أبنية مقاومة للزلازل.. بين المطالب ومدى التطبيق في شمال شرقي سوريا

كوباني/منبج نورث برس

لم يعد علي، يأمن السكنى بمنزل طابقي، بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت به نتيجة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا. وما يثير رعب الرجل أن المشكلة الأساسية بكثرة أعداد الضحايا أخطاء وغش إنشائي.

يقول علي العلي (38 عاماً) من سكان مدينة كوباني شمالي سوريا، إن الأضرار التي لحقت بمنازل مدينته لا سيما الطابقية منها، باتت تثير مخاوفه، خاصة أن الهزات الارتدادية تتوالى وباتت المنطقة عرضة للزلازل.

وبعد كارثة الزلزال تعالت مطالب سكان شمال شرقي سوريا، بضرورة تطبيق أنظمة وحلول إنشائية مقاومة للزلازل في الأبنية التي ستُبنى في المستقبل، كما نبهت الإدارة الذاتية لخطورة “العشوائية” في البناء، وضرورة فرض شروط على المقاولين.

ويطالب الرجل بعد هذه الكارثة الطبيعية، أن يكون هناك إشراف فني ومهني على بناء الأبنية من قبل مهندسين مختصين والبلدية، كي تكون الأبنية المستقبلية مقاومة للزلازل.

فقدان الثقة بالأبنية

أفقدت الزلازل ثقة السكان بمنازلهم، لا سيما الحديثة منها، وبات غالبيتهم يتخوف من تكرار سيناريو تركيا، وزاد من فقدان الثقة ظهور الشروخ والتصدعات في الشقق.

يرى “العلي” أن حياة السكان باتت في خطر في حال بناء أبنية دون إشراف مختصين، وبنائها بالطرق التقليدية بدون استشارة وإشراف المهندسين والمشرفين المختصين، في هذا المجال كي تكون الأبنية محمية ومقاومة للزلازل.

حال “العلي” لا يختلف كثيراً عن حال عبد العزيز قادر (44عاماً) من سكان كوباني وهو أحد الأشخاص الذين تضرر منزله في الأحد الأبنية الطابقية، إذ يرى أن كارثة الزلزال أثارت الكثير من المشاكل لسكان المنطقة، خاصة أن غالبيتهم يعيشون في أبنية طابقية، من المفترض أن تكون مبنية وفق مواصفات مقاومة للزلازل نوعاً ما.

وبحسب رأيه أن المنطقة انتقلت من مرحلة لأخرى، وأن الأبنية ما بعد الزلزال يجب أن تتغير، وأن يتم الأخذ بعين الاعتبار مقاومة الأبنية للزلازل في الأبنية الجديدة.

ويطالب الرجل الإدارة الذاتية أن تشرف على الأبنية وتراقب عملية البناء “بشكل جدي”، لافتاً إلى دور متعهدي البناء في ذلك، من خلال التقيد بوضع مواد بناء بشكل جيد، والتقيد بالتشكيل الهندسي للأبنية والأمور الفنية الأخرى.

لا سيما أن أغلب المناطق والأبنية المتضررة لم تأخذ بعين الاعتبار عند بنائها موضوع مقاومة الزلزال والكوارث الطبيعية، على حد قول “قادر”.

إحصائيات من كوباني

بحسب روشن عبدي الرئاسة المشاركة لبلدية الشعب في كوباني، فإن أكثر من 100 بناء تم إزالة جدران مهدمة فيها أو بلاكين أو بيوت الدرج بسبب تضررها، بالإضافة لعدد من الأبنية التي تم إزالة جدران متصدعة فيها أو إزالتها بالكامل في ريف كوباني.

وفي الثامن من شباط/ فبراير الجاري، شكّلت غرفة المهندسين ثلاث لجان تضم كل منها خمسة مهندسين لتقييم منازل وأبنية السكان وتوعيتهم بمخاطر التصدعات والجدران الآيلة للسقوط.

وفي وقت سابق، قالت شاخدة محمد مسؤولة في غرفة المهندسين بكوباني، إنهم وثّقوا 250 مبنى متضرر جراء الزلزال، من ضمنها ستة مبانٍ غير صالحة للسكن نتيجة أضرار في العناصر الإنشائية، في كوباني وريفها.

وأضافت أن عدد الشكاوى التي وردت إلى غرفة المهندسين من قبل السكان بلغت 280 شكوى، تم الكشف عليها بالتنسيق مع بلدية كوباني، وهيئة الإدارة المحلية والبيئة، لمعاينة المباني المتضررة جراء الزلزال وإعطاء الحلول الإنشائية للأبنية خفيفة الضرر.

وذكرت أن نحو 50 بالمئة من المباني التي تم الكشف عليها، كانت أضرارها “خفيفة وهي عبارة عن تشققات غير خطيرة في الجدران وأماكن اتصال الأعمدة بالبلوك”، ونحو 40 بالمئة من المباني التي تم الكشف عنها تضمنت أضراراً في جدران البلوك، والتي يلزم إزالتها كونها تشكل خطراً على القاطنين.

