هل يستطيع السوريون بعد اليوم أكل البصل ونسيان ما حصل؟
دمشق ـ نورث برس
لا يعتبر البصل مادة أولية وربما جوهرية في حياة السوريين والسوريات فحسب، بل مثلاً شعبياً يدل على أنه طعام الفقير، وفي عادات الزواج تردد الزوجات والأزواج أو ربما الأصح يتعاهدون العيش على “الخبزة والبصل” في إشارة إلى ضيق الأحوال المادية في الأسرة يوماً.
ومن تلك الأمثال: “بعيش معك على الخبزة والبصلة والزيت”، “كول بصل وانسى يلي حصل”، “عندي حقلة بصل بتعيشنا سنة من موسمها”، “يا بنتي بياكل بصلة بتاكلي متله.. زوجك أمانة برقبتك”.
لكن بما سيُحلّف العاشقين والعاشقات بعضهم/ن، اليوم بعد أن أصبح طعام الفقير على البطاقة الذكية؟ وهل يمكن أن يدخل بالمهر بعد أن كان طعاماً غنياً بالمعادن والحديد إذا اشتد الفقر؟
رواية البصل!
بين ليلة وضحاها تحول البصل إلى سلعة نادرة في الأسواق السورية، وأعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أنها تنوي، استيراد البصل بسبب ضعف الموسم لهذا العام وحاجة السوق المحلية من المنتج، رغم أنه يشهد للجغرافيات السورية الزراعية المختلفة بإنتاج بصل “يطلق عليه نوعية أولى” وفي مواسم مختلفة “كالبصل السلموني، وبصل المؤون”.
ونهاية الشهر الماضي، قالت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إن 700 طن من البصل الذي استوردته المؤسسة السورية للتجارة وصلت إلى ميناء طرطوس.
والكمية المقرر استيرادها بحسب ما أعلن رئيس الحكومة السورية حسين عرنوس، هي 2000 طن من المادة لمصلحة المؤسسة السورية للتجارة لتقوم بطرحها في صالاتها وبيعها بالمفرق للسكان.
الاستنكار والاستغراب جاء من تصرفات الحكومة، التي كانت قررت السماح بتصدير البصل لمدة شهرين خلال منتصف العام الماضي، وبررت حينها القرار بوجود فائض من الإنتاج المعروض من البصل تفوق حاجة السوق خلال تلك الفترة، وذلك في بيان عُمم من رئاسة الوزراء.
وخسر “أبو علي” (55 عاماً) كما عرّف عن نفسه، وهو أحد المزارعين من منطقة الغوطة الشرقية بدمشق، العام الفائت 80 مليون ليرة سورية في موسم البصل.
يقول لنورث برس: “سبب الخسارة هو طرق تصريف الموسم السيئة والتي لا تعود للمزارع بالربح الوفير، في حال باع لمؤسسات السورية للتجارة لن تشتريه بسعر يناسب أتعابه وأتعاب العمالة لديه ولا تراعي أجور النقل وحتى السقاية في ظل غياب المياه الوفيرة في الغوطة الشرقية، حيث يعمل الفلاحين على السقاية على الميتورات وبالتالي يحتاجون إلى مازوت، والحكومة لم تخصص سوى 6 ليتر للدونم الواحد”.
واضطر المزارع الخمسيني إلى بيع قطعة من أرضه لسد تكاليف الخسائر في زراعة البصل، الذي امتنع عنها هذا العام
اقرأ أيضاً
- مفقود في الأسواق.. سوريا تطلب من مصر طلبات عاجلة لاستيراد البصل
- تصدير المادة ثم استيرادها.. فقدان البصل في أسواق دمشق
- في سوريا.. 13 عام سجن لمن يحتكر البصل
- “بصل عالبطاقة”.. جدل وسخرية في الشارع السوري حول السلعة النادرة
وأشار محمد عبدو (70 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان سهل الغاب، أنه منذ عامين لم يعد المزارعون في الغاب يهتمون بزراعة البصل إلا للمؤون المنزلية، وقبل ذلك كان موسماً يعيش عليه الفلاح.
