أسبوع من الزلزال.. الأزمة الإنسانية في سوريا تتحول لكارثة

المقدمة

أصيب عشرات الآلاف من سكان سوريا ونزح أكثر من 5 ملايين شخص, وتدمرت آلاف المنازل, وأعلنت 4 مدن كبيرة في البلاد كمناطق منكوبة وهي حلب وحماة واللاذقية وإدلب, جراء الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا يوم الاثنين 6 شباط/فبراير في تمام الساعة 4:17, وبلغت قوته 7.7 درجة على مقياس ريختر, مع استمرار حدوث الهزات الارتدادية حتى اليوم.

 تأثرت حقوق المواطنين العامة من سكن ومأوى وغذاء وأمن, كما لحق الضرر بجميع فئات المجتمع من الزلزال, وأكثر المتضررين كانوا الأطفال, النساء, ذوي الاحتياجات الخاصة, مئات الآلاف من المعتقلين.

وتضررت البنية التحتية في المناطق المنكوبة بشكل كبير, لتضاف إلى الأضرار التي كانت قد حدثت بفعل الحرب المستمرة منذ 12 سنة.

في سوريا يوجد 6,7مليون نازح داخلي وأكثر من 80% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر, كما أنها تعاني من الأزمات على كافة الأصعدة, وساهم الزلزال بتفاقم الوضع الإنساني حتى بدأت نتائجه الكارثية بالظهور منذ الأسبوع الأول.

إحصائيات

سجل قسم الرصد والتوثيق في نورث برس، بالاعتماد على معلومات حصل عليها من شبكة مصادر ميدانية في مختلف المناطق السورية، وفاة وإصابة 11.021 شخصاً, حيث بلغ عدد الوفيات 3.016 شخصاً والإصابات 7005 شخصاً.

في المناطق المتضررة التابعة لسيطرة حكومة دمشق، بلغ عدد الوفيات 1789 شخصاً والإصابات 3790, بينما في مناطق المعارضة السورية وصل عدد الوفيات لـ 2221 شخصاً والإصابات لـ 3150, وفي مناطق الإدارة الذاتية فقد 6 أشخاص حياتهم وأصيب 65 آخرين و وتعتبر هذه الأعداد شبه نهائية بالنسبة للإصابات على اعتبار أن احتمالات إخراج ناجين باتت مستحيلة بمرور الوقت.

أما بالنسبة للضرر الذي لحق بالأبنية في سوريا من الزلزال وهزاته الارتدادية, وصل عدد المباني والمنازل المنهارة لـ 903, والمتضررة جزئياً لأكثر من 2000, وتعمل السلطات في كافة المناطق على إخلاء المباني المتصدعة, كما تعمل على هدمها, ويمكن للهدم غير المدروس والذي لا تشرف عليه فرق متخصصة أن يلحق الضرر بالمنازل المجاورة والبنية التحتية.

في حين سجلت الجهات الرسمية الحكومية وفاة 1408 أشخاص وإصابة 2341 آخرين، وفي مناطق المعارضة أعلن الدفاع المدني عن وفاة 2167 وإصابة 2950.

انتشال جثث ضحايا الزلزال في عفرين

انتشال جثث ضحايا الزلزال في عفرين

الوضع الإنساني في المناطق المنكوبة

فقد المدنيون في المناطق المنكوبة جراء الزلزال حقوقهم في السكن والمأوى والغذاء, وكان ذلك أشد قسوة على النساء والأطفال خاصتاً, فمعظم الأطفال الذين باتو دون مسكن والذين يقدر عددهم بنصف أعداد النازحين, قد يصبحون عرضة للانتهاكات والاستغلال والاعتداءات الجسدية والجنسية وعمالة الأطفال والتجنيد القسري من قبل الفصائل المسيطرة عليها, بالإضافة إلى حرمانهم من حقهم في التعليم, وكان هذا الأمر منتشراً سابقاً في هذه المناطق التي سيؤول الوضع فيها للأسواء بسبب تضخم عدد النازحين.

