هل من فوائد سياسية واقتصادية للمناطق المنكوبة في سوريا؟
دمشق ـ نورث برس
بهدوء وحذر، أعلنت الحكومة السورية في اجتماع طارئ المحافظات الأربع التي تعرضت للزلزال كمناطق منكوبة.
وكان قد سبقه تصريح لرئيس الحكومة ومن ثم وزير الصحة السوريين يشيران فيهما إلى “احتمال” الإعلان عن مناطق معينة بأنها منكوبة دون الإعلان رسمياً عن ذلك بالرغم من أنها منكوبة فعلاً.
معايير دولية
وفي ظرف سياسي واقتصاد يمكن وصفه بـ”المعقد”، وضح المحامي عارف الشعال معنى منطقة منكوبة، وبين أن الإعلان عن منطقة منكوبة هو مصطلح سياسي يتعلق بآلية طلب مساعدات الإغاثة الدولية، وهو يخضع لمعايير دولية تحدّ من صلاحيات السلطات الوطنية في كيفية التصرف بهذه المساعدات.
وبذلك يندرج تحت باب التجاذبات والحسابات السياسية، وهذا ما يفسر تصريح رئيس الوزراء ومن بعده وزير الصحة ((احتمال)) الإعلان عن مناطق معينة بأنها منكوبة دون الإعلان رسمياً عن ذلك بالرغم من أنها منكوبة فعلاً، حسب رأيه.
الكثير من العملة الصعبة
وتأتي هذه الزلزال في ظل قطيعة شبه تامة مع “النظام السياسي في سوريا وعقوبات اقتصادية أثرت على المساعدات الإنسانية التي تصل البلد”، ولكنها بدأت تتحسن مع إعلان الولايات المتحدة عن تعليق مؤقت للعقوبات الأميركية على بند التحويلات المالية لمدة 6 أشهر.
وفي سياق الآثار الاقتصادية لهذا القرار توقع “الشعال” أن يتم رفد الخزينة بكمية “محترمة” من النقد الأجنبي، ووصف هذه الفترة بـ”الذهبية” لتحسن سعر الصرف ومستوى المعيشة والخدمات في الدولة.
وقال إنه إذا لم تلمس الناس فرقاً فهذا يشير إلى “مكامن المشكلة الاقتصادية فيما إذا كانت بالعقوبات أم بالفساد السرطاني وسوء الإدارة”، حسب “الشعال”.
وكان هنالك أصوات علت تطالب بإعلان مناطق الزلزال كمحافظات منكوبة، لأن الأضرار “كبيرة جداً” كما برر بعض أصحاب الفعاليات الاقتصادية مطالباتهم، وأكدوا على ضرورة إيقاف كل أشكال الجباية ومنح ميزات وإعفاءات مالية لسنوات قادمة، ريثما تستعيد المدن المنكوبة عافيتها، ويتمكن سكانها من مساعدة بعضهم، فالضرر عام ولا يقتصر على الأسر التي أصابها الزلزال بشكل مباشر.
وهذا ما وصفه أحد المحللين السياسيين، (لم يرغب بذكر اسمه)، لنورث برس، بأن الإعلان عن أي منطقة منكوبة، يعني أن هنالك تبعات دولية واسعة تخص هذه المنطقة، وبعضها قد لا يكون مفيداً سواء لمحافظة حلب أو اللاذقية.
وأضاف أن هذه الخطوة تعني فتح الحدود لكل دول العالم بدون قيود وشروط بحجة دخول المساعدات الإنسانية، وهنالك الكثير من القوى والحكومات تنتظر من الدولة السورية ذلك في هذه المرحلة.
وأضاف المغترب المتابع للشأن السياسي السوري، علي محمود، لنورث برس، أن تدخل الأمم المتحدة له وظائف أخرى منها الإشراف على الانتخابات في دول أصيبت بكارثة نجم عنها عدم الاستقرار السياسي، وحدوث تدخل أممي يعني احتمال امتداد مهمة الأمم المتحدة إلى فترة استحقاق الانتخابات وإشرافها على جزء كبير من الجغرافية والسكان.