وأضاف لنورث برس: أتلف مزارعون العام الماضي، موسم البصل والثوم لانخفاض سعره في السوق، حيث بياع الكيلو الواحد ب700 ليرة سورية، في يكلف المزارع حوالي 1500 ليرة، وهو ما دفع المزارعين لعدم زراعته هذا العام”.
وحددت وزارة التجارة سعر كيلوغرام من البصل بالجملة ٥٥٠٠ ليرة سورية والمفرق ٦٠٠٠ ليرة سورية، وكل مخالف لهذه الأسعار سيخضع للعقوبات بموجب المرسوم التشريعي رقم ٨ للعام ٢٠٢١، وكل محتكر للمادة سوف تصادر الكمية الموجودة لديه، ويغرم ويحال إلى القضاء ويتعرض لمضاعفة العقوبة التي تصل إلى الحبس لمدة ١٣ عاماً.
وكان سعر الكيلوغرام من البصل يتراوح العام الماضي، ما بين ألف وألفي ليرة سورية.
رأي خبير!
يتحدث العالم عن أزمة بصل في كل البلدان العربية، حتى في الإمارات حسب ما نقلت وسائل السوشال ميديا، حيث أصبح يباع عبر البطاقة الذكية كيلوغرام واحد لكل عائلة، وبعد يوم واحد أصبح 2 كيلوغرام للعائلة وحسب تبرير وزارة التجارة، أنه بسبب “الإقبال الكبير”.
تبرير وزارة التجارة لاقى نقداً واسعاً من الشارع السوري، وتحدث عنه أحد الخبراء الزراعيين من منطقة سهل الغاب، رفض ذكر اسمه، موضحاً وشارحاً لنورث برس: “من أهم مشاكل زراعة البصل هي تذبذب السعر وعدم ثباته إضافة لارتفاع تكاليفه وبعض الأمراض الفطرية التي تصيبه، وبالتالي أصبحت تكاليف المعالجة كبيرة وترافق ذلك مع قلة الأسمدة وغلائها وعدم توفر مياه السقاية، وارتفاع تكاليفها من الآبار الارتوازية بسبب المازوت وشبه انعدام للكهرباء، وجميعها مشاكل متراكمة جعلت المزارع يحوله من موسم يعيش عليه إلى حاجته المنزلية فقط”.
ويشير الخبير الزراعي، أن البصل كان موجوداً بوفرة وأتاحت الحكومة تصديره بناء على الكميات الكبيرة التي لم تخزن بسبب وضع الكهرباء، “فالدولة أخذت قراراً في تصدير البصل، وحينها كان المزارع يبيعه بسعر 350 ليرة، بعدها ارتفع إلى 600، وعند البدء بتصديره أكثر سعر باعه المزارع هو 1000 ليرة.
وكان الأجدر، على حد تعبير الخبير، بالسورية للتجارة أن تشتريه مباشرةً من المزارع بـ600 ليرة سورية، وتخزن كميات كبيرة في برادتها، وعندما يصل سعره لـ15 ألف ليرة تطرحه بـ 1000 ليرة سورية، وهكذا حسب رأيه “تحقق أرباحاً وتلعب دور التاجر الرابح الأخلاقي”.
لم يسلم قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من انتقادات السوريين والسوريات على صفحاتهم الشخصية عبر السوشال ميديا، لكن يسأل مواطن ومواطنة لا يملكون ثمن البصل “ماذا بعد؟ وماهي السعلة الثانية التي ستدخل عبر البطاقة الذكية وتنسي السوريين والسوريات همَ البصل؟ وما هو مصير الثوم هذا العام؟، كلها أسئلة لا إجابات عليها سوى خطط حكومة دمشق”.