قطر وزلزال سوريا

في خضم العمليات العسكرية التركية في سوريا، برزت إلى الواجهة قضية التمويل القطري للحروب التركية، لاسيما في سوريا وليبيا. شكر مسؤولون أتراك مراراً النظام القطري على دعمه لعدوان بلادهم على شمال شرقي سوريا، حيث كانت قطر الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت دعمها للاحتلال التركي لعفرين، لكن الأخطر من قضية التمويل القطري لهذه الحروب هو الدعم الذي تقدمه قطر سواءً بشكل مباشر، أو غير مباشر عبر جمعيات موصوفة بالخيرية لجملة نشاطات تؤدي إلى إحداث تغيير ديمغرافي في المناطق السورية التي احتلتها تركيا خلال السنوات الماضية، لاسيما عفرين التي تحول الكرد فيها بحكم هذه النشاطات إلى أقلية سكانية بعد أن كانوا يشكلون قرابة 98 بالمئة من سكانها.            

وسط هذا النهج القطري الداعم للسياسة الاحتلالية التركية في سوريا، استغلت قطر كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من الشهر الجاري، مطلقة جملة مشاريع سكنية تحت عنوان إغاثة المتضررين من الزلزال، فيما المراد هو تحقيق أوسع حملة تغيير ديمغرافي لاسيما في منطقة جنديرس المنكوبة، حيث كان لافتاً حركة الوفود القطرية إلى عفرين عقب الزلزال، إذ زارها السفير القطري في أنقرة محمد بن ناصر جاسم آل ثاني، برفقة كل من رئيس الائتلاف السوري المعارض سالم المسلط، ورئيس “الحكومة المؤقتة” عبد الرحمن مصطفى، وكذلك وفد قطري آخر برئاسة العقيد مبارك شريدة الكعبي برفقته قادة من المجموعات المسلحة السورية المعارضة بينهم قائد فرقة السلطان الشاه محمد الجاسم المعروف بأبو عمشة، كما زارها وفد ثالث برئاسة يوسف بن أحمد الكواري الرئيس التنفيذي لمؤسسة قطر الخيرية، وقد بلورت هذه السياسات جملة من المشاريع السكنية الاستيطانية، لعل أهمها كما اتضح إلى الآن:

  1. مشروع إقامة مدينة سكنية في منطقة جنديرس التي دمرها الزلزال تحت اسم “مدينة الكرامة”.
  2. مشروع إقامة مدينة سكنية في ناحية الشيخ حديد بقرية ليجة تحت عنوان “القرية القطرية”، على أن تقوم جمعية شام الخيرية بتنفيذ مشروع، وهي جمعية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا.       
  3. إطلاق مشروع بناء مدينة في منطقة شيه.                        
  4. إطلاق مشروع بناء مدينة سكنية في بلدة مابتا بمنطقة معبطلي. 

وفي سبيل تنفيذ هذه المشاريع الاسيتطانية قام الجانبان القطري والتركي بسلسلة خطوات حتى الآن، منها:

تشكيل مجالس محلية في مناطق عفرين، حيث تقوم هذه المجالس عبر لجان بإبلاغ السكان الأصليين بضرورة الانتقال إلى مخيمات أقيمت في منطقتي إدلب والباب بريف حلب ريثما يتم استكمال بناء هذه المدن.   

حرمان كل من يرفض الانتقال إلى هذه المخيمات من المساعدات الإغاثية التي قدمت وتقدم في إطار أعمال الإغاثة عقب وقوع الزلزال.   

وصول مئات الكرفانات (منازل معدة الصنع) التي استخدمتها قطر خلال كأس العالم لكرة القدم إلى منطقة جنديرس في عفرين، وتأتي هذه الخطوة في إطار اتفاق بين قطر وتركيا على أن تقدم الأولى هذه الكرفانات التي قُدرت بنحو 10 آلاف إلى تركيا مجاناً.

