الحرب السورية.. 12عاماً من الأزمات والانتهاكات

مقدمة

بدخول الحرب السورية عامها الـ13 لاتزال الأوضاع الإنسانية والسياسية والاقتصادية تتدهور وتتفاقم, كما تساهم بشكل أكبر في جعل الاستقرار والحل السياسي بعيد الأمد, أما الزلزال الذي ضرب البلاد في 6 شباط/ فبراير فخلق فوضى إضافية قد تحدث تغيراً في توزع القوى في مناطق السيطرة الأربع, والتي هي مناطق سيطرة حكومة دمشق والإدارة الذاتية وهيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة الموالية لتركيا, وتشهد بعضها احتجاجات إما بسبب الظروف الاقتصادية أو بسبب ممارسات قمعية تتبعها بعض هذه السلطات ضد المدنيين.

أزمات ألحقت الضرر بالسوريين

بالرغم من مرور 13 عاماً من بدء النزاع في سوريا، إلا أنه لا توجد إحصائية دقيقة حول أعداد الضحايا, وبحسب آخر إحصائية لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بلغ عدد الأشخاص المدنيين الذين فقدوا حياتهم نتيجة النزاع 350.209 شخص بمعدل 83 شخصاً في اليوم، أي أنه وبالاعتماد على المعدل المتوسطي فقد بلغ عدد الضحايا المدنيين حتى نهاية 2022, 358.560 شخص.

كما أنه لا يزال 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر, ويعاني 12 مليون شخص من الانعدام الغذائي الحاد, وبحسب برنامج الأغذية العالمي فإن 2.9 مليون شخص معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع, وأكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 21 مليون شخص نازحون داخلياً نصفهم نزحوا نتيجة تدمر منازلهم بعد الزلزال أي أضيف 5.3 مليون شخص  متضرر من الزلزال إلى جانب 6.7 مليون آخرين كانوا قد نزحوا بسبب الحرب.

ويعتمد هؤلاء النازحون إلى جانب الآلاف الآخرين على المساعدات الإغاثية, وقدرت الأمم المتحدة عددهم بـ 14.6 مليون شخص.

بالنسبة لعبور هذه المساعدات إلى سوريا كانت تدخل فقط من معبر باب الهوى, إلا أن الزلزال الذي خلف عدداً كبيراً من الضحايا تسبب بتغيرات كبيرة في آلية دخول المساعدات إلى سوريا, حيث افتتح إلى جانب معبر باب الهوى الواقع ضمن مناطق المعارضة معبرين إضافيين وهما معبر باب السلام والراعي والتي تدخل منهم المساعدات الأممية, أما إلى مناطق الحكومة فتدخل من معبر نصيب الحدودي مع الأردن بالإضافة إلى مساعدات تصل عبر المطارات, لكن مناطق الإدارة الذاتية لم يفتح أي طريق لوصول المساعدات إليها بالرغم من وجود عدة مناطق متضررة بشكل كبير منها حيي شيخ مقصود والأشرفية ومناطق الشهباء الذين يقعون تحت حصار خانق من قبل حكومة دمشق بالإضافة إلى وجود 72 مخيماً في مناطقها يعاني سكانها من سوء التغذية وانعدام الغذاء.

أما على صعيد الوضع الاقتصادي, فيعتبر هو واحد من أهم مسببات الأزمات الأخرى حيث لاتزال مؤشرات التنمية في تراجع ووصلت نسبة التضخم لأكثر من 130%, ويعود سبب تفاقمها للنزاع المستمر والعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد, بالإضافة إلى انتشار كبيرة في الفساد وحالات اختلاس الأموال العامة, كما ساهم بتدهوره الحرب الروسية الأوكرانية, حيث كان يبلغ سعر صرف الدولار الواحد عام 2022 (3600 ل.س) إلا أنه وصل إلى أكثر من 7000 ليرة منذ بداية عام 2023, وتؤثر الأزمة الاقتصادية بشكل مباشر على حقوق السوريين من المأوى والغذاء والاستقرار الاقتصادي والرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية.

بالنسبة للبنى التحتية منذ بداية الحرب السورية عام 2011 تعرّضت معظم المدن والبلدات السورية, التي شهدت احتجاجات ضد نظام الحكم لقصفٍ جويّ عنيف إضافةً لقصفٍ مدفعي, واستخدمت أطراف الصراع شتّى أنواع الأسلحة والصواريخ المدمرة أدت بجزءٍ كبير من البلاد للخراب, مخلفةً دماراً في البنية التحتية والمرافق العامة ومنازل المدنيين والمواقع التراثية, ووصل عدد المباني المدمرة في سوريا بحسب مسحٍ أجرته الأمم المتحدة لنحو 116 ألف مبنى موزع على كامل الجغرافية السورية.

