هل حُسمت نهائياً؟.. بغداد تقول إنها طوت صفحة المشاكل العالقة مع أربيل
أربيل – نورث برس
بعد سنوات من الخصام على ملفات مالية ونفطية، أثنى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على التفاهم مع إقليم كردستان، رغم أنه ليس الأول بل قد لا يكون الأخير بالنظر إلى تاريخ الخلاف المعقد ذات الصلة بعقود وصفقات مع شركات أجنبية.
وقبل توجهه إلى السليمانية اليوم ومشاركته في ملتقى السليمانية السابع بحضور قيادات الإقليم، أجرى السوداني أمس، سلسلة لقاءات منفصلة في أربيل مع زعيم الحزب الديمقراطي ورئيسي الإقليم والحكومة، وصفها بـ “المثمرة”.
وقال السوداني في تغريدة: “أجرينا مباحثات مثمرة وبنّاءة في أربيل (..) لقد وجدنا تفاعلاً إيجابياً مع خطواتنا في تنفيذ برنامجنا الحكومي، كما لمسنا رغبة جادّة في العمل سوية لتحقيق تطلعات شعبنا في كل مكان.”
بغض النظر عن أوصافه وثنائه، فإن اللافت في تصريح السوداني، هو أنه شدد على مغادرة مصطلح “المشاكل العالقة” بين بغداد وأربيل، وضرورة الذهاب إلى الشراكات المعزّزة للتعاون والتنمية، مما يثير التساؤل: هل حُسم الأمر وحُلت قضية النفط أم أنها ستتجدد مع قدوم حكومات لاحقة.
ولطالما تبادلت وفود أربيل وبغداد جولات وصولات عدةً على مدار عقد من الزمن، تحت مسمى “حل المشاكل العالقة” المتمثلة بملف النفط والمال.
تاريخ المشكلة العالقة
ظلت قضية بيع النفط في إقليم كردستان ملفاً شائكاً في العلاقة الدستوية بين أربيل وبغداد، ولم تغب عن طاولات التفاوض منذ نحو عشر سنوات، وخاصة بعد أن شرعت أربيل بخطوات أكثر استقلالية في بيع النفط بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مناطق واسعة وسط البلاد في 2014.
في مطلع العام الجاري، وفي ظل حلول فترة المباحثات بشأن الموازنة المالية العامة، وحصة الإقليم الذي يعاني أزمة صرف رواتب موظفيه، اشتعل الصراع مجدداً بين أربيل وبغداد على خلفية القضية نفسها، في وقت صعب على الطرفين فيه إيجاد حل تحت مظلة الدستور العراق الفيدرالي.
وفي 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، قراراً يقضي بإلغاء جميع القرارات السابقة التي أصدرتها الحكومة العراقية والمتعلقة بإرسال سلف مالية إلى إقليم كردستان. بينما رد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني على القرار ، بوصفه بـ”غير العادل” وأنه استهداف للعملية السياسية والاتفاق السياسي الذي تشكلت عليه الحكومة العراقية الجديدة.
وقالت حكومة الاقليم إنها “لن تخضع ذلك القرار”.
لكن بغداد تتهم أربيل بأنها مصدر المشكلة، باعتبارها لم تلتزم بإرسال قمية كمية النفط المتفق عليها (250 ألف برميل يومياً) والذي يبيعه الإقليم.
ودائماً كانت بغداد تطالب أربيل بتسليم كامل إنتاجها للحكومة الاتحادية. وفي مطلع شهر أيار/ مايو العام الماضي، دعت وزارة النفط العراقية شركات النفط والغاز العاملة في إقليم كردستان لتوقيع عقود جديدة مع شركة التسويق المملوكة للدولة “سومو” بدلاً من حكومة الإقليم.
وتاريخ الملف النفطي العالق بين الإقليم والمركز يعود إلى نهاية ولاية رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي الثانية في 2014، حين تطورت برفع دعوى في محكمة تجارية تابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس ضد تركيا بشأن مبيعات نفط إقليم كردستان على الأراضي التركية.
