فطر الكمأة.. موسم نبش الموت في البادية السورية

الرقة – نورث برس

تتوالى أخبار حالات الاختطاف والقتل نتيجة استهداف مجهولين أو انفجار ألغام، بحق الباحثين عن فطر الكمأة، وجميع الحالات تتم في ظروف غامضة.

فطر الكمأة: هو فطر بري موسمي ينمو في الصحراء بعد سقوط الأمطار بعمق من 5 إلى 15 سم تحت الأرض ويستخدم كطعام، عادة ما يتراوح وزن الكمأة من 30 إلى 300 غرام. ويعتبر من ألذ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية.

ينمو الكمأة على شكل درنة البطاطا في الصحاري، فهو ينمو بالقرب من نوع من النباتات الصحراوية، شكله كروي لحمي رخو منتظم، وسطحه أملس أو درني ويختلف لونهُ من الأبيض إلى الأسود، ويكون في أحجام تتفاوت وتختلف وقد يصغر بعضُها حتى يكونَ في حجم حبَّة البندق، أو يكبُر ليصلَ حجم البرتقالة.

وترجع أسباب ارتفاع سعر فطر الكمأة إلى عدم إمكانية زراعته بالطرق التقليدية، إذ ينمو هذا النوع من الفطر بعد الأمطار في المناطق الصحراوية.

تبدأ ذروة موسم الكمأة في شباط/ فبراير، وآذار/ مارس من كل عام، يجد فيه بعض السوريين القريبين من البادية فرصة لتحقيق دخل وافر، بسبب ارتفاع أسعاره ويصل سعره في بداية موسمه إلى 40 دولاراً أميركياً، ويتناقص في فائض عرضه إلى نحو 10 دولارات في الحد الأدنى للكيلو الواحد.

مهنة خطرة

إلا أن ذلك، يمثل انتحاراً بالنسبة لجامعي الكمأة، إذ أن المهنة محفوفة بعدة مخاطر منها الألغام، كما أن البادية السورية منذ 2017 ابتلعت المئات منهم بظروف غامضة، بعضهم قُتل وآخرون انفجرت بهم ألغام، بينما خُطف الكثير منهم وبقوا مجهولي المصير.

وكان أخطر الحوادث بحق جامعي الكمأة منتصف الشهر الفائت، حين فقد نحو 65 عاملاً بينهم 6 عسكريين حياتهم رمياً بالرصاص، في منطقة الضبيات جنوبي السخنة ببادية تدمر، وأغلب هؤلاء من عشيرتي العمور وبني خالد.

وحادثة أخرى في منطقة كباجب جنوبي دير الزور، شرقي سوريا، حين فقد 8 أشخاص حياتهم وأُصيب 40 آخرون، بانفجار لغم أرضي في سيارة تقلهم.

في جميع الحوادث التي تطال جامعي الكمأة توجّه أصابع الاتهام إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، على الرغم من سيطرة الفصائل الموالية لإيران (الميليشيات) على البادية السورية، بعد طرد التنظيم في 2017، لكن ما زال التنظيم ينشط في بعض الجيوب بالبادية السورية، وينفذ أعمالاً خاطفة ضد الفصائل الإيرانية، فهل التنظيم يقف وراء حوادث استهداف جامعي الكمأة؟

استثمارات

تمتد البادية السورية من ريف حمص مروراً بتدمر إلى السخنة فـدير الزور، وتعتبر هذه المناطق الأكثر تواجداً لفطر الكمأة فيها، لكن لا يستطيع السكان جنيها لأسباب؛ أولها: “قربها من مواقع للفصائل الموالية لإيران، وثانيها: يتم تضمنيها من قبل قياديين في الثوري الإيراني أو فصائله”.

وتبقى الكمأة حكراً على أشخاص نافذين في الفصائل الإيرانية، ولا حل للسكان سوى العمل بـ “المياومة” لصالح سماسرة للحرس الثوري الإيراني.

وتنقسم البادية التي تتوفر فيها الكمأة إلى ثلاثة أقسام، بادية حمص الشرقية، وبادية السخنة الشرقية والغربية، بادية دير الزور الجنوبية الغربية، تسيطر على هذه البوادي الثلاث فصائل تتبع للحرس الثوري الإيراني بشكل عام وفصائل موالية له، إذاً كيف يدخل تنظيم “داعش” ويقتل جامعي الكمأة؟

ينفي أحمد الأحمد وهو اسم مستعار لقريب أحد الأشخاص ممن فقدوا حياتهم في مجزرة الضبيات جنوبي السخنة، صلة تنظيم “داعش” بالحادثة، وينسبها لـ”لواء فاطميون الأفغاني”.

