حماة ـ نورث برس
يحفظ الطلاب والطالبات منذ الصف السابع الإعدادي، تفاصيل خارطة البلاد، ابتداءً من توزع الثروات الزراعية، الحيوانية، والنفطية، ويتفنن القائمون على وضع المناهج الدراسية بتسمية المناطق السورية بألقاب تليق بثروات كل منطقة، لتبقى حسرة في قلب كل سوري/ة حفظ جغرافية البلد عن ظهر قلب، لتعرف المنطقة الشرقية بأنها خزان البلاد النفطي وذهبها الأصفر والأبيض، وتعرف الجغرافية سهل حوران وسهل الغاب بأنها خزان البلاد الزراعي؟.
وتسأل زينب خلف (13 عاماً) في الصف السابع مدرستها الجغرافية بكل براءة إذاً “لماذا كل أزمات المزروعات والبصل والشوندر السكري؟”، لتكون الآنسة أمام سؤال لطفلة عجزت عن الإجابة عليه، على حد تعبير عبير محمد (40 عاماً)، مدرسة للمرحلة الإعدادية في ريف حماة الغربي.
ازداد وضع المزارعين في سهل الغاب تدهوراً منذ بداية الحرب، واشتد منذ 3 سنوات مع أزمات المحروقات والسماد والتوزيع غير المتكافئ لثروات البلاد، التي جعلت السهل مستهلكاً بدلاً من أن يكون منتجاً، ليكون حسب وصف أهله “السهل المنسي”.
حكاية سهل الغاب
يتميز سهل الغاب بخصوبة تربته ووفرة مياهه، الأمر الذي جعله خزان سوريا الزراعي فعلاً منذ زمن قديم، حتى أن هذه المهنة يتوارثها الأحفاد عن الأجداد، مهما بلغ منصب أو الدرجة العلمية للوريث.
وإذا نظرت إلى أي بيت في سهل الغاب شتاءً تلحظ أنه لا ينقصه أي شيء من المؤونة، عملاً بمقولة “البيوت الخيّرة”.
لكن منذ 3 أعوام وحتى الآن، بدأت تنقرض الكثير من الزراعات التي لم تعد تؤمن للمزارع موسمه ليعيش بكرامة ويحضر لموسم جديد.
يقول محمد الونوس (70 عاماً) اسم مستعار من سهل الغاب، لنورث برس: “كثيرة الزراعات التي انقرضت في السهل منذ سنوات قريبة، منها الذرة البيضاء الناعمة، العدس، البذر الميال، دوار الشمس، البذر السلقيني، بسبب ارتفاع أجور اليد العاملة، وقلة المياه، وارتفاع أسعار الوقود، وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي عموماً”.
ويحمل المزارع السبعيني اللوم على وزارة الزراعة التي تتأخر بوضع الخطط الزراعية السنوية للمنطقة، ويشير إلى وجود أشخاص من أصحاب رؤوس الأموال يستغلون ضيق حال المزارعين الصغار، فيشترون أراضيهم ويكبرون ثرواتهم، ما يجبر البعض على هجرة مناطقهم وأريافهم وترك أرزاقهم.
بينما يتحدث عبد الرحمن الأحمد مزارع ستيني، اسم مستعار، من سهل الغاب، لنورث برس، عن قضية زراعية أخرى تتعلق بالزراعات الاستراتيجية كالقمح، ويقول: “وجّهت الحكومة بطريقة غير مباشرة إلى زراعة القمح، فلبى الفلاح النداء ليساعد بلده في محصول عانى ما عاناه خلال الحرب من شح وقلة حيث هدد لقمة الناس ورغيف خبزهم”.
لذلك بدأ المزارعون جميعاً بزراعة القمح، ووعدت الحكومة بدعمه، ويشير “الأحمد” أن تكاليف إنتاج القمح كبيرة، وخصوصاً في ظل شح الأمطار.
ويحتاج القمح إلى محروقات لريه، ولم يستطع المزارعون رشه سوى مرة واحدة، وحتى اللحظة لم ينشطر، فاستعانوا بالآزوت السائل والسماد العضوي “ولا تعطي تلك الطريقة نتيجة جيدة وهي غالية الثمن، حيث لم تقدم وزارة الزراعة كميات كافية من السماد (الفوسفور والبوتاس العالي) الذي يستخدم لعلاج تعفن الجذور وهو غالي الثمن”، حسب رأيه.
ماذا يقول الخبراء؟
يؤكد أوس مهنا، (55 عاماً)، وهو اسم مستعار لخبير زراعي، على كلام المزارعين، ويشير إلى أن أهم الزراعات التي انقرضت فعلاً هي الشوندر السكري، بعد خسارة المزارعين بسبب “تسعيره والسعر يعود للانخفاض مع كل موسم، وبالتالي الخسارة تجاوزت الملايين، ومثلها القطن والذرة البيضاء، وإذا استمر وضع القمح بهذا الشكل سيحل محله زراعة نبات الجلبانة كون تكاليفها أقل وتستخدم كعلف للحيوانات”.
ويوضح الخبير الزراعي، لنورث برس: “محصول الذرة الصفراء تم تسعيرها من قبل وزارة الزراعة الموسم الماضي بشكل مقبول، وعلى أساس تستلمه مؤسسة الأعلاف بسعر 2200ليرة ومعروف أن المحصول تمت زراعته كموسم تحميلي بعد القمح بشكل كبير، وواسع وكميات تشغيلية”.
ولكن للأسف، بحسب الخبير، تفاجأوا أنه لا يوجد لديهم مجففات وهطول المطر بشكل مبكر حال دون أن تجف الذرة وهبط سعرها من 2200 اشتراها التجارة من800 إلى 1000ليرة، بعدها عادت للارتفاع لأن المستوردة غالية، ولكنها لم تكن حينها بيد المزارع وأصبحت بين أيدي التجار “فهذا التذبذب السعري وعدم حساب ماذا سنعمل بعد المحصول كان كارثة”.
وينوه إلى أن الحكومة تركت المزارع الذي يعيش على الموسم في “مهب الريح” وخصوصاً في سهل الغاب، واعتبر أن السهل “منسي”.
ويقول: “لا يوجد عقود مواطنه بل عقود إذعان وبين المواطن والمؤسسة لا يوجد أحد يحمل المؤسسة المسؤولية بل يتحملها المواطن”.
ويضيف الخبير الزراعي، وهو ابن سهل الغاب، أن المطلوب من الحكومة أن يكون هناك قرار لازم يؤخذ، وهو “أن لا يخسر المزارع، وإذا أردنا تطوير الزراعة فيجب أن يكون رابحاً، ليس فقط رابح وبإمكانه أن يصرف على أولاده”.
ويرى أن إنتاج يحتاج إلى هدف اجتماعي بمعنى أن “المزارع غير مستعد للعمل فقط ليأكل ويشرب، بل عليه واجبات تجاه أسرته عليه تلبيتها وبالتالي يجب أن يكون رابحاً ويدفعه هذا الأمر لزيادة الإنتاجية، وعلى الحكومة تمويل هذه العملية ودعمها”.