 وبالمثل السيدات اللاتي بدأت تظهر لهن تحديات جديدة تجبرهن على تحمل ظروفٍ قاهرة من أجل البقاء أحياء, كما أنهن أيضاً عرضة للاستغلال الجسدي والجنسي والمضايقات المجتمعية والأمراض, بالإضافة إلى أنهن يعشن في مراكز إيواء ومنازل غير آمنة مهددين بانتهاكات خصوصيتهن.

تقول إحدى السيدات في جنديرس بمنطقة عفرين بريف حلب الشمالي لنورث برس, وهي تصف المعاناة التي ألحقها الزلزال بها وبعائلتها ومنطقتها, “ساعدونا من أجل الله أوجدوا لنا حل نحن لا نريد طعام ضعوا لنا خيمة لنأوي إليها تدمر منزلنا وكل جنديرس لم يبق شيء”.

وفي ظل ظروف انتشار الأوبئة والأمراض في سوريا كالكوليرا واللاشمانيا والتهاب الكبد الوبائي, أصبح الناجون من الزلزال عرضة للإصابة بها, بسبب تدمر البنية التحتية ولجوئهم إلى خيم وملاجئ غير آمنة.

لجوء سكان حلب المتضررين من الزلزال إلى الجوامع

الانتهاكات في المناطق المنكوبة

بالرغم من الظروف الكارثية التي تعيشها البلاد وحالة الطوارئ المعلنة, لم تتوفق بعض فصائل المعارضة الموالية لتركيا وعناصر من هيئة تحرير الشام من ارتكاب الانتهاكات بحق المدنيين.

في مدينة جنديرس أقدم عناصر من فصيل السلطان سليمان شاه في الجيش الوطني الموالي لتركيا، على سرقة مساعدات إنسانية مقدمة من إقليم كردستان العراق إليها.

ووثق قسم الرصد والتوثيق، عبر مصادره أن المساعدات الإنسانية التي منع الفصيل المنظمات من توزيعها وأصر على توزيعها بنفسه, سرق قسم كبير منها وتم نقله إلى مستودعات خاصة بهم في قرية كوزلية بناحية شيراوا في عفرين.

وفرض الفصيل ضرائب على قافلة المساعدات المؤلفة من 14 شاحنة، والتي دخلت بعد أربعة أيام من الزلزال، بقيمة 1000 دولار على الشاحنة الواحدة التي دخلت المدينة التي صنفت كأكثر مدينة منكوبة.

وتعتبر المضايقات والأفعال التي تقوم بها الفصائل في هذه المناطق، انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.

فبحسب القانون في ما يخص مبادئ توجيهية الحق في المساعدة الإنسانية, ووفق المبدأين الأول والعاشر  إذ ينصان على أن لكل إنسان الحق في الحصول علي مساعدة إنسانية تضمن له حقه في الحياة والصحة والحماية من أي معاملة وحشية أو مذلة، وغير ذلك من الحقوق الضرورية لبقائه على قيد الحياة ورفاهيته وحمايته في الحالات الملحة.

وأن على كافة السلطات المعنية أن تمنح التسهيلات المطلوبة لضمان تقديم المساعدة الإنسانية، وكذلك بمرور الموظفين المكلفين بإرسالها, بأنه يجوز إرسال المساعدة الإنسانية عند الضرورة وفقاً لخطوط سير يطلق عليها اسم “الممرات الإنسانية” التي يجب علي السلطات المختصة للأطراف المعنية أن تحترمها وتحميها، والتي تخضع عند الضرورة لسلطة الأمم المتحدة.

وفي سياقٍ مختلف وانتهاك آخر, تقوم فصائل المعارضة الموالية لتركيا وعناصر هيئة تحرير الشام, بتدمير المباني والمنازل بشكل عشوائي وتفجيرها بحجة أنها مهددة بالانهيار دون استشارت مختصين أو دراسة الوضع البيئي للمنطقة والأبنية المجاورة التي لاتزال مسكونة ودون مراعات قواعد حفظ سلامة وأمن المدنيين وحقوقهم في السكن, ودون أخذ موافقة صاحب المنزل.