ويعمل الضحايا بـ “المياومة” لدى شخص متضمن للمنطقة ومقرب من الحرس الثوري الإيراني والقوات الحكومية ويدعى “مهنا السويف”، والذي يجمع الكمأة من العمّال ليبيعها في مختلف مناطق الداخل السوري.

في تأكيده على مسؤولية “فاطميون الأفغاني” عن المجزرة، يذكر “الأحمد” الذي فقد فيها شقيقين له، أن خلافاً جرى قبل الحادثة بأيام بين قيادي في الحرس الثوري الإيراني وقيادي في فاطميون الأفغاني، حول السيطرة على منطقة الضبيات ليستطيع الثوري الإيراني إحكام قبضته عليها.

وزج عاملي الكمأة رفقة 6 عناصر للحراسة، ليصب فاطميون الأفغاني جام غضبه على العاملين ويقتلهم بطريقة وحشية وينسب الاتهام لـ “داعش”، في الوقت ذاته لا ينفي المصدر تواجد التنظيم في البادية.

جرائم باسم “داعش”

ومنذ سيطرة الفصائل الموالية لإيران على بادية السخنة وتدمر، شهدت المنطقة أكثر من 3 مجازر بحق رعاة أغنام في عامي 2021 و2022، وأكد شهود عيان من بلدة السخنة، “وقوف فاطميون الافغاني وراء المجازر”، ولم يكتف بالمجازر فقط بل اعتقل كل من تداول اتهامات لهم، وذلك عبر سماسرة تتغلغل بين المدنيين لمعرفة من ينسب الاتهام لهم.

وعادة ما يقوم تنظيم “داعش” بتبني أي عملية يقوم بها عناصره عبر معرفات مقربة منه، إلا أنه لم يتبن أي عملية من المجازر السابقة، بحق رعاة الأغنام وجامعي الكمأة.

فيما تقسم بادية دير الزور الجنوبية الغربية لأقسام، منها يسيطر عليها الدفاع الوطني، كالمسرب والشميطية، حيث يتم دفع مبالغ مالية من قبل تجّار الكمأة لقيادات في الدفاع الوطني، مقابل حمايتهم وفتح المجال أمام عامليهم للدخول إلى البادية وجني المحصول.

في حين يسيطر على بادية عياش والمناطق المجاورة لها، فصائل موالية لإيران، لا تسمح للسكان بالدخول إلى البادية بحجة وجود مواقع عسكرية، إلا في حال تم دفع رشاوى، ولكن لا يستطيع جامعو الكمأة، التحرك داخل البادية بسبب الألغام، ومخلفات الحروب التي تتواجد في البادية بشكل كبير والتي يشير سكان إلى أنها “مقصودة وموضوعة من قبل الإيرانيين والدفاع الوطني”.

الحامي متّهم

ومنذ أيام فقد سكان الاتصال بـ أكثر من 10 أشخاص من الباحثين عن الكمأة في بادية عياش، يحمّل فيها عزيز الحامد هو اسم مستعار لمصدر من البلدة ذاتها، الفصائل الإيرانية الوقوف وراء اختطاف الأشخاص واستهداف رعاة الأغنام.

ويذكر المصدر أن الحادثة وقعت بعد خلاف بين سكان بلدة عياش وعناصر من الفرقة الرابعة، طردوا خلالها السكان عناصر للفرقة، في الوقت ذاته يقول المصدر إنهم لم يروا تواجداً للتنظيم منذ 2017.

وبالنسبة لمدى نفوذ “داعش” في البادية، يقول غانم العلي، اسم مستعار لشاب من بلدة السخنة بريف حمص الشرقي، إن التنظيم ليس له مقرات أو نقاط ثابتة في تلك البادية الممتدة من حمص إلى دير الزور، لكنه يكثف من عملياته ضد عناصر الفصائل الموالية لإيران.

ويشير المصدر إلى أنه كان شاهد عيان، على أكثر من حادثتين لعناصر التنظيم على نقاط الإيرانيين في بادية السخنة، وذلك أثناء جمعه للكمأة في البادية، حيث “يستقل عناصر التنظيم سيارة رباعية الدفع ودراجات نارية، وغالباً ما يعمد إلى التمويه ورفع علم القوات الحكومية على مركباته قبل الهجوم”.

كما أن عناصر التنظيم أوقفوه أكثر من مرتين في البادية، أثناء جمعه للكمأة، ويقول إنهم “ملثمين لكن لهجتهم توحي بأنهم من المنطقة ذاتها أو المناطق المجاورة للسخنة، ولا يقومون بقتل المدنيين إلا المتعاملين مع الفصائل الموالية لإيران والقوات الحكومية”.

إعداد: عمر عبد الرحمن – تحرير: أحمد عثمان