مع العام الثالث عشر للأزمة السورية.. اقتصاد منهك وفقر مدقع ونزوح مستمر

دمشق ـ نورث برس

دخلت الحرب السورية عامها الثالث عشر، سنوات طويلة كافية لإنهاك الدولة السورية بكل مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية، ولتحويلها من بلد منتج مكتف ذاتياً بالكثير من الأساسيات إلى بلد يعيش على المساعدات، وإلى شعب مشرد في كل دول العالم.

مصائب إضافية

خلال هذه السنوات لم تكن الحرب هي العامل الوحيد الذي أنهك السوريين أكثر من غيرهم، بل جاءت جائحة كورونا لتضاعف عذابات السوريين أكثر من غيرهم.

ولم تتوقف الكوارث بحياة السوريين على المستوى العالمي، بل جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لترخي بظلالها على الشعب المنكوب أيضاً، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، واعتماد سوريا على الاستيراد بشكل كامل لتأمين المواد الغذائية والمحروقات.

ومن القضايا التي أنهكت السوريين خلال هذه الحقبة أيضاَ، هو تطبيق قانون العقوبات الاقتصادية ” قيصر” في 2020، ليزيد من فقر السوريين فقراً، ويساهم في زيادة انهيار الوضع الاقتصادي المنهار أصلاً.

لم يكن هذا كل شيء، فقد استقبل السوريون عامهم الجديد بزلزال، جعل غالبيتهم يترحم على أيام الحرب والقتال، لأن حصيلة الثواني الزلزالية فاقت كل ما مر من سنوات الحرب، وقد قدر الباحث الاقتصادي علي كنعان، الأضرار الأولية للزلزال بما لا يقل عن 50 مليار دولار.

استنزاف مخيف

كانت الظاهرة الأبرز منذ بداية الأحداث وحتى الآن، هي الهجرة داخل البلد وإلى خارجه، في البداية كان السبب الهروب من الحرب والقتال، وبعد توقف الحرب أصبحت الظروف الاقتصادية  والفقر وانسداد الأفق هي من أبرز العوامل الطاردة من البلاد؟

وقد وصف البنك الدولي حركة النزوح في سوريا، بأنها “أكبر أزمة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية”، وهذا جعل آثار الأزمة السورية تمتد إلى الدول المجاورة والاقتصادات العالمية، دون الاقتصار على سوريا فقط.

وتشير التقديرات الرسمية والأممية إلى أن أكثر من ثلث السكان نزحوا منذ 2011 داخل البلاد إلى مناطق أو محافظات أخرى أكثر أمناً، أي بما لا يقل عن 6.7 ملايين شخص، في حين أشارت التقديرات غير الرسمية أن أكثر من 5.6 ملايين شخص هاجروا إلى خارج البلاد.

وما زالت أعداد المغادرين للبلاد تشكل استنزافاً كبيراً في الرأسمال البشري السوري، ولم تتوصل الحكومات المتلاحقة إلى إمكانية الحد منه، أو تقديم ما يوحي بأفق جديد يحد من هذا الاستنزاف المخيف.

الليرة تفقد 99% من قيمتها

كانت الحرب وما صاحبها كفيلة بتحويل 92% من الشعب السوري إلى فقير وما دون خط الفقر المدقع، حيث انخفضت قيمة الليرة السورية منذ بداية الحرب 2011 من (50 ليرة – 7 آلاف ليرة) بنسبة وصلت إلى 99.3% ولتصل نسبة ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة إلى 13.900%.

وكان تغير سعر الصرف يتم بقفزات كبيرة، حيث انخفض سعر الليرة  من 450 ليرة مطلع 2019 إلى 2500 ليرة في 2021، وإلى 6900 ليرة في 2022، ومن ثم وصل إلى أكثر من 7 آلاف ليرة بتسعيرة رسمية مؤخراً.

ويشير متابع للشأن الاقتصادي، لنورث برس، إلى أن هذا الانهيار بسعر الليرة يعود بشكل أساسي إلى العقوبات الاقتصادية على المصارف، ومنع التحويلات الخارجية، وعرقلة الصادرات، وارتفاع تكاليف الاستيراد.

ارتفاع الأسعار والتضخم

ارتفاع الأسعار كان الحدث اليومي الأبرز في حياة السوريين، حيث ارتفعت أكثر من 2500 ضعف، وارتفعت نسبة التضخم إلى نسب كبيرة، ففي بيانات المكتب المركزي للإحصاء وصل معدل التضخم السنوي لعام 2020 مقارنة مع العام السابق 2019 إلى 163%، وقد ارتفعت هذه النسبة كثيراً بعد هذا التاريخ.

وأصبح الدخل المطلوب لتكون الأسر تحت خط الفقر المدقع، لا يقل عن مليون ليرة، وحددت منظمة الشفافية العالمية خط الفقر لعام 2022 بمبلغ لا يقل عن 3 مليون ليرة للأسرة، بينما لا يصل أفضل دخل في الدولة إلى 200 ألف ليرة مع كل التعويضات التي يمكن أن يحصل عليها الموظف.

ورغم حصول أكثر من زيادة على الرواتب، إلا أنها ظلت أقل من المطلوب بكثير، ويشير اقتصاديون إلى أن الحد الأدنى المطلوب لانتشال الموظفين من الفقر المدقع هو رفع الأجور إلى أكثر  من 100 ضعف.

