيفة أو معلومات مضللة عبر الإنترنت.

بصرف النظر عن البحث عن كبش فداء، تم بالفعل اعتقال 138 شخصًا بسبب منشورات “استفزازية” على وسائل التواصل الاجتماعي حول الزلازل. لكن المزاج في تركيا آخذ في التحول. تذكرنا احتجاجات حديقة جيزي في عام 2013، حشود الجماهير في مباريات كرة القدم يهتفون لاستقالة الحكومة.

الآن وافقت المعارضة السداسية على زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليجدار أوغلو، كمرشح رئاسي. ولكن سيكون حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للكرد هو العامل الحاسم الذي سيحدد ما إذا كان يمكن لتركيا أن تصبح دولة ديمقراطية أو أن تظل تحت الحكم الإسلامي.

كتبه روبرت إليس لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية وترجمته نورث برس