في حين خالفه الرأي عضو غرفة صناعة في حلب، وأشار إلى أن المطالبات بإعلان حلب منطقة منكوبة تعود لعام 2013، لأنها محافظة متضررة ومنكوبة، والدولة بحاجة إلى مساعدة وكسر الحصار، ويمكن للدولة تطبيق القوانين الاستثنائية دون أي إعلان، وأنه يمكن فتح الحدود وضبطها بنفس الوقت، بحيث يتم الاستفادة من هذه المساعدات، وقرار رفع العقوبات الجزئي هو “فرصة ذهبية للأصدقاء والأشقاء للمساهمة بإعادة إعمار المناطق المتضررة خلال هذه الفترة”.
سياسياً
أما على الصعيد السياسي، قال إعلامي سوري مختص بالشأن السياسي، لنورث برس، إن الخطوة يمكن أن تشكل نوعاً من “فك العزلة نسبياً”، حيث أصبحت الدول تتعاطى مع “النظام” كممثل شرعي للبلد، ولكن لن يكون لها التأثير الكبير، ولن نلمس آثاره بأيام قريبة.
وأضاف الإعلامي، أن للدول الأخرى “مصلحة” أيضاً بتقديم المساعدات الإنسانية لشعب منكوب من أجل كسب رأي عام. فالمصالح والعلاقات بين الدول ليست مرتبطة بكوارث طبيعية “حتى لو تعاملوا مع النظام فهذا أمر طارئ”.
وبين الإعلامي أنه لكي يكون التعامل حقيقي فهذا يستدعي “تنازلات من النظام”، ومن يرفض المساعدات يرفضها كمشروطة، وإذا لم تقدم الدولة المنكوبة تنازلات وهو الأرجح والمتوقع، “ستكون المساعدات على الصعيد السياسي طارئة وآنية ومحددة بأهداف دقيقة وليس لها أي تأثير استراتيجي”.
وأشار إلى أن القوى الأساسية المتحكمة بالقرار في سوريا مصالحها شبه منجزة في البلاد سواء كانت روسيا أو إيران أو الولايات المتحدة وتركيا، فمصالح هذه الدول شبه مؤكدة وثابتة، ولذلك “الدول الأخرى التي تريد تنازلات من النظام تدرك أن مفاوضاتها ليست مع النظام نفسه بل مع القوى المتحكمة على الأرض لأن النظام أحد الأطراف وليس الوحيد”.
عضو مجلس الشعب بين أنه يحق لرئيس الدولة، التي تعاني منطقة من مناطق بلاده، المطالبة بتطبيق المادة (99) من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تفرض على الأمين العام للأمم المتحدة أن يقوم بتنبيه مجلس الأمن الدولي إلى الكارثة التي تتعرض لها جهة أو منطقة في هذا البلد أو ذاك بسبب الحرب أو كارثة طبيعية، واعتبارها منطقة منكوبة، وطرح المسألة على مجلس الأمن الدولي في حالة وصولها لمرحلة تهدد السلم والأمن الدولي لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لإغاثة المتضررين.
وأنه وفقاً للقانون الدولي لا تعتبر المنطقة منكوبة إلا إذا أوقفت الكارثة التي أصابتها عجلة الحياة الطبيعية فيها، وتسببت في أضرار فادحة في الأرواح والبنى التحتية، وأصبح من الصعب على الدولة مد الناس بأساسيات الحياة وضرورات العيش، كماء الشرب والغذاء والكهرباء والأمن.
يتعاملون مع الكوارث
وبين المحامي “الشعال” أنه بالرغم من تصدي قانوني التعبئة العامة والدفاع المدني لحالة الكوارث العامة، لكنهما يتسمان بطابع عسكري يتعلق بآلية عمل الجيش كالاستيلاء المؤقت على الممتلكات الخاصة، وإنشاء الملاجئ والتحصينات.
ورأى أن التشريع المناسب لتطبيقه على المناطق المنكوبة بكارثة الزلزال هو إعلان حالة الطوارئ (51 لعام 1962) وفرض الأحكام العرفية فيها، لأنه يمنح السلطة التنفيذية مرونة فائقة بالتعامل مع الكارثة وقسر الناس على الاستجابة لمتطلبات معالجة الكارثة والاستيلاء المؤقت على الممتلكات دون الحاجة لإذن القضاء.
ولكنه استبعد من الناحية العملية أن تعلن السلطة حالة الطوارئ، ولو مؤقتاً في منطقة ما بسبب الإحراج السياسي والحاجز النفسي الذي سببته حالة الطوارئ المديدة التي استمرت نصف قرن منذ 8 آذار/ مارس 1963 وانتهت في نيسان/ أبريل 2011 عقب اندلاع المظاهرات.