استطاع القسم من توثيق 13 محلاً و5 مبانٍ تم هدمها بشكل عشوائي غير مدروس, ويعتبر هدم منازل المدنيين من الجرائم الدولية التي يجب أن تحاسب عليها الجهات المفتعلة, كونها تتسبب بتشريد عشرات العائلات من دون حق.

ويعتبر تدمير المنازل بشكل عشوائي وغير مدروس انتهاكاً لحقوق المدنيين في السكن اللائق, كما أنه يعتبر تشريداً قسرياً, وهو انتهاك بحسب القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966.

قال أحد سكان مدينة جنديرس لنورث برس, ان منزله ومحله التجاري لم يتضررا قط من الزلزال واضطر للخروج من المنزل, وعند عودته وجد أنه تم تفجيرهما دون سابق إنذار.

آثار ضرر الزلزال على أحد الأبنية في جنديرس

آثار ضرر الزلزال على أحد الأبنية في جنديرس

التدخلات الدولية

شهدت سوريا العديد من التدخلات والقرارات الدولية بعد كارثة الزلزال الذي ضرب البلاد وتسبب بتحرك العديد من الدول وتغير المواقف والقرارات اتجاهها بهدف تقديم المساعدة الإنسانية للمتضررين من الزلزال.

أزيلت العقوبات المفروضة على سوريا بشكل جزئي وعلى نطاق مخصص, وجاء ذلك في بيان للخزانة الأميركية يوم الجمعة 10 من الشهر الجاري, ونص البيان: “ترخيصاً عاماً يسمح لمدة 180 يوما بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات المفروضة على سوريا”.

أما بالنسبة للمساعدات دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في سوريا من أجل ضمان إيصال المساعدات للجميع.

دعا باولو بينيرو، رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا أيضاً جميع أطراف النزاع في سوريا إلى الالتزام بوقف شامل لإطلاق النار لتمكين العاملين في المجال الإنساني وعمال الإنقاذ من الوصول إلى المحتاجين “دون خوف من الهجمات”, وحثت اللجنة المجتمع الدولي، على “التحرك بسرعة لتقديم المساعدات الإنسانية والدعم، ودعت جميع الأطراف إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية فوراً وبدون قيود إلى كل المناطق المتضررة من الزلزال لتقديم المساعدات المنقذة للحياة”.

 كما دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، إلى “عدم تسييس” المساعدات التي يجب إيصالها إلى السوريين المتضررين من الزلزال. في السياق ذاته خصص صندوق الأمم المتحدة للطوارئ مبلغ 25 مليون دولار إضافي لتعزيز الاستجابة للزلزال في سوريا.

وقدمت عشرات الدول المساعدات الإغاثية والطبية وفرق الإنقاذ لسوريا, ومناطق سيطرة حكومة دمشق على وجه الخصوص ومنذ اليوم الأول, على خلاف مناطق المعارضة السورية التي لم تتلق أي مساعدات حتى اليوم الخامس.

ومن الدول التي قدمت المساعدات لسوريا (جزائر, تونس, مصر, إقليم كردستان العراق والعراق, لبنان, الإمارات والبحرين, سلطنة عمان, ومساعدات الأمم المتحدة).

التوصيات

على الفصائل وهيئة تحرير الشام الكف عن ارتكاب الانتهاكات بحق المدنيين وأملاكهم

 على الفصائل وهيئة تحرير الشام والحكومة المؤقتة وحكومة دمشق السماح بعبور المساعدات للمناطق المنكوبة

ينبغي على مجلس الأمن ووكالات الأمم المتحدة البحث عن طرق أخرى لإيصال هذه المساعدات إلى سوريا التي تحولت الأزمات فيها إلى كارثة بشرية, وإعادة النظر في المعابر المغلقة.

على الجهات المعنية والمنظمات العاملة في المناطق المنكوبة السعي لمساعدة المتضررين وتقديم الدعم المادي والنفسي, وإيجاد حلول لرعاية الأطفال الناجين.

على اللجنة الدولية المستقلة التحقيق في الانتهاكات التي ترتكبها الفصائل بحق المدنيين.

قسم الرصد والتوثيق