هل سيحدد الكرد هوية الرئيس التركي المقبل؟

إذا صحت التوقعات بعدم فوز أي من المرشحين ( أردوغان – كيلجدار أوغلو ) للانتخابات الرئاسية التركية من الجولة الأولى، فإن الصوت الكردي سيصبح حاسماً في تحديد هوية من سيفوز برئاسة تركيا في المرحلة المقبلة، بل وتحديد الأغلبية التي ستحكم البرلمان التركي.

مع اتضاح خريطة التحالفات الحزبية التي ستخوض معركة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية يوم الرابع عشر من شهر مايو/ أيار المقبل، تتجه الأنظار إلى الشريحة التي سيكون لها الدور المؤثر في تحديد هوية الفائز في هذه الانتخابات.

 ولعل اللافت في خريطة هذه التحالفات بقاء حزب الشعوب الديمقراطية خارجها حتى الآن، إذ أن تحالف الشعب الذي تشكل من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية المتطرفة رشح أردوغان، فيما رشح تحالف أحزاب طاولة الستة المؤلف من أحزاب ( الشعب الجمهوري، السعادة، الخير، المستقبل، الديمقراطية والتقدم، والديمقراطي ) كمال كليجدار أوغلو لمواجهة أردوغان، بينما لم يعلن حزب الشعوب حتى الآن إن كان سيرشح شخصية من التحالف الذي شكله لخوض هذه الانتخابات أو أنه سيدخل في أي من التحالفين السابقين، مع أن ثمة مؤشرات قوية توحي بأنه أقرب إلى طاولة أحزاب الستة.                 

في الواقع، إذا كان من الثابت صعوبة تصور وجود أي فرصة لفوز مرشح قد يرشحه حزب الشعوب الديمقراطي في ظل وجود هذين التحالفين الكبيريين، فإن الأنظار تتجه إلى الصوت الكردي الذي تُقدر كتلته الانتخابية بنحو 18 بالمئة من الأصوات أي نحو ثمانية مليون ناخب، حيث يتركز معظم الكرد في جنوب شرقي البلاد، فضلاً عن المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير. وعليه، تبدو المعركة بين الخصمين هي معركة الحصول على صوت الناخب الكردي في المرحلة المقبلة، وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى جملة التطورات الإيجابية الأخيرة في خطاب الطرفين تجاه حزب الشعوب والكرد عموماً، فضلا عن طريقة تفاعل حزب الشعوب معها، فمن يدقق في موقف أردوغان لا بد أن يتوقف عند قرار المحكمة الدستورية العليا في  إلغاء قرار حجز الأموال المخصصة دستورياً لحزب الشعوب الديمقراطية، والتي تقدر بنحو خمسة وعشرين مليون دولار من الخزينة العامة، وكذلك إلى قرار المحكمة تأجيل النظر في مرافعة حزب الشعوب ضد الدعوى المطالبة بحظره، وهو ما يعني أن النظر في قضية حظره باتت مستبعدة قبل الانتخابات، ولعل قرارات المحكمة هذه ليست سوى إشارات من أردوغان بأنه مستعد لتعاون ما مع حزب الشعوب، طبعاً لأهداف انتخابية، والأمر نفسه ينسحب على أحزاب طاولة أحزاب الستة، إذ أبدت هذه الأحزاب بما في ذلك ميرال أكشينار زعيمة حزب الصالح موافقتها على الحوار مع حزب الشعوب، بل ذهب كمال كليجدار أوغلو أبعد من ذلك عندما ألمح إلى إمكانية عقد تحالفات جديدة في إشارة إلى حزب الشعوب، حيث من المقرر أن يلتقي كيلجدار أوغلو بقيادة حزب الشعوب، فيما سارع الرئيس المشترك للأخير مدحت سنجار إلى تهنئة كليجدار أوغلو بترشيحه من قبل تحالف طاولة الستة، كما أبدى الحزب استعداده لعقد صفقة مع هذا التحالف في إطار مبادئ ديمقراطية لمستقبل تركيا، بما يوحي كل ما سبق أن المشهد التركي سيشهد حراكاً سياسياً مكثفاً تجاه الساحة الكردية في الأيام المقبلة.           