أما بالنسبة للوضع الصحي, فقد أثرت الحرب السورية وأزماتها المستمرة منذ عام 2011 بشكل كبير على القطاع الصحي وساهمت بتدهوره, وتحولت سوريا إلى بؤرة للأمراض والأوبئة حيث تنتشر في البلاد أكثر من خمسة أوبئة مثل الكوليرا واللاشمانية والحصبة وشلل الأطفال والتهاب الكبد والأمراض التنفسية إلى جانب جائحة كوفيد-19, بسبب سوء الخدمات الصحية والبنية التحتية المتهالكة وانتشار الأوساخ ومكبات النفايات بالقرب من المناطق السكنية والمخيمات, وصعوبة الوصول إلى مياه آمنة, وتواجد نحو 6,9 مليون نازح في المخيمات في بيئة مساعدة لانتشار الأوبئة والأمراض لمشاركتهم المرافق العامة ومياه الشرب من مياه الصهاريج, بالإضافة إلى 5.3 مليون آخرين نزحوا بسبب الزلزال ويقطنون في خيمٍ عشوائية غير مخدمة.

أما بالنسبة للرعاية الصحية فوصلت لأسوأ مراحلها في العام الـ 13, بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية وارتفاع أسعارها وأسعار المعاينات ونقص في الكادر الطبي الذين هاجر الآلاف منهم, وتعرض هذه الأسباب حياة آلاف السوريين الذين يعانون من الأمراض المزمنة والخبيثة، للخطر.

وأكثر المتضررين من الأزمات الصحية في سوريا هم القاطنون في شمال شرقي البلاد, بسبب نقص في المساعدات الصحية والإغاثية المقدمة لهم بعد إغلاق معبر اليعربية عام 2020, والذي تسبب بتفاقم الوضع الإنساني في حال استمر إغلاقه.  

النساء والأطفال السوريين

تأثر الأطفال والنساء من الحرب السورية بشكل كبير, وعاشوا ظروفاً قاسية لاإنسانية, وحرموا من معظم حقوقهم, وترتكب الانتهاكات بحقهم منذ 12 عاماً, من قتل وخطف وتعنيف وتشويه واغتصاب وتزويج قسري وتجنيد.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة وصل عدد الأطفال الذين قتلوا في سوريا منذ بداية الحرب أكثر من 27 ألف طفل, وأكثر من 26 ألف سيدة, وسجل قسم الرصد والتوثيق في عام 2022 وحده مقتل 347 طفل و360 سيدة.

وتعتبر ظروف النساء والأطفال القاطنين في المخيمات كارثية, حيث يعانون من سوء التغذية والعديد من الأمراض المزمنة بالإضافة إلى ما يتعرضون له من الاستغلال الجسدي والجنسي.

كما أجبر الكثير من الأطفال والنساء على تحمل مسؤولية إعالة أسرهم ويواجهون صعوبات في تأمين دخل يستطيعون شراء الحاجيات الأساسية, وظهرت في الأعوام الخمسة الأخيرة ظاهرة نبش القمامة التي يتخذها الأطفال والنساء كمصدر دخل أساسي من خلال جمع المعادن وبيعها بثمن زهيد, دون أن يكترثوا لآثارها السلبية على صحتهم. على مستوى التعليم فقد أكثر من7 ملايين طفل وسيدة حقهم في التعليم بسبب ظروف الحرب والأوضاع الاقتصادية والأمنية وظاهرة الزواج المبكر.

انتهاكات حقوق الإنسان

منذ 12 عاماً و حالة عدم الاستقرار والفلتان الأمني تتصاعد, وتنتشر الجرائم والانتهاكات بسبب غياب المسائلة وسهولة الإفلات من العقاب, وسجل قسم الرصد والتوثيق في عام 2022 فقط مقتل 2628 شخص وإصابة 1147 آخرين بطرق خارج نطاق القضاء, والاعتقال أكثر من 959 شخصاً بشكل تعسفي عوضاً عن حوادث اعتداء وخطف واغتصاب.

وتنتشر الانتهاكات بحق المدنيين في جميع المناطق إلا أنها ترتكز بشكل أساسي في مناطق فصائل المعارضة الموالية لتركيا في المرتبة الأولى ومناطق الحكومة في المرتبة الثانية وتليها مناطق هيئة تحرير الشام ومناطق الإدارة الذاتية.