كما أن المباني والمنازل التي تضمنت أضرار في الأعمدة وانهيار جزء من المنزل، بلغت نسبتها 10 بالمئة من بين المباني والمنازل التي تم الكشف عليها.

حالٌ واحد

على مقربة من سابقيّها وبمسافة ليست بالبعيد بين كوباني ومنبج، تشعر “إلهام” بالرعب والخوف كلما حدثت هزات أرضية، نتيجة خوفها من البناء الذي أصابته التصدعات والتشققات، حيث تقطن فيه مع أطفالها.

تقول إلهام سردار (40 عاماً) وهي أم لأربعة أطفال نازحة في مدينة منبج، شمالي سوريا، إن الخوف والرعب من انهيار المنزل بات يسيطر عليها.

وتطالب الأربعينية الإدارة الذاتية بتفعيل دور البلديات بشكل أكبر، وعدم السماح لأي متعهد بالترخيص إلا بعد المراقبة والتأكد من المواد الموضوعة في البناء، ومطابقة المواصفات والشروط التي تضعها البلدية.

وفي السادس من شباط/ فبراير الماضي، ضرب زلزال مدمر مناطق في تركيا وسوريا، وأدى لوقوع آلاف الضحايا وانهيار عدد كبير من الأبنية السكنية.

وبعد تلك الكارثة والدمار الهائل الذي خلفه، بات تطبيق نظام الزلازل في الأبنية الحديثة شرطاً حتمياً يجب أن تعمل عليه الإدارة الذاتية، حتى يبقى السكان مطمئنين على أنفسهم داخل بيوتهم، وفق ما ترى “إلهام”.

ويؤيدها إبراهيم نصار (43 عاماً) وهو من سكان منبج، وأحد من تضررت منازلهم جراء الزلزال، بمطالبة الإدارة الذاتية بمحاسبة ومراقبة متعهدي البناء، لعدم التلاعب بكميات المواد الأساسية في الأبنية مثل الإسمنت والحديد.

وهجر معظم السكان في مدينة منبج المنازل الطابقية ولجأوا إلى الخيام، بسبب الخوف من انهيارها على رؤوسهم.

وبحسب بلدية الشعب في منبج وريفها، تضرر ما يزيد عن 125 مبنى وإخلاء ما يقارب الـ 14 مبنى مهدد بالانهيار، جراء الزلزال الذي ضرب العديد من المناطق السورية ومدينة منبج.

ويطالب “نصار” كما سابقيه بتفعيل وتطبيق نظام الزلزال في البناء الحديث، ومحاسبة كل متعهد يقوم بسرقة المواد ولا يعطي المواصفات الرسمية للبناء.

أن تأتي متأخراً

اتسمت الأعمال الإنشائية في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بـ “العشوائية” في كثير من المناطق، كما أن الرقابة على الأبنية الطابقية كانت “ضعيفة”، واقتصرت على السلامة وضمان عدم التعدي للشوارع.

وتنبهت الإدارة الذاتية لخطر الإهمال الإنشائي، وضرورة تطبيق مقاومة الزلازل على الأبنية التي ستُنشئ في المستقبل، لذلك أصدرت هيئة الإدارات المحلية والبلديات تعميماً بدراسة البنية الإنشائية حسب الكود السوري.

وقال أحمد المصطفى وهو إداري في الدائرة الفنية لهيئة البلديات، إن الهيئة أصدرت قراراُ وعممت على كافة البلديات، بأن تكون الأبنية مقاومة للزلازل، وعدم منح الرخصة للبناء بدون دراسة، وتقديم مذكرة حسابية مع الدراسة لتحفظ في البلدية.

وتطوّع عدد من المهندسين للكشف عن الأبنية المتضررة من الزلزال لدى السكان بشكل مجاني، لتقديم الحلول الإنشائية للأبنية وتقييم الأضرار.

وفي وقت سابق، قال هجار عبد الفتاح، الرئيس المشارك لمكتب التخطيط والتنمية والإحصاء في الإدارة الذاتية، إنهم اتخذوا قراراً بتشكيل تصنيف للمباني السكنية المقاومة للزلازل، كشرط أولي لتأسيس الأبنية الجديدة.

وأضاف لنورث برس: ‘‘النسبة المرتفعة للمباني المتضررة يعود للبناء العشوائي وعدم الالتزام بالمواصفات الفنية والهندسية’’.

وقال الرئيس المشارك لمكتب التخطيط والإحصاء، إن ‘‘الحل يكمن في الدراسة الجيولوجية للأرض وتحليل التربة وإلزام الشركات والمتعهدين بتوفير الكادر الاختصاصي والمهني في حال البدء ببناء أي مبنى’’.

ولم يكشف عبد الفتاح عن تفاصيل تطبيق هذا القرار والجهات المتابعة له، بينما لم يصدر حتى الآن أي قرار رسمي من الإدارة الذاتية حول الأمر.

إعداد: فتاح عيسى/فادي الحسين تحرير: أحمد عثمان