مقدمة
فرضت تركيا سيطرتها على منطقة عفرين بريف حلب الشمالي وسري كانيه (رأس العين) بريف الحسكة في عامي 2018 و2019 باستخدام فصائل مسلحة سورية موالية لها, وتسببت بهجرة مئات الآلاف منها قسراً, ورفعت العلم التركي وفرضت الهوية المكتوبة بلغتها على السكان ودرست لغتها في المدارس والمعاهد على الأراضي السورية, بالإضافة لإجبار السكان على التعامل بالليرة التركية, كما بنت المستوطنات فيها, وشهدت تلك المناطق زيارات من قبل مسؤولين أتراك طوال الأعوام الماضية.
نقطة تحول
الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا بتاريخ 6 شباط/فبراير وبقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر, أصبح نقطة تحول في اهتمام تركيا بالمناطق التي تسيطر عليها, والتي تدعمها في الشمال السوري, فلم تقدم تركيا أي دعم لهم في الأيام الأولى والتي كان بالإمكان أن تساهم بإنقاذ أشخاص عالقين تحت الأنقاض, بالرغم من أن مدن ريف حلب الشمالي وإدلب وأُعلنت كمناطق منكوبة.
أغلقت تركيا معبر باب الهوى الوحيد المفتوح بينها وبين مناطق المعارضة السورية بعد الزلزال, ولم تدخل منه سوى جثامين السوريين الذي قضوا في الزلزال, في حين كان يجب عليها أن ترسل المساعدات الإغاثية والآليات الثقيلة أو معدات لرفع الأنقاض, لكنها لم تولِ الاهتمام لمساعدة الضحايا السوريين في المناطق التي تسيطر عليها وتدعمها, واظهرت للعلن أنها ليست من أولوياتها, واقتصرت عملية البحث والمساعدات في تلك المناطق على الجهود المحلية السورية, حتى اليوم الثالث حيث دخل فريقٌ مصري وآخر إسباني، لكن حينها كان أمل إيجاد ناجين قد بدأ بالتلاشي.
ويذكر أن تركيا أرسلت لاحقاً مساعدات كانت فقط إغاثية وطبية للمناطق المنكوبة في شمال غربي سوريا والتي بلغت حصيلة الضحايا فيها 5.445 شخص بين 2229 شخص متوفٍ و3150 مصاب, كما تدمر أكثر من 500 مبنى بشكل كامل, 2000 بشكل جزئي, بحسب ما سجله قسم الرصد والتوثيق في نورث برس.
لم تكتفِ أنقرة بإغلاق المعبر الوحيد, بل حتى لم تسمح للمساعدات القادمة من مناطق الإدارة الذاتية وحكومة دمشق بالدخول, وذلك بالاستناد على شهادات لشخصيات في الائتلاف السوري والفصائل المسلحة حصلنا عليها من مصادر خاصة ومفتوحة, تؤكد أن حكومة الإنقاذ والائتلاف رفضتا دخول المساعدات لشمال غربي سوريا بتعليمات تركية.
ويذكر أن الإدارة الذاتية كانت قد جهزت قافلة مساعدات من صهاريج محروقات ومساعدات إنسانية في الأيام الأولى من الزلزال, في الوقت الذي كانت عمليات الإنقاذ مستمرة وأعلنت فرق الإنقاذ نفاذ المحروقات في إدلب بسبب توقف استيرادها من تركيا.
في السياق ذاته أعلنت الإدارة الذاتية فتح كافة معابرها أمام كافة المساعدات الإنسانية المرسلة للمناطق المنكوبة, كما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش سماح حكومة دمشق بفتح معبرين إضافيين وهما الراعي وباب السلام بين تركيا ومناطق المعارضة لمدة ثلاثة أشهر من أجل دخول المساعدات.
واجبات تركيا تجاه مناطق سيطرتها
تقع على تركيا “كدولة احتلال” واجبات اتجاه مناطق شمال غربي سوريا من الجوانب الإنسانية والسياسية والعسكرية كونها ذات السيادة فيها, ولها العديد من الالتزامات وفق القانون الدولي الإنساني.
و ينص القانون بأنه “يقع على عاتق دولة الاحتلال واجب ضمان توفير الإمدادات الكافية من الغذاء والإمدادات الطبية ، وكذلك الملبس ، والفراش ، ووسائل المأوى ، والإمدادات الأخرى الضرورية لبقاء السكان المدنيين في الأراضي المحتلة ، والأشياء الضرورية للبقاء على قيد الحياة”, وفق اتفاقيّة جنيف 4 الموادّ 55 ، 58, 30, 143).
لكن تركيا انشغلت بولايتها المتضررة من الزلزال, وسعيها لإنقاذ أكبر قدر من العالقين تحت الأنقاض, بمساعدة آلاف المختصين القادمين إليها من الدول الأخرى, إلى جانب عشرات الآلاف من المختصين الأتراك, في حين كان السوريون في مناطق سيطرتها ينازعون تحت الأنقاض, وفرق الإنقاذ السورية تناشد لإرسال آليات وفرق أخرى لمساعدتها.
ساهمت تركيا بأفعالها وعدم قيامها بواجباتها كونها القوة المسيطرة في مناطق شمال غربي سوريا، في خلق أزمة إنسانية قد تمتد آثارها لعقود, تسببت بوفاة أشخاص بطرقٍ غير مباشرة, وقد تكون انتهكت القانون الدولي الإنساني, لعدم قيامها بواجباتها والتزاماتها الإنسانية والسياسية تجاه مناطق سيطرتها.