يخطئ من يظن أن الزلازل تقتصر على العمليات الطبيعية التي تجري في باطن الأرض، بل هناك أنواع من الزلازل لا تقل فداحة عن الزلازل الطبيعة. من هذه الزلازل ما يتسبب به البشر أنفسهم.
الصراع المسلح في سوريا، وعليها، على امتداد اثني عشرة سنة كان زلزالاً غير مسبوق في التاريخ، خلف كوارث لجميع السوريين. ورغم ذلك، لم يكن “زلزال الحرب” كافياً لإيقاظ الضمائر من سُباتها، وإعادة عقول من تسبب بها من إجازاته المفتوحة للتبصر بما فعلوه والعمل على إيجاد مخارج ما. لعلّ زلزال الطبيعة يؤدي هذا الدور.
وإذا كان زلزال الطبيعة قد أيقظ لدى السوريين في مختلف مناطقهم روحهم السورية من سباتها متجاوزين كل هوياتهم الفرعية، واستنفروا لمساعدة إخوانهم في المناطق المنكوبة، فإنهم بحاجة الآن إلى زلزال من نوع آخر يوقظ لدى المعنيين الشعور بالمسؤولية، التي عملت المصالح الضيقة على القضاء عليها.
من غير المجدي توجيه الشكر لقيام السوريين في مختلف مناطق البلد بواجب إغاثة مواطنيهم في المناطق المنكوبة، مع أنهم يستحقونه، وهم لا يطلبون ذلك بالتأكيد، لعل ما يريدونه هو أن تتضافر جهود القوى السياسية المختلفة، في السلطة والمعارضة، مع القوى المجتمعية لإخراج سوريا من محنتها.
لا يجوز، بعد كل الذي حل بسوريا والسوريين سواء من جراء زلزال السادس من شباط/فبراير، أو من جراء الأزمة، التفكير وفق منطق الحسابات الضيقة، إذ تقتضي المصلحة الوطنية العليا أن يبادر النظام الذي يتحمل المسؤولية الأكبر عما حل بسوريا من جراء الأزمة، ويتحمل الفاسدون في قطاع الإنشاءات الذين كانوا في رعاية النظام الكثير من المصائب التي حلت بالسوريين من جراء الزلزال، وبالتالي على النظام المبادرة إلى الدعوة لعقد مؤتمر وطني واسع التمثيل لجميع القوى السياسية والاجتماعية السورية لأجل التوافق على مخرج وطني من أزمات البلد المركبة فهل يستجيب؟!
لم يعد مقبولاً التعامل مع أزمات سوريا بعقلية عام 2010، خصوصاً لجهة تجاهله حقوق السوريين الطبيعية بحياة سياسية ومدنية، ومشاركتهم بإدارة كل ما يتعلق بحياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالطريقة التي يريدونها في إطار وحدة البلد والشعب.
لقد كشف زلزال السادس من شباط دور الفساد في حجم الخسائر الهائلة في الأرواح والممتلكات التي حلّت بالسوريين، لكنه في الوقت ذاته كشف روح التضامن العالية بينهم تجاه بعضهم البعض. وفي هذا المجال لا يسعني إلا أن أنقل ما قيل على لسان كثير من السوريين في الساحل المنكوب من آيات الشكر والعرفان للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وللسوريين في دير الزور، ولأهل حوران النشامى، ولسكان جبل العرب الأشم وللسوريين في جميع المحافظات السورية لفزعتهم كرجل واحد لإغاثة أبناء وطنهم في المحافظات المنكوبة. وسوف يذكر السوريون بالعرفان الجميل فزعة الجزائر والإمارات العربية المتحدة والعراق وأغلب الدول العربية لمساعدة سوريا في محنتها. وفي الوقت ذاته سوف يصعب عليهم تفهم صمت المملكة المغربية، وتأخر السعودية والكويت في مساعدة سوريا للتخفيف من هول الكارثة التي حلت بها.
من جانب آخر لا يمكن تفهم مواقف سُعار بعض السوريين ممن يشتغلون معارضةً في الخارج لرفض إرسال المساعدات إلى سوريا بحجة أن النظام سوف يستخدمها لأغراضه الخاصة، ويمنع وصولها إلى مستحقيها. ولن ينسى السوريون أيضاً دور الحكومة التركية في تمييزها العنصري بين المنكوبين من الأتراك والسوريين على أراضيها، وفي شمال غربي سوريا في إغلاقها للمعابر، ومنعها إدخال المساعدات التي قدمتها الإدارة الذاتية إلى المواطنين السوريين بحجج واهية.
لقد شكلت كارثة زلزال السادس من شباط إمتحاناً لجميع السوريين، نجح فيه بإمتياز أغلبهم في المجتمعات المدنية والأهلية، وفي دول الإغتراب، لكن رسب فيه القلة منهم، خصوصاً أولئك الذين يشتغلون معارضة في الخارج. ومع أن الحكومة السورية قد حاولت الإستجابة للكارثة بقدر ما لديها من إمكانيات محدودة، غير أن أجهزتها البيروقراطية الفاسدة تعمل على استغلال الكارثة لجني الفوائد منها لتعظيم مصالحها. ويبدو لي أن رفع سعر المازوت للمؤسسات والهيئات الصناعية في هذا الوقت بالذات لا يخرج عن هذا الإطار.
بهذه المناسبة- الكارثة، قد يكون من واجب بعضنا توجيه نداء لقادة النظام، للتبصّر في هول الكارثة التي حلت بالسوريين سواء من جراء الأزمة أو من جراء الزلزال، وليبادروا إلى الدعوة لعقد مؤتمر وطني في دمشق للبحث في إنقاذ ما تبقى من سوريا ولوضعها على سكة التعافي. في مقابل ذلك قد يكون من الواجب أيضاً التوجّه إلى جميع القوى الوطنية الديمقراطية السياسية والمجتمعية للتحلي بالواقعية السياسية، والموافقة تالياً على المشاركة النشطة بهكذا مؤتمر في حال قبل النظام عقده.
إن إنجاز مهام تحرير البلد وتوحيده وإعادة إعماره، وعودة المهجرين واللاجئين إلى مناطقهم، وتحسين مستوى حياتهم، هي مهام كبيرة جداً تحتاج إلى جهود جميع السوريين. لكن ذلك يتطلب قبل كل شيء تغيير نظام الاستبداد بصورة جذرية وشاملة، وبناء نظام جديد ديمقراطي علماني لا مركزي.