“ضريبة الزلزال” تثير غضب السوريين: “اللي استحوا ماتوا”

دمشق – نورث برس

“اللي استحوا ماتوا” هذا أكثر تعليق ردده الناس عند تعقيبهم على تعميم محافظة اللاذقية، الذي طالب بالحصول على تقرير خبرة مصدق من فرع  نقابة المهندسين، يبين حالة البناء الإنشائية للأبنية المتضررة  تحت إشراف هندسي.

وكانت الطامة الكبرى أن على المتضررين الملزمين بالحصول على هذا التقرير أن يسددوا الرسوم المطلوبة والتي تصل إلى مليون و200 ألف ليرة، وأن التعليمات تنص على أن التدعيم يتم على حساب المتضرر، وأنه  (لم يرد أي شيء حول التعويض بهذا الشأن حالياً).

وفي تعقيب فرع نقابة اللاذقية على هذا الأمر جاء العذر أسوأ من الشرط، إذ بينت النقابة أنهم يتصرفون وفق القانون، وإذا لم تقرر النقابة المركزية إعفاء المواطنين من التكاليف، فلا يمكنهم في فرع اللاذقية رفع الرسوم ومخالفة القانون، دون تعليمات من النقابة المركزية أو جهات أخرى.

بعض الخجل

وقع هذا التعميم جاء كما الزلزال الذي أصابهم حسب تعبير البعض لنورث برس، حيث استنكر رامي أبو العيسى لنورث برس، متسائلاً: عن أي أتعاب يتحدثون، أليس هنالك من يخجل؟.

أضاف أنه أمام سلوكيات كهذه لا نستطيع إلا أن نشكر الدول التي ترسل مساعدات للناس المنكوبين.

وبنوع من السخرية أضاف “أبو العيسى” كان عليهم أن يأخذوا رسوم ممن ذهبت بيوتهم في هذه المحافظات المنكوبة” مع أن الأصول تقتضي أن يعفى كل من يسكن في هذه المناطق من جميع الضرائب لمدة محددة، وإلا لماذا أعلنت مناطق منكوبة، فهنالك من فقد أوراقه ومستنداته، وهنالك من فقد أعزاءه  وأمواله، ويختم حديثه بالقول: “عنجد اللي استحوا ماتوا”.

رشى وإتاوات

قال سامر عبود لنورث برس، معقباً على هذا القرار أن نقابة المهندسين “يجب أن تتحاسب على الفساد والغش، فهم عند البناء يأخذون الرشاوى، وبالزلزال يطلبون الإتاوات!”.

أضاف أن النقابات في كل دول العالم وجدت لتكون داعماً للناس، لكنها في بلدنا تمارس عكس هذا الدور.

استثمار في الكارثة

وفي تقييمه للشروط الموضوعة التي تفرض على المواطن  تدعيم بيته، والحصول على موافقة نقابة المهندسين، ودفع كل هذا المبلغ، قال إعلامي مختص في الشؤون المحلية لنورث برس، إن هذا أمر لا يمكن وصفه إلا بأنه “استثمار في الكارثة، وتخلي الدولة عن أبسط واجباتها خاصة في وقت الأزمات والكوارث الكبرى”.

أضاف الإعلامي أنه حتى في الأوقات الطبيعية هناك ما يوصف قانونيا “بالمسؤولية المدنية”، بمعنى أن الحكومة مسؤولة عن انهيار بناء مثلا، قبل المسؤولية الجنائية التي تقع على المتعهد، أو المهندس، أو من شارك بشكل مباشر في التلاعب بخصائص البناء وجعله معرضا للسقوط.

وأشار الإعلامي أنه في الكوارث يجب على الحكومة، ومن أبسط واجباتها، أن تنقذ الناس أولا، ثم تسعى لتأمين احتياجاتهم الأساسية ثانيا، كالغذاء والمسكن، ثم عليها في خطوة لاحقة التحقق من الأبنية التي قد تكون تعرضت لخطر، يؤثر على حياة الناس.

تلك واجبات لا يجب أن تكون “مأجورة” فالحكومة في النهاية مسؤولة مدنيا عن سلامة أي بناء.

لوحدهم

وقال المصدر الإعلامي يبدو أن “قدر السوريين أن يكونوا وحدهم حتى في أسوأ أوضاع كالتي عايشوها مؤخراً، خاصة وهم يرون أن حكومات أخرى تسارع لتأمين كل احتياجات ضحايا الكوارث، بينما حكومتهم تجدها فرصة كي تستثمر في الأمر، وتفرض مبلغا يعادل نحو عشرة أضعاف راتب موظف، مقابل خدمة ينبغي أن تقوم بها، بلا أي مقابل، بل من واجبها ذلك كونها مسؤولة مدنيا عن أي كارثة لا تكون عوامل الطبيعة فقط هي من سببها”.

ذلك أمر يشبه أن تقوم الحكومة بفرض ضرائب على حفظ الأمن، ومنع الجريمة. هذه واجبات أساسية وليست “سلعا” تباع، أو فرصا للاستثمار، بحسب الإعلامي.

يخالفون القانون

في حين بين المحامي صالح علوش (اسم مستعار) لنورث برس، أن الطريقة التي يتم التعامل فيها مع المتضررين مخالفة للقانون.

إذ تنص المادة 49 من القانون رقم ٢٣ لعام ٢٠١٥ الخاص بتنفيذ التخطيط وعمران المدن على: (تعفى العقارات المنكوبة بسبب الكوارث الطبيعية أو الحروب من الرسوم المالية والتكاليف المحلية والرسوم الأخرى المترتبة على إعادة البناء).

وهذا يجعل نقابة المهندسين والحكومة برمتها ملزمة بتقديم كل الخدمات المجانية للمتضررين، ومن يطالب بغير ذلك فهو يخالف القانون بشكل واضح وصريح.

وفي تعقيبه على الجدل الذي أثاره الإعلان عن هذه التكاليف قال نقيب المهندسين السوريين غياث قطيني، إنه سيتم إعفاء كل بناء مرخص (وهذا يعني أن المنازل غير المرخصة أو بيوت المخالفات لن تحصل على هذه الإعفاءات رغم انتشارها الكبير) سيتم إعفاءها من رسوم رخصة تدعيم جديدة، وتعهد أمام مجلس الشعب بإيجاد صيغة  لأتعاب المهندس.

ومن ضمن ردود الفعل الرسمية أيضاً تصريح وزير الإسكان سهيل عبد اللطيف لوسيلة إعلام محلية أن هنالك دراسة تعدها نقابة المهندسين المركزية لتخفيض أتعاب المهندسين المختصين بالعمل فيما يخص التدعيم واستصدار رخص الأبنية المتضررة.

وعبر الكثير من المواطنين عن استياءهم من تخريج آلاف المهندسين سنوياً، ينتهون إلى موظفين لا دور لهم، ثم تظهر نقابتهم  في هذه الكارثة لتحولهم إلى عقبة أمام المنكوبين، تحت شعار حماية أرباح مهندسي النقابة.

إعداد: ليلى غريب – تحرير: قيس العبدالله