عندما يكشف الزلزال السوري الكثير من القضايا

وصف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون الانسانية مارتن غريفيث زلزال 6شباط 2023 الذي حدث في تركيا وسوريا بأنه “أسوأ ماشهدته المنطقة خلال قرن من حيث الأضرار”.

أصاب الزلزال عشر محافظات تركية، وأربع محافظات سورية هي إدلب وحلب واللاذقية وحماة،وكان من قتلى الزلزال آلاف السوريين المقيمون في تركية.

في سوريا، وبفعل الأزمة السورية وما رافقها من صراع داخلي ونزوح داخلي بلغ 6،8 مليون ولاجئون خارج الحدود يقاربون عدد النازحين،كان الزلزال مؤدياً إلى “أزمة داخل أزمة” وفق تعبير أحد مسؤولي الأمم المتحدة، خاصة أن المنطقة السورية الأكثر تضرراً من الزلزال، وهي منطقة شمال غربي سوريا في إدلب وفي الريف الشمالي والغربي من محافظة حلب، التي تضم ثلاثة ملايين من النازحين السوريين من محافظات سورية أخرى أو من مناطق في إدلب بعد قتال الشهرين الأولين من عام2020، وفي تلك المنطقة كان هناك أربعة مليون من أصل أربع ملايين ونصف يعيشون على المعونات الإنسانية.

حتى يوم 12شباط/فبراير وصل عدد القتلى السوريين في المحافظات الأربع إلى أربعة آلاف وخمسمائة، والذين أصبحوا بلا مأوى بسبب الزلزال يبلغون خمسة ملايين، وفي بلدات مثل جنديرس وحارم وسرمدا والأتارب كان الدمار لأغلب المباني والدور السكنية، وهناك دمار كبير في أحياء من  مدن حلب واللاذقية  وجبلة وسلقين وأريحا  وفي حي واحد بمدينة حماة.

كان الدمار أعلاه في المباني والدور بمناطق العشوائيات والمخالفات وحيث يوجد نازحون، وأيضاً في مدن عديدة كان الدمار والتصدع والتشقق وانهيار المباني في أحياء حديثة وفي “أبنية وأحياء فخمة” كشف الزلزال بها مقدار مخالفات المواصفات الهندسية في البناء ودراسة التربة، مما جعل أغلب المباني هناك تنهار مثل علب الكبريت أو قطع البسكويت المصفوف بعد هرسها، أو أن تتشقق أو تصبح في وضع الميلان، وهو مايبيّن مقدار الفساد في البلديات وعند المتعهدين ومهندسي الإشراف، ومقدار التسيّب والفساد في الإدارة الحكومية بالسلطة السورية.

لم يكن تعامل ما يسمى بـ”المجتمع الدولي”على مسطرة واحدة بين تركيا وسوريا، بل كان الاهتمام منصباً على مساعدة تركيا مع تجاهل للمناطق السورية المتضررة، تارة تحت حجة أن هناك مناطق تحت سيطرة السلطة السورية تخضع للعقوبات الدولية، وتارة بالتحجج أنه لايوجد سوى معبر واحد هو باب الهوى سمح مجلس الأمن الدولي بعبور المساعدات عبره لمنطقة شمال غربي سوريا التي لاتخضع لسيطرة السلطة السورية، هذا المعبر الذي لم تدخل المساعدات الدولية منه سوى في اليوم السادس من الزلزال ولم تسمح تركيا بالدخول عبره سوى لجثامين السوريين القتلى بفعل الزلزال الذين قضوا في الأراضي التركية.

ظهرت سوريا يتيمة متروكة لآلامها، في منظر يُظهر نفاق الدول في مشارق الأرض ومغاربها وفي شمالها وجنوبها بما فيها الدول العربية، الأمر الذي أظهر لنا أن هناك غابة اسمها العلاقات الدولية حيث هناك كذبة كبرى اسمها “القضايا الإنسانية”، حيث يبدو الاختلاط الكبير بين ماهو إنساني وبين ماهو سياسي.

من جانب السوريين، ظهر المجتمع السوري بأفراده وبنيته الاجتماعية، وخاصة الفقراء ومن بقي من الفئات الوسطى، بأنه مازال يحتفظ بتقليد التكافل الاجتماعي، وكانت هناك مبادرات من أفراد كثيرين في الإغاثة ورفع الأنقاض وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض وفي الإيواء والإطعام ومختلف أشكال المساعدات سيفتخر بها السوريون في مقبل الأيام.

من جانب الطيف السياسي السوري عند السلطة وأطراف المعارضة السورية السياسية والمسلحة والتي هي داخل الحدود أو خارجها، لم يكن هناك ارتفاع إلى مستوى محنة 6شباط/فبراير 2023 السورية، من حيث ضرورة تناسي آلام الماضي وجراحاته وأحقاده حتى ولو مؤقتاً، على الأقل لتشكيل ضغط سوري جماعي على “المجتمع الدولي”من أجل مساعدة سوريا التي جرحت في السادس من شباط جرحاً جديداً أتى الآن من الطبيعة بعد أن كانت مجروحة بفعل تقاتل أبنائها وصراعاتهم ومن ثم استغلال الخارج لهذا التقاتل السوري- السوري لمصالحه عبر صب الزيت على النار السورية التي اشتعلت داخلياً في عام2011 بفعل عوامل داخلية متراكمة.

وقد رأينا في مجتمعات عديدة،آخرها لبنان الذي كان به دم كثير بالآلاف بين عامي1975 و1990 ومن ثم أزمات وصراعات واحتقانات داخلية، كيف وقف اللبنانيون صفاً واحداً عقب كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4آب/ أغسطس 2020، وإن كان هنا يجب التسجيل الإيجابي لمبادرتي السلطة السورية والإدارة الذاتية في شمال وشمال شرقي سوريا في إرسال مساعدات إلى منطقة شمال غربي سوريا، والتسجيل السلبي لقوى الأمر الواقع هناك التي لم ترتفع إلى مستوى لحظة المحنة السورية عندما رفضت السماح لتلك القوافل من المساعدات بالدخول إلى هناك، وبعضها مساعدات من الأمم المتحدة أتت من منطقة سيطرة السلطة السورية، ويبدو أن هؤلاء هناك لم ينسوا أو يضعوا جراحات الماضي جانباً حتى ولو مؤقتاً، وبعضهم ربما فكر بالسياسة وليس بالظرف الإنساني لمنطقة كانت يتيمة الكرة الأرضية كلها في لحظة ما بعد السادس من شباط 2023، ولم يفكروا بما فعله معهم بعد الزلزال معلمهم وراعيهم أردوغان عندما كان اهتمامه كله في الأراضي التركية .

في كل الأحوال،كان زلزال 6شباط/فبراير 2023 كاشفاً لمقدار وضع الأزمة السورية في البراد أو الفريزر الدولي، ومقدار كم أن سوريا هي خارج الاهتمام الدولي في ظرف عام مضى من اشتعال النار الأوكرانية، وكاشفاً لوضع سوريا والسوريين بعد اثني عشر عاماً من اشتعال حريق الأزمة السورية، وعن مدى تغير سوريا والسوريين في عام 2023 عن عام 2011، وأيضاً عن تعدد المعايير وليس فقط ازدواجيتها في العلاقات الدولية.