في الواقع، منذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم في عام 2002، اعتاد الكرد على التصويت إما لصالح الهوية القومية الكردية، أو للهوية الإسلامية المتمثلة بحزب العدالة والتنمية؛ فحسب تقارير أنه من أصل 18 بالمئة من الأصوات الانتخابية هي كردية، يصوت نحو 10 بالمئة لحزب الشعوب الديمقراطي، ونحو 6 بالمئة للعدالة والتنمية، فيما تذهب نسبة اثنين المتبقية لباقي الأحزاب، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ما هي اتجاهات التصويت لدى الكرد في ظل معطيات الساحة التركية؟.

الثابت أن تجربة سياسة أردوغان العدائية ضد الكرد سواء في داخل تركيا أو خارجها ولّدت حالة من عدم الثقة لديهم تجاه سياسته، كما أن الأزمة المعيشية الصعبة، وفشل حكومة حزب العدالة والتنمية في تحقيق وعودها بتنمية المناطق الكردية زادا من فقدان الثقة بهذه السياسة، وهو ما يعني بأن الناخب الكردي بات يميل بشكل كبير إلى دعم خصوم أردوغان على قاعدة إسقاط الأخير.

في مقابل ذلك، تبدو نظرة الناخب الكردي إلى أحزاب طاولة الستة غير موحدة، ففي الوقت الذي يُنظر بارتياح نسبي إلى حزب الشعب الجمهوري ينظر نظرة ريبة إلى حزب الخير بزعامة أكشنار، بل أن هذا الحزب لا يختلف كثيراً بنظرهم عن حزب الحركة القومية الذي أنشقت أكشنار عنه، فضلاً عن أن الكرد يتذكرون بأسى إلى ما تعرضوا له خلال فترة تسلم أكشيار منصب وزارة الداخلية منتصف تسعينيات القرن الماضي، لكن الثابت هنا أن العقدة الكبرى تكمن في غياب مشروع واضح لدى المعارضة التركية لحل القضية الكردية في تركيا، بوصفها قضية الديمقراطية والاستقرار في البلاد، وعليه يمكن القول إنه إذا كانت معركة المعارضة والنظام معاً هي معركة الحصول على الصوت الكردي للفوز في هذه الانتخابات المصيرية للجميع فإنه بالنسبة للكرد هي معركة جعل منح الصوت الكردي مقروناً بالحصول على تفاهمات سياسية مسبقة تقر بالحقوق القومية الكردية.

 يبدو المشهد التركي في المرحلة المقبلة أمام لوحتين، الأولى، حصول تحالف بين طاولة أحزاب الستة وحزب الشعوب الديمقراطية على قاعدة تفاهمات على مبادئ ديمقراطية، وإذا حصل ذلك فإن كليجدار أوغلو قد يفوز من الجولة الأولى، وبنسبة ربما تزيد عن ستين بالمئة كما تشير تقارير كثيرة، وفي حال عدم حصول مثل هذا التفاهم فإن التوقعات ترجح عدم حسم نتائج الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، وهو ما يعني أن الصوت الكردي سيصبح الرهان الوحيد لكل من كليجدار أوغلو وأردوغان للفوز مع أن التوجه العام للصوت الكردي يتجه إلى عقاب أردوغان على السياسة العدائية التي اتبعها ضد الكرد خلال المرحلة الماضية، وهو ما يعني أنه سيصوت لصالح كليجدار أوغلو إنطلاقا من قاعدة التوافق على إسقاط أردوغان، والامتحان هنا إلى أي درجة سينجح حزب الشعوب مسبقاً في فرض المبادئ التي ينادي بها لجعل تركيا دولة ديمقراطية من بوابة القضية الكردية؟