الزلزال.. سوريون سمحت لهم تركيا بزيارة ذويهم يتخوفون من حرمانهم العودة

إدلب نورث برس

أمام قبر جماعي يجلس الشاب مصطفى باكياً والدته واثنين من إخوته الصغار، الذين قضوا في الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا مطلع الشهر الجاري.

وفجر السادس من شباط/ فبراير الجاري، ضرب زلزال بقوة 7.7 على مقياس ريختر، جنوبي تركيا وسوريا، وخلف آلاف الضحايا وانهيار مئات المباني السكنية ليغدو سكانها مشردين ودون مأوى.

يقول مصطفى الباشا (31 عاماً) وهو من مدينة حمص إنه “يعيش مع زوجته وأطفاله في مدينة مرسين التركية ويعمل هناك منذ سبع سنوات”.

وبسبب الزلزال فقد الرجل والدته واثنين من إخوته الصغار، جراء انهيار منزلهم في مدينة حارم شمالي إدلب.

ويضيف “الباشا” لنورث برس أنه “بعد سماعي بالخبر لم يهدأ لي بال، حاولت كثيراً إيجاد طريقة للعودة إلى سوريا لتوديع والدتي وإخوتي قبل دفنهم”.

و”لحسن حظه” على حد تعبيره، أصدرت السلطات التركية في اليوم التالي، قراراً يسمح للسوريين من حاملي بطاقة الكيملك، بإجازة لمدة ستة أشهر، يزورون فيها ذويهم في المناطق المنكوبة بسوريا، “وما كان مني إلا أن توجهت بسرعة إلى باب الهوى ووصلت إلى إدلب وتركت خلفي في تركيا زوجتي وطفلي عند أخيها”.

وبحسرة يقول: “لم أتمكن من توديع والدتي واخوتي، لكن على الأقل تمكنت من الوصول إلى القبر الجماعي الذي دفنوا فيه مع آخرين”.

ويقيم “الباشا” حالياً في منزل أقاربه بمدينة بنش شرقي إدلب.

ولم يخف خلال حديثه لنورث برس، المخاوف التي بدأت تنتابه بعد أن راجع حساباته، وتفاجئ بأنه وقع على إجازة مدتها ثلاثة أشهر في معبر باب الهوى، “لم أكن بكامل وعي حينها”، على حد تعبيره.

وبعد أن أدرك الشاب ذلك تذكر أيضاً أنه ترك أطفاله وزوجته في تركيا، “كنت أظن أنني سوف آتي إلى سوريا لأيام معدودة، لكن بعد إدراكي مدة الإجازة التي وقعت عليها، وإدراكي تصريحات تركيا الأخيرة، أيقنت أن العودة إلى عائلتي في تركيا ربما تكون شبه مستحيلة”.

مخاوف تلاحق سوريين

وأثارت التصريحات التركية الأخيرة حول عودة آلاف السوريين طوعاً إلى الأراضي السورية بعد الزلزال، مخاوف معظم من قدم إلى البلاد، وفقاً للإجازة التي منحتها السلطات التركية.

والأحد الماضي، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، خلال تفقده نقاطاً حدودية مع سوريا برفقة رئيس الأركان يشار غولر، إن “10 آلاف و633 سورياً عادوا إلى بلادهم بشكل طوعي بعد الزلزال”.

ويقول زياد الصافي (38 عاماً) وهو من نازحي ريف حماة، إنه يقيم في تركيا منذ 2013 ويعمل هناك في مجال الحلويات منذ ذلك التاريخ، ويقيم في مكان قريب من مكان عمله.

ومع مرور السنوات استطاع بناء شبكة علاقات قوية في المنطقة، واستقرت حياته هناك “وأصبحت أنطاكيا، مدينتي الجديدة، وكنت أزور أقاربي في سوريا في إجازات العيد، إلا أن الأمر لم يعد متوفراً منذ سنوات، ليقتصر لقائنا الوحيد عبر الإنترنت”.

ويضيف “الصافي” لنورث برس: “ومع حدوث الزلزال تضرر منزلي بشكل جزئي، وتوقفت الحياة بشكل كامل في مدينة أنطاكيا”.

ومع إعلان السلطات التركية عن إجازة للسوريين لزيارة أقاربهم والاطمئنان عليهم، لم يتردد الرجل في المجيء إلى مدينة إدلب وتفقد أقاربه.

يقول: “لكنني اليوم تفاجأت بتصريح وزير الدفاع التركي، أن آلاف السوريين عادوا إلى بلدهم خلال الأيام القليلة الماضية طوعاً، وهذا ما أثار مخاوفي”.

فعمله في تركيا وأمواله لا تزال هناك لدى صاحب المنشأة التي يعمل بها وأثاث منزله كذلك، وجميع ما استطاع بنائه خلال السنوات العشر الماضية سوف يذهب سداً، إن لم يتمكن من العودة إلى تركيا خلال الفترة المقبلة.

هل كانت خدعة؟

منذ إعلان تركيا عن سماحها للسوريين في مناطقها المنكوبة العودة إلى بلادهم في إجازة محدودة أقل مدة لها ثلاثة أشهر، كثر الجدل بين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي.

فذهب البعض في توقعاتهم أن “تركيا أعطت السوريين هذه الإجازة للتخفيف من الضغط على أراضيها هذه الفترة على الأقل، ولا سيما وأن الإجازة كانت أقل مدة لها ثلاثة أشهر”.

بينما أكد آخرون أن “جميع من دخل إلى سوريا، لن يتمكنوا من العودة إلى تركيا، لأنها أعلنت عن هذه الاجازة للتخلص من أكبر عدد ممكن منهم، دون الحاجة لاعتقالهم أفراداً وترحيلهم إلى سوريا بحجة العودة الطوعية”.

ومنذ اليوم الأول، حذر العديد من الناشطين ومنهم فتحي الشامي وهو ناشط سوري يقيم في تركيا، السوريين في تركيا من الوقوع في كمين السلطات التركية “الإجازات”.

وقال لنورث برس: “هي خطرة من عدة نواحي، أهمها أن الفترة التي جاءت بها وفترة السماح لهم بالعودة هي بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية في تركيا، والجميع يعلم أن حزب أردوغان مهدد في هذا الوقت بالخسارة أكثر من أي وقت مضى على حساب الحزب المعارض”.

وأضاف: “إن حدث وفاز الحزب المعارض الذي يظهر عداوته للسوريين منذ سنوات طويلة، فإن الذين عادوا إلى مناطقهم في زيارة، سوف تكون عودتهم طوعية، ولن يتمكنوا من دخول تركيا مرة أخرى”، وفقاً للناشط.

ومن المحتمل أيضاً إن حصل ذلك “يقوم الحزب الفائز، بطرد السوريين أو التضييق عليهم بشتى الطرق وهو ما نخشاه”، بحسب “الشامي”.

إعداد: مؤيد الشيخ- تحرير: فنصة تمو