ومرت هذه القضية بمراحل مختلفة مرهونة بالتجاذبات السياسية، حيث أوقفها رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي في بداية ولايته نهاية 2014، ثم تفعيلها مجدداً في مطلع 2017 قبل تجميدها في أيامه الأخيرة.
وجاءت بعد ذلك حكومة عادل عبد المهدي وأوقفها بشكل كامل بطلب من القيادة الكردية، قبل أن تستأنف من قبل وزارة النفط العراقي خلال عام 2022.
لماذا ظلت القضية عالقة كل هذه الفترة؟
بينما كان إقليم كردستان يبيع نفطه مستقلاً عن بغداد من خلال عقود نفطية مع شركات عالمية بشكل جلي في عام 2014، رفضت بغداد بالمقابل منح الإقليم نسبة من الموازنة المالية بحجة أن الأخير لا يسلم إيرادات النفط للحكومة المركزية.
رغم أن قرارات بغداد شهدتها فترات صراعات تارةً وهدوء تارةً أخرى، حيث كانت مرهونة بالتوافقات السياسية خلال الحكومات المتعاقبة، إلا أنها ظلت تشكل تهديداً على عقود أربيل طويلة الأمد مع الشركات النفطية الأجنبية.
يعتقد محللون أن قيام بغداد بإجبار أربيل على التخلي عن عقودها مع الشركات، سيضع أربيل تحت ثقل تداعيات مالية وقضائية دولية، وهذا ما كان يدفع حكومة الإقليم للدفاع عن موقفها بشدة.
ولو كان سعر النفط الذي يبيعه الإقليم عبر الشركات المتعاقدة معه، يتقارب والسعر المعتمد لدى بغداد، لكان الحل أسهل، وعلى خلاف ذلك، تطالب بغداد بقيمة النفط المباع والكشف عن العقود والشفافية في عمليات البيع وحجم الواردات.
حتى قبل إعلان السوداني عن الوصول إلى اتفاق أول أمس، كان من غير المعروف ما إذا كانت حكومته ستمضي مثل الحكومات السابقة بإبقاء الملف طي الكتمان كما حاله منذ حوالي عشرة سنوات، أو أن باب الصراع سينفتح على مصارعيه ليشهد البلد سنين أخرى من الخلاف بين المركز والإقليم.
هل الحل نهائي أم سيلقى مصير سابقاته؟
أول أمس الاثنين، أعلن السوداني الوصول إلى اتفاق شامل حول المشاكل العالقة بشأن أغلب المواد المتعلقة بالموازنة بتصدير النفط وطريقة الإدارة والإشراف.
والاتفاقية تتضمن لأول مرة بأن يتم إيداع الإيرادات الكُلية للنفط المنتج ومشتقاته في حقول الإقليم في حساب مصرفي واحد لجميع الإيرادات دون أي استقطاعات لأي غرض كان، ويخوّل رئيس مجلس وزراء الإقليم أو من يخوله بصلاحية الصرف.
ويخضع الحساب المذكور لرقابة الحكومة الاتحادية وتغلق كافة الحسابات المماثلة الأخرى. وهو تفاهم “مهم جداً” حسبما وصفه السوداني، مشيراً إلى فرض سيادة الدولة على الإيرادات وتنظيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم.
ويقول السوداني إن التفاهمات مع حكومة الإقليم تمت وفق الدستور والقانون والاتفاق السياسي الذي سبق تضمينه في المنهاج الوزاري.
ويبدو أن الاتفاق ترك ثغرة تبقي احتمالاً لتجدد الخلاف، حين قال السوداني إنه في حال الخلاف بوجهات النظر بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، ستكون هناك لجنة مشتركة ترفع توصياتها إلى رئيس مجلس الوزراء الاتحادي لإصدار القرار المناسب.
بقراءة طيات الاتفاق، غالباً ستشهد العلاقة بين أربيل وبغداد فترة من الهدوء في عهدة السوداني، لكن لا ضمانة دستورية لاستمراريتها مع انتهاء ولاية هذه الحكومة وقدوم أخرى، والسبب أن الاتفاق لم يترجم لصيغة دستورية، ويحتمل إثارة الخلاف حسب التوجهات السياسية ونوع القوى النافذة في العراق.