قيام جرافات تابعة لمؤسسات قطرية – تركية بجرف مناطق واسعة من الأراضي في جنديرس وهو ما أدى إلى مواجهات مع الأهالي، مع ملاحظة حركة قدوم لوافدين غرباء إلى المناطق التي تعرضت للدمار.          

وحتى الآن يسجل أن أهل جنديرس رفضوا ترك منازلهم المدمرة، وفضلوا العيش فوق أنقاض هذه المنازل بدلاً من الانتقال إلى المخيمات التي أعدت، كما أن البعض طرد اللجان التي أرسلتها المجالس المحلية في ظل اعتقادهم بأن ثمة خطة خبيثة، هدفها استكمال خطوات التغيير الديمغرافي في مناطقهم، وتصفية الوجود الكردي في عفرين عبر جلب حواضن شعبية تابعة للجماعات الإسلامية لإسكانها في هذه المناطق.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي يدفع قطر إلى تقديم كل هذا الدعم للتغيير الديمغرافي في عفرين وترسيخ الاحتلال التركي فيها؟.

في الواقع، ثمة من يرى أن هناك جملة عوامل تقف وراء هذا النهج القطري، يمكن اختصارها في عاملين أساسيين، يتمثّل الأول في أنه منذ اندلاع ما سمي بثورات الربيع العربي، تحركت قطر وتركيا بقوة في دعم واحتضان جماعات الإسلام السياسي، لاسيما الإخوان المسلمين، بغية إيصالها إلى السلطة على اعتبار أن ذلك سيحقق مشروعهما الإقليمي، حيث كان لافتا تحول تركيا إلى مركز للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ومنها وجهت هذه الجماعات نشاطاتها العسكرية والسياسية والإعلامية تجاه دول المنطقة.                                              

فيما يتمثل العامل الثاني في أن قطر وجدت أثناء أزمتها مع دول الخليج العربي ومصر حضناً سياسياً دافئاً ارتمت فيه لحماية نفسها، فيما وجدت تركيا في ذلك فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها في منطقة الخليج، وبسبب ذلك تحولت العلاقة التركية – القطرية إلى علاقة عضوية، ولعل هذا ما يفسر الدعم القطري المفتوح لتركيا، لاسيما في مواجهة أزمتها المالية، وتراجع قيمة ليرتها أمام الدولار، حيث تشير التقارير إلى أن قطر قدمت لتركيا أكثر من 25 مليار دولار خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما ساهم في الحد من الأزمة المالية والمعيشية التي تعاني منها تركيا.      

في الواقع، من الواضح أن العلاقة القطرية – التركية أخذت خلال السنوات الماضية طابع تقاسم الأدوار في المنطقة لتنفيذ أجندات الإسلام السياسي انطلاقاً من البعد الأيديولوجي، والدور القطري هنا يركز على التمويل والتعاون الاستخباراتي مع تركيا، فيما تقوم الأخيرة بشن الحروب، وتفجير  الساحات، وتوجيه أجندات جماعات الإسلام السياسي، ورغم تراجع الدور التركي الفاقع في هذا المجال بعد الاستدارة التركية نحو مصر ودول الخليج العربي إلا أن هذا الدور متواصل بشكل كبير في شمالي سوريا وكردستان العراق وليبيا. في كل ذلك باتت السياسة القطرية ملحقة بسياسة تركيا تجاه المنطقة.                                                                   

ما من شك أن قطر ومن خلال تمويلها المفتوح لسياسة تركيا في شمالي سوريا باتت شريكة لها في ارتكاب الجرائم التي تقترف تحت عناوين خيرية، وهي سياسة تفتقر إلى المبادئ الإنسانية والأخلاقية رغم محاولة تغليفها هذا النشاط بشعارات إسلامية وإنسانية، وقد باتت هذه السياسة تشكل خطراً على الهوية الثقافية والاجتماعية والقومية للسوريين، وهو ما يتطلب موقفاً حاسماً من السوريين والمجتمع الدولي، وكذلك تحركاً على كل المستويات لوقف هذه السياسة اللامسؤولة.