“الحرب الاقتصادية”.. داعش يغير استراتيجيته فهل أفلس التنظيم؟

الرقة – نورث برس

تغيرت استراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، في الحرب والاستهداف ضد خصومه بعد الإصدار الأخير عن “ولاية العراق” مطلع العام الجاري، الذي استعرض فيه استهدافاته، ضد القوات العراقية والمتعاونين معها.

حينها، ألمح التنظيم في الإصدار، الذي حمل شعار “فتربصوا إنا معكم متربصون”، إلى اتباع استراتيجية جديدة ضد خصومه، وهي إلحاق الضرر الاقتصادي في عتاد وممتلكات من يخالفونه.

للمرة الأولى، يتطرق التنظيم في إصداراته، للحرب الاقتصادية وتأثيراتها، وتحدث في الإصدار المدعو “أبو سعيد الشامي”، عن الاستراتيجية الجديد، فهل يعني الأمر أن التنظيم يمر بأزمة اقتصادية؟

ظهرت ملامح ذلك في تهديدات متكررة من قبل عناصر التنظيم وخلاياه في دير الزور، ضد متضمني الآبار النفطية، ومطالبتهم بدفع مبالغ مالية بحجة “الزكاة”.

“الزكاة” أو القتل

وغالباً ما يرفق التنظيم تحذيرات أثناء مطالبته بالزكاة، بمعاقبة من لا يمتثل لطلباته، بدفع المبلغ المحدد، بـ”القتل”.

وفي الثالث والعشرين من شباط/ فبراير لفائت، قُتل أحد مستثمري الآبار النفطية، برصاص مسلحين مجهولين. ورجحت مصادر، أن تنظيم “داعش” يقبع خلف عملية الاستهداف، لأن المستثمر تلقى عدة تهديدات من التنظيم، في وقت سابق، بسبب رفضه دفع الزكاة.

وقال مصدر محلي من بلدة الحريجي التابعة لناحية الصور شمالي دير الزور، لنورث برس، إن مسلحين مجهولين يستقلان دراجة نارية استهدفا بالأسلحة الرشاشة الشاب يوسف الياسين أحد مستثمري الآبار النفطية بالقرب من بادية الحريجي بريف دير الزور الشمالي.

وقبل يومين، من مقتل يوسف الياسين، استهدف مسلحو التنظيم بالأسلحة الرشاشة، منزل المدعو أحمد الظاهر وهو أحد مستثمري الآبار النفطية، لرفضه دفع الزكاة للتنظيم في بلدة تل ضمان التابعة لناحية الصور بريف دير الزور الشمالي.

وتلقى “الظاهر” قبل مقتله بيومين رسائل تهديد عبر تطبيق واتس آب، من أشخاص يتحدثون باسم التنظيم، أعطوه مهلة 24 ساعة لدفع مبلغ 10 آلاف دولار أميركي كـ“زكاة”، بحسب مصادر لنورث برس.

كما تلقى رسالة ثانية، بعد هجوم، يؤكد من خلالها التنظيم أن هذا الهجوم كان مجرد رسالة تنبيه وتحذير فقط.

وفي الخامس والعشرين من شباط/ فبراير الفائت، استهدف مسلحو “داعش”، بالقذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة، منزل مستثمر آبار نفطية في بلدة شرقي دير الزور، شرقي سوريا.

وقال مصدر محلي من بلدة حوايج ذيبان 50 كم شرقي دير الزور، إن مسلحين مجهولين يستقلون دراجات نارية استهدفوا بقذيفتي “آر بي جي” وأسلحة رشاشة منزل المدعو “غنام الجدي” أحد مستثمري الآبار النفطية في دير الزور.

ويضطر غالبية التجار ومستثمري الآبار النفطية لدفع “الزكاة” للتنظيم خوفاً من القتل تحت التهديدات المتواصلة، فيما يلجأ آخرون إلى الانتقال خارج المنطقة خوفاً من بطش التنظيم.

وفي الثاني من شباط/ فبراير الجاري، أقدم عناصر التنظيم على حرق بئر نفطي، لأحد مستثمري الآبار النفطية، لرفضه دفع “الزكاة” بالقرب من بلدة السجر بناحية الصور شمالي دير الزور.

ممول رئيسي

ويعمد التنظيم إلى شن حرب اقتصادية، بدأت بفرض الزكاة على مستثمري الآبار النفطية لتمويل نفسه، وذلك عقب إصدار التنظيم في العراق، عندما صرح من خلاله عن تراجع اقتصاده، مشدداً على شن حرب اقتصادية على مخالفيه.

ويفسّر محللون وكتّاب سياسيون، نشاط التنظيم في دير الزور، بأن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، كانت سابقاً الممول الرئيسي لـ”داعش”، والمتمثل بحقول النفط، حيث أنه يعتبرها تتبع له.

وفي وقت سابق قال خالد سرحان، إن الموارد الطبيعية في شرق الفرات، وبالتحديد في دير الزور تُغري التنظيم، الذي يبحث عن تمويل نفسه، كما أن المنطقة شكّلت الانتشار الجغرافي التقليدي لـ”داعش” طوال فترة سيطرته على مناطق واسعة من سوريا والعراق بين عامي 2013 و2019.

تصريحات التنظيم وتغييره للاستراتيجية جاءت بعد تكثيف العمليات ضده من قبل “قسد” بمشاركة التحالف الدولي، والتي أسهمت إلى حد بعيد بتجفيف منابع تمويل التنظيم، سواء بالحملات التي أطلقتها “قسد”، أو بالعمليات الفردية التي تتم بإنزال جوي من التحالف الدولي وتشارك فيها “قسد”.

ومن الحملات، حملة “صاعقة الجزيرة” التي أطلقتها “قسد” نهاية العام الفائت، وكذلك حملة “الانتقام لشهداء الرقة” والتي أعلن عنها في الـ 25 من كانون الثاني/ يناير الفائت، في مناطق الرقة والطبقة وصرين وأريافها، بالاشتراك مع قوى الأمن الداخلي “الأسايش” وبإسناد ودعم من التحالف الدولي.

إذ أسفرت الحملة عن اعتقال 127 عنصراً ينتمون لـ‘‘داعش’’ على رأسهم متزعم ما يسمى بـ“والي الرقة”، بالإضافة لتفكيك خلية متورطة بالهجوم على مركز الأمن الداخلي في الرقة نهاية العام الفائت.

والجمعة الفائت، أعلنت قوة المهام المشتركة للعمليات الخاصة في بيانٍ، عن اعتقال قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ممولاً لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في إحدى مناطق الحسكة بشمال شرقي سوريا في 17 شباط/ فبراير.

وكشف البيان، أن هذا الشخص شارك في تقديم مساعدات مالية ومميتة لعمليات “داعش” داخل وادي نهر الفرات الأوسط، وأشار إلى أنَّ “أسر هذا العميل يعيق قدرة داعش على تخطيط وتنفيذ الهجمات التي تهدد قسد والمدنيين الأبرياء في المنطقة”.

عقوبات

وفي أيار/ مايو العام الفائت، فرضت الولايات المتحدة، عقوبات على أفراد شبكة من خمسة ميسرين ماليين للتنظيم يعملون في إندونيسيا وسوريا وتركيا، لدعمه داخل الأراضي السورية.

واتهمت وزارة الخزانة الأميركية، خمسة أشخاص بلعب دور رئيسي في تسهيل وصول المتشددين إلى سوريا والمناطق الأخرى التي ينشط فيها التنظيم، وإجراء تحويلات مالية لدعمه في مخيمات النازحين في سوريا.

وقالت الخزانة الأميركية، إن الشبكة كانت تجمع الأموال في إندونيسيا وتركيا، “استخدم بعضها لدفع تكاليف تهريب الأطفال من المعسكرات وتسليمهم لمقاتلي داعش الأجانب كمجندين محتملين”.

وكشف البيان أن مخيم الهول هو أكبر مخيم للنازحين في شمال شرقي سوريا، ويقطنه ما يصل إلى 70 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال، تلقى فيه أنصار “داعش” ما يصل إلى 20 ألف دولار شهريًا عن طريق الحوالات المالية بآلية غير رسمية.

الحملات الأمنية والعقوبات وملاحقة منابع التمويل، جعلت التنظيم يعاني، ربما، في استقطاب عناصر جدد، لذا بات يغير استراتيجيته، ويستند في ذلك إلى شريعته التي توجهه.

وبات التنظيم ينشر عبر معرفاته حصيلة الآليات والمعدات التي يعطبها، وكذلك الأسلحة التي يصادرها من كل عملية، كنوع من الحرب الجديدة تحت مسمى “الغنائم”.

إعداد تحرير: أحمد عثمان