ففي مناطق الحكومة وخاصتاً مدينتي درعا والسويداء التي تعانيان من حالة عدم استقرار واحتجاجات بشكل مستمر ضد الظروف الاقتصادية والسياسية, تشهد المنطقة يومياً حوادث قتل من قبل مجهولين, كما أن مدينة درعا شهدت خلال العام الفائت نشاطاً لتنظيم “داعش” تسبب على الأقل بمقتل 30 شخصاً, كما تشهد مناطق الحكومة بالمجمل حالات اعتقالات تعسفية وقتل خارج القضاء وتعذيب للمعتقلين عوضاً عن فرض الحصار على مناطق مأهولة بالسكان وحرمانهم من حقهم في عيش حياةٍ كريمة وأيضاً من حقهم في الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية.

كما أنه ترتكب القوات الروسية والإيرانية إلى جانب القوات الحكومية انتهاكات بحق المدنيين, حيث تستمر روسيا بقصفها للمواقع المدنية, بينما تستهدف إسرائيل سوريا بسبب انتشار المواقع الإيرانية, بالإضافة إلى الانتهاكات التي ترتكبها القوات الإيرانية والفصائل الموالية لها بحق السوريين من قتل وتعذيب واعتقال في سجونها الموجودة في سوريا.

أما في مناطق فصائل المعارضة في مناطق شمال حلب وتل أبيض وسري كانيه, ترتكب تركيا والفصائل الموالية لها جرائم قتل وتعذيب واعتقال المدنيين لأسباب واهية، ومنها اتهام السكان بالتعامل مع الإدارة الذاتية بغية تحصيل الأموال عوضاً عن مئات حالات السرقة والتحطيب الجائر وفرض إتاوات, وتعتبر هذه الأفعال انتهاكاً لقوانين حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعتبر ممارسات تمييز عنصري, وذلك بتهجيرها لسكان المنطقة الأصليين قسراً وتوطين آخرين بدلاً عنهم، وفرض اللغة التركية على الطلاب السوريين في تلك المناطق بالإضافة إلى فرض التداول بالعملة التركية.

كما يواجه السوريين الذين يحاولون عبور الحدود السورية التركية بطرق غير شرعية حرس الحدود التركي “الجندرما”, الذين بدورهم يعاملون السوريين اللاجئين إلى بلادهم بممارسات لا إنسانية وانتهاكات ترتقي لتكون جرائم حرب.

نشاط تنظيم داعش

لايزال تواجد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا يشكل تهديداً وخطراً على العالم أجمع, بالرغم من أنه لم يتمكن من السيطرة على أي منطقة في البلاد منذ هزيمته في آخر معاقله “الباغوز” في دير الزور شمال شرقي البلاد في آذار/ مارس 2019، على يد قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي.

يعتبر تواجد تنظيم “داعش” في شمال شرقي سوريا، سواءً في المعتقلات أو السجون أكبر تواجد حول العالم, حيث يبلغ عدد العناصر مع عائلاتهم في المخيمات 60.137 شخصاً ضمن 16.755 عائلة منهم 3,661 عائلة أجنبية من 60 جنسية مختلفة بالإضافة إلى نحو 10 آلاف آخرين في مراكز الاحتجاز, بينما بلغ عدد الأطفال والنساء الأجانب من عائلات التنظيم في المخيمات 9986 شخصاً هم 2104 سيدات و7070 طفل/ة.

ويتعهد التنظيم باستمرار بإخراج عائلاته وعناصره من المخيمات والمحتجزات, في حين تطالب المنظمات الحقوقية والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأخرى, الحكومات التي لها رعايا في شمال شرقي سوريا بإعادتهم, وتستمر منذ 5 سنوات الدول التي لديها رعايا في إعادة غير المتطرفين منهم, ومعظم الذين يتم استعادتهم هم نساء وأطفال.

بالرغم من مرور خمس سنوات على القضاء على تواجد التنظيم في سوريا, إلا أن أثر الدمار الذي أحدثه والمجازر الجماعية التي ارتكبها بحق السكان قائمة إلى وقتنا الحالي.

ولم يخطو العالم أي خطوة باتجاه تعويض المتضررين من تطرف وتشدد تنظيم “داعش”, أو محاكمتهم على جرائم الحرب والإبادات الجماعية التي ارتكبوها, فلم يحل إلى القضاء الدولي سوى عدة قضايا وهن لنساء تم إعادتاهن إلى بلدانهم الأصلية, في حين لايزال الآلاف منهم في سوريا لم يعرضوا على أي محاكم ولم يتم استجوابهم حتى ولم يسألوا عن مصير المفقودين.

ولايزال التنظيم إلى وقتنا الحالي يسعى لبسط نفوذه ويحاول باستمرار إخراج عناصره وعائلاتهم من مراكز الاحتجاز والمخيمات, ويعتبر تواجده في شمال شرقي البلاد بمثابة قنبلة موقوتة, قد تسبب الخطر لسوريا والعالم أجمع في حال انفجرت.