“مصائب قوم عند قوم فوائد”.. إيران تعزز نفوذها بعد الزلزال في سوريا

حلب ـ نورث برس

“مصائب قوماً عند قوماً فوائده”، مثلٌ انطبق على إيران التي سارعت لتوسيع نفوذها ضمن المحافظات السورية، خاصة بعد كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 شباط / فبراير الماضي، من خلال افتتاح مخيمات تشرف عليها عناصر تابعين لها مباشر.

وقال رؤوف العلي، وهو محام من سكان مدينة حلب، شمالي سوريا، إن المساعدات الإيرانية وصلت عبر الخطوط الجوية إلى المطارات الثلاثة من مناطق سيطرة الحكومة في اللاذقية ودمشق وحلب، لمتضرري الزلزال ورفضت تسليمها للحكومة المحلية في حلب.

وأضاف “العلي” أن المساعدات الإيرانية دخلت المدينة وريفها وتوزعت على مناطق في الريف الشمالي ضمن بلدتي نبل والزهراء والذهبية في الجهة الجنوبية ومشهد الحسين في حي جب الجلبي وفتح مخيمات داخل حديقة بستان القصر.

وأشار “العلي” أن الشركات الإيرانية عندما دخلت سوريا كانت بحجة الدعم للمصانع والشركات والأحياء المدمرة التي طالتها قذائف الحرب لإعادة الأعمار، لكن السنوات الأخيرة من الاتفاقات كشفت زيف الاتفاق على الأراضي السورية منذ عام 2020.

وظهر التوسع الإيراني بعد عدة منح وتسهيلات اقتصادية قدمتها لها الحكومة السورية، ومن أبرزها توقيع اتفاقية تعاون طويل الأمد في مختلف القطاعات منها المصارف والبناء وإعادة الأعمار نهاية شهر كانون الأول / ديسمبر 2019.

ووصف “العلي” استغلال إيران حاجة السكان المتضررين، للمساعدات من حصار الحرب والنزوح والزلزال مؤخراً في الدعم، “لتمرير برامجها الثقافية للأطفال والهاربين من خطر الانهيارات الإنشائية”.

برامج ثقافية للمتضررين

قال حسن إسماعيل، وهو من المشرفين على إحدى الأنشطة في حديقة بستان القصر، إن القنصلية الإيرانية تقدم المساعدات لمتضرري الزلزال ضمن المدينة وريفها، الحديقة تضم نحو 250 خيمة لعوائل متضررة يقدم لهم كل ما يلزم من احتياجات، لباس وثلاث وجبات طعام.

قصة الحديقة

منذ خروج مسلحي المعارضة من مدينة حلب نهاية عام 2016، سارعت القوات الإيرانية لوضع يدها على الحديقة وتحويلها إلى مركز تدريب لقواتها ثم بدأت في بناء القنصلية التي أعلنت افتتاحها في 22 أيار / مايو 2021.

وأضاف “إسماعيل” لنورث برس، أن القنصلية تعمل على أنشطة ثقافية ترفيهية يومية للأطفال للنهوض بهم من تداعيات الخوف الذي خلفه الزلزال ودعم السيدات في برامج خاصة للتعامل مع الأخطار الحالية.

ويحتوي جامع النقطة في حلب المعروف بـ”مزار الحسين” للطائفة الشيعية في حي جب الجلبي القريب من مبنى القنصلية، على نحو 2000 شخص من المتضررين من الطائفة الشيعية والسنية، منهم من يمكث داخل الجامع ومنهم ضمن الخيم.

دروس دينية تحت مسمى دعم نفسي

وأنشأت القنصلية الإيرانية مركز إيواء نقلت بعض عائلات المتضررين إلى تل النبي يوسف، يبعد عن المدينة 20 كيلو متر شرقاً، وهو معسكر سابق لقواتها وقوات حزب الله اللبناني “لتقديم الإيواء والرعاية”.

والتقت نورث برس مع عدد من العائلات التي طلبت عودتها من المخيم إلى المدينة كونه منعزل عنها، وهم بعيدون عن أقربائهم ولا تتوفر وسائل نقل إلا عن طريق عناصر المعسكر.

وقال محمد الأحمد (40 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان حي الكلاسة بحلب، إنه طلب إعادته مع عائلته وأربع عائلات أخرى “بسبب تحول مكان الإيواء إلى مركز دروس دينية تحت مسمى دعم نفسي للخروج من تهويل الزلزال”.

لم يعد الرجل الأربعيني، يملك مأوى بعد صدور قرار إخلاء البناء من السكان من قبل لجنة السلامة العامة بسبب تصدعات وانهيارات في الطوابق العليا وتم تصنيفه عالي الخطوة وسيتم إزالته، بحسب قوله.

وأضاف “الأحمد” أنهم تلقوا جميع الرعاية في مراكز الإيواء، إلا أنه تحول بعد الأسبوع الأول إلى دروس دينية، شعر من خلالها “بترويج نهج عقائدي بعيداً عن الدعم النفسي الذي صرح عنه القائمون عن المركز”.

ووصف “الأحمد” الدروس بأنها “كانت تميل إلى النمط الشيعي من خلال الصلوات وطرق الإلقاء والتركيز على سماعها للأطفال، مما أدخل الخوف في قلبه”.

وأشار “الأحمد” أن المركز يقع على تلة مهجورة تقدم فيها القوات الإيرانية كافة الاحتياجات من نقطة طبية وحمام وكهرباء لمدة 8 ساعات ليلاً عن طريق المولدات.

ويحتوي المراكز ما يقارب 90 خيمة وجميع من فيهم من الطائفة السنية وهو ما أدخل الرعب في قلبه وجعله يعود إلى المدينة. وتساءل: “لماذا نقلت القوات الإيرانية والقائمين على المركز، العائلات من ذات المذهب لهذا المخيم؟”.

ومنذ 2013 ظهرت منظمة تعليمية للأطفال في الريف الشمالي في نبل والزهراء سكانها من الطائفة الشيعية، وانتشرت في المدينة تحت مسمى “كشافة الإمام المهدي” وعمدت إلى رعاية الأطفال وتقديم الدروس الدينية عبر رجال الدين الشيعية.

ومنذ بداية الحرب السورية ظهر منهج ولاية الفقيه والولاء للمرشد الإيراني والذي يطلق عليه “التقليد” في العرف الديني الشيعي.

وأنشأت قوات الحشد الشعبي العراقي، ما يقارب الـ500 وحدة سكنية مسبقة الصنع، في منطقة جبرين في حلب لمتضرري الزلزال.

وما يثير التخوف أكثر، هو كيفية انعكاس عودة العلاقات بين السعودية وإيران على سوريا بشكل عام وعلى المناطق التي تخضع للسيطرة الإيرانية بشكل خاص.

إعداد: رافي حسن ـ تحرير: قيس العبدالله