انعدام الأمن الغذائي

صنفت سوريا كبلد منخفض الدخل منذ 2018 عالمياً، وتراجع إجمالي الناتج المحلي لأكثر من النصف، وانخفض نصيب الفرد من الدخل القومي.

وقدرت الخسائر التراكمية من إجمالي الناتج المحلي بين عامي 2011 و2016، بنحو 226 مليار دولار، أي حوالي أربعة أمثال إجمالي الناتج المحلي السوري في عام 2010.

ومن خلال استعراض بعض البيانات الواردة في المسوح الأربعة التي قامت بها مؤسسات حكومية بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي، تظهر بيانات 2020 أن من بين الأسر التي تعاني انعداماً شديداً في أمنها الغذائي (نسبتها قدرت من إجمالي الأسر في البلاد 8.3%)، هناك نحو 14.1% تكررت واقعة عدم وجود غذاء لديها مرة واحدة أو مرتين في الشهر، و26% من الأسر نفسها تكرر بقاء أحد أفرادها من دون طعام يوماً كاملاً (لمدة 10 مرات أو أكثر شهرياً)، و17% من هذه الأسر أيضاً بات أحد أفرادها جائعاً ليوم واحد أو أكثر في الشهر.

توقف الإنتاج

ترافقت سنوات الحرب بتراجع الإنتاج المحلي يومياً في سوريا، لأسباب كثيرة منها ضرب الكثير من المعامل وسرقتها من قبل تركيا، ويضيف اقتصادي وصناعي أيضاً أسباب أخرى.

ويشدد المصدر لنورث برس، على أن الحرب ترافقت مع هروب رؤوس الأموال والتجار والصناعيين من الإجراءات الحكومية المتمثلة بكل من وزارة التموين والجمارك وسياسة البنك المركزين سواء من حيث تقييد حرية سحب الأموال أو نقلها، وهذا خلق عقبات كثيرة بالعمل، دفعت رأس المال للهروب إلى حيث التسهيلات الأكثر.

ويضيف أن من الأسباب الداخلية لموت الإنتاج خلال الحرب أيضاً، انتشار الحواجز داخل المدن وبين المحافظات، كإجراء أمني انتشر خلال سنوات الحرب الأولى، إضافة للصلاحيات الضاربة للجمارك والتموين على المحلات التجارية وعند نقل البضائع على الطرقات كانت أحد أسباب هروب أصحاب الفعاليات الاقتصادية وتراجع الإنتاج.

تراجع الواردات

انخفاض الإنتاج ترافق مع تقليص الإنفاق العام، حيث انخفضت المستوردات السورية منذ عام 2011 حتى عام 2022 بنسبة (78.11%).

وبين خبير اقتصادي لنورث برس، أن كمية المستوردات السورية في عام 2011 بلغت نحو 19.8 مليار دولار، لتتراجع بنسبة وصلت إلى 38.3% في العام التالي 2012.

وأضاف المصدر، أنه مع تراجع الأوضاع الأمنية في البلاد وخروج العديد من المناطق عن سيطرة الحكومة السورية خلال الأعوام 2013 و2014 و2015، انخفضت كمية المستوردات بنسبة “كبيرة جداً”.

إذ تراجعت من 8.5 مليار دولار في عام 2013 إلى 5.5 مليار دولار عام 2015. وانخفضت في 3.8 مليار دولار في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2022.

تراجع الصادرات

ولم يكن التصدير أفضل حالاً، حيث أكد المصدر، انخفاض قيمة الصادرات إلى أكثر من 94%.

إذ انخفضت قيمة الصادرات السورية إلى الخارج منذ بدء الأزمة بشكل كبير، ووصلت قيمة المنتجات المحلية المصدرة 2010، لأكثر من 12 مليار دولار، لكنها انخفضت حتى عام 2022 إلى 696 مليون دولار. وإن أدنى قيمة لها كانت في 2018 حيث وصلت إلى 325 مليون دولار.

الأمراض النفسية

تركت الحرب والحياة الاقتصادية التي يعيشها سكان سوريا لسنوات طويلة، آثاراً نفسية على غالبية الشعب السوري، وفي تصريح  لمدير مشفى ابن سينا في دمشق، أيمن دعبول، أكد أن عدد المراجعين للمشفى وصل إلى 20- 30 حالة يومياً، بسبب الضغط النفسي والعامل الاقتصادي.

هذا التصريح كان قبل الزلزال الذي تعرضت له البلاد، والذي ضاعف كثيراً من أعداد الذين يحتاجون لمساعدات نفسية، حيث يعاني الغالبية من عدم القدرة على النوم، والخوف والتوتر الدائم، ليزيد الوضع المعيشي صعوبة وضغطاً نفسياً.

انهيار عام

وفي خلاصة لواقع الحال الذي يعيشه السوريون، يرى الكثير من المتابعين أن ما بقي من هذا البلد لم يعد يشبه سوريا السابقة إلا في الاسم فقط، وذلك بعد انهيار في مختلف القطاعات من صحية وتعليمية وبنية تحتية وخدمات، وبعد تراجع الزراعة والصناعة، وتحول سوريا من مصدر للقمح إلى مستورد له، ومن مصدر للدواء إلى شعب يستخدم الأدوية المهربة لمن استطاع إليها سبيلاً.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله