دمشق – نورث برس
ربما لا يعرف كثير من الناس أن مكتبة “ميسلون” تحولت يوماً ما إلى مكتب صرافة يجلس فيها الموظفون غير عارفين هم أنفسهم أنه بدل الأموال التي يكدسونها على رفوف الخزائن كانت هناك رفوف تحتضن أعمال عظماء الكتاب مثل تولستوي ودوستويفسكي وماركيز ونجيب محفوظ وغيرهم.
كما أن هناك من يمرّون اليوم من أمام مكتبة “نوبل” المغلقة دون أن يعلموا أيضا أنها ظلت لسنوات طويلة إحدى أهم المكتبات التنويرية في البلد مثل سابقتها التي أغلقت أيضاً مكتبة “اليقظة” الدمشقية، ومثل مكتبة “كردية” في محافظة اللاذقية، لمؤسسها الراحل يوسف كردية، والتي أغلقت العام الماضي، “ليس لأنه لم يعد هناك قارئ سوري يهتم لشراء الكتاب – كما يقول أصحابها – بل لأسباب كثيرة منها قرصنة الكتب والتزوير ونوعيات الطباعة السيئة الدارجة، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي تجاوز قدرة القارئ السوري”.
لا نقطف الورق من الأشجار
بين مكتبات أغلقت أبوابها وأخرى لا تزال تستقبل زبائنها أملاً بتحسن الأوضاع، ثمّة مكتبات عريقة أخرى يخشى أصحابها من مستقبل قاتم.
وفي حديث مع نورث برس عن واقع حال المكتبات، قال بُشر حسن مدير مكتبة “دار النَمير” في دمشق: “إذا كان هناك من سبب لإغلاق المكتبات فهو بالتأكيد ليس مزاحمة الكتاب الإلكتروني كما يُشاع، قد يكون قلل من إقبال الناس على الكتاب الورقي، لكن الدور الرئيس هو سعر الكتاب المرتفع مقارنة مع دخل المواطن السوري، أي انخفاض القدرة الشرائية عند السوريين”.
ويتابع حسن: “بالنهاية الكتاب سلعة، فنحن لا نقطف الورق من الأشجار إنما نستورده بالعملة الصعبة، لكن الأقسى هو عدم ثبات سعر المواد الداخلة في صناعة الكتاب، إذ نحن كدار نشر ومكتبة بيع لا نستطيع أن نغامر بطباعة عشرة آلاف نسخة مثلاً من عنوان واحد أو من عدة عناوين، وبالمقابل نحتاج إلى أكثر من خمس سنوات لبيع هذه الكمية. أي، كما لو أنني واقعياً جمّدت هذا المبلغ لهذه السنوات، بدلاً من أنْ أترك لنفسي هامش حرية أكبر في البيع والشراء ولو بأعداد قليلة”.
الحالة الاقتصادية العامة
ويقول عمر النوري من مكتبة “النوري”، المكتبة الأعرق في دمشق، بحسرة واضحة وباختصار شديد: “بصراحة وبكل أسف إن ما سيجعلنا نغلق ليس هو الحالة الاقتصادية العامة، فرغم صعوبتها والحصار الخانق علينا، إلا أن الكتاب مثلُه مثل أي غرض، هناك من يستطيع شراءه وهناك من لا يستطيع، لكن السبب الحقيقي وغير المعلن يكون في عدم اهتمام الورثة من أبنائنا بهذه المهنة، لقد أصبحوا يتّجهون نحو ما يجلب لهم ربحاً سريعاً، بغض النظر عن قيمة ما يفعلونه، لم يعد عندهم الصبر على البقاء ساعات طويلة حتى يأتي زبونٌ ما لشراء كتاب، انظر مثلاً إلى كل تلك الرفوف من الكتب التراثية والدينية، لم تُبَع من حوالي عشر سنوات منذ أول الحرب، في حين لا تزال كتب الأدب والروايات وكتب القانون هي الأكثر رواجاً عندنا”.
نشر الثقافة
نسأل الصحفي حسن حسن، وهو والد بشر حسن مدير مكتبة “النَمير”، هناك مَن يتوقع مزيداً من حالات إغلاق المكتبات في ظل عدم الدعم الحكومي، كيف ترى الواقع؟
يقول: “بكل صراحة أقول إن الدولة (وزارة المالية تحديداً) تقلل الضرائب على أي مكتبة أو دار نشر باعتباره مكاناً لنشر الثقافة، فلو تعاملوا معنا كما يتعاملون مع أي مطعم أو كافيه لكانت كل مكتبات البلد قد تحولت إلى أطلال”.
ويتابع: “حتى أن وزارة الثقافة داعمة بشكل لا يصدق، إذ إننا نشتري الكتاب من مطبوعاتها بما يقارب 500 ليرة سورية فيما كلفته الواقعية عند الوزارة أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية!، إذاً لا يمكن أن نظلم الوزارة كجهة حكومية فيما يخص موضوع دعم الكتاب، لكن ما نعيشه حالياً ليس ازدهاراً كما في الثمانينيات والتسعينيات أو حتى ما قبل الحرب، إنما محاولات مستميتة للاستمرار”.
ليس الإهمال وحده بل الوضع الاقتصادي المزري أيضاً، من يخنق “خير جليس في الأنام”، في بلد عانى ولا يزال من ويلات حرب طال أمدها.