فقدان الثقة بين الحكومة والشعب.. يشيع الريبة عن مصير التبرعات للسوريين

دمشق ـ نورث برس

ردود أفعال السوريين حول ما يقال عن سرقة المساعدات الإنسانية للمنكوبين في سوريا، جاءت حادة ومستنكرة، بصرف النظر عن قيمة ما يتم سرقته، فذلك الفعل حسب كثير من السوريين، يرقى إلى “الجريمة الكبرى” إذ أنها سرقة ليست ككل السرقات فهي تحدث في أشد اللحظات إنسانية.

يعتب السوريون على العالم كله الذي يجدون أنه تمنّع عن تقديم أبسط الخدمات للشعب المنكوب بما في ذلك البلدان العربية، وانتشرت صور تظهر ازدحام حركة الطيران المتجه نحو تركيا، بينما الأجواء السورية خاوية إلا من أصوات بعضٍ من الطائرات التي تحط في المطارات السورية.

وإذا كان للدول اعتباراتها السياسية لتقديم المساعدات للشعب المنكوب، يخشى البعض في سوريا من عدم وصول تبرعاتهم إلى المحتاجين، وانتشرت الكثير من الأخبار التي تتحدث عن إقدام بعض الجهات التي تصلها المساعدات على احتكارها، أو توزيعها لغير مستحقيها من الأقارب والمعارف.

بلا هوادة

وظهر ما يشبه الحملة ضد أي أشخاص يستغلون المساعدات، حيث أكدت إحدى المذيعات لنورث برس، أنها أبدت استعدادها لتبليغ الجهات العليا عن كل من يثبت إقدامه على احتكار أو استغلال المواد التي يجب أن تصل للمهجرين، ونشرت أرقاماً، يمكن لأي شخص أن يتواصل معها ويخبرها عن أي شكوى.

ودعا البعض إلى نشر أسماء من يقومون بأفعال من هذا النوع ضمن قائمة “العار”، ومن بينها شخصيات دينية في حلب ومختار قرية تتبع لمحافظة اللاذقية تسمى قرية اسطامو التي نكبها الزلزال، حيث وجهت إليه تهم سرقة المساعدات، وعقب وزير التجارة الداخلية عمرو سالم، بأنه “تم إعفاءه من هذه المهمة”.

بأم العين

وفي رواية لأحد الأشخاص الموجودين في جبلة، بيّن لنورث برس، أنه رأى بأم عينه “كيف تم سرقة المواد التي أوصلها الهلال الأحمر إلى ملعب جبلة، بعدما ذهب طاقم الهلال”.

إذ أعادوا تحميل تلك المواد بسيارات إلى جهات أخرى ولم توزع عليهم رغم أنه تم تصويرها إلى جانب المحتاجين.

وبعد برهة أعادوا إحضار مواد من نوعيات مختلفة منها بطانيات معونة مهترئة، وربطة خبز و4 بيضات لكل عائلة، بحسب المصدر.

وعند تواصل نورث برس، مع إحدى الأسر الناجية في جبلة، للاستفسار عما وصلهم من مساعدات، أكدت العائلة أنه “لم يصلهم أي شيء”، وتوقعت أن السبب قد يعود “لوجودها في بيت ابنها وليس في الأماكن العامة التي نزح إليها المتضررون”.

وفي شريط مصور تحدث شخص يدعى معين علي، باستياء شديد، عن طريقة التعامل مع السيارات المحملة بمواد إغاثية، والطلب منهم بإحضار بيانات من جهات أمنية، بينما يجب تسهيل عملهم للوصول إلى المحتاجين.

وأشار “علي” في حديثه إلى أن الغاية من هذا الإجراء هو “السرقة”. وقال إن “الناس لا تثق بالجهات المعنية لتسليمها المساعدات، بينما تثق بالجمعيات الأهلية لإيصالها”، وفي الأخبار المتداولة أنه تم إطلاق سراحه بعد توقيفه.

خطة إغاثية

في حين طالب جواد السعيد من الناشطين في المجتمع المدني، الجهات الرسمية “بشرح وتوضيح خطة الدولة الإغاثية وكيفية تطبيقها، وأن تطرح أسماء لها مصداقية عند الناس، بسبب أزمة الثقة بين عامة الناس والحكومة، وأن يكون هؤلاء الأشخاص ناطقين باسم اللجنة العليا للإغاثة التي شكلتها الحكومة”.

وأضاف: “على هؤلاء أن يضعوا الناس بشكل مستمر بالخطوات التي قاموا بها، والإجابة عن أسئلة الناس وشكاويهم بشكل موثق”.

وبين “السعيد” لنورث برس، أن “الناس لا تثق بكلام المسؤولين، ومن يعتقد غير ذلك فهو مخطئ، وإلا لماذا يتهم الناس البعض بالسرقة، ويتساءل آخرون أين ذهبت الأموال التي تبرعوا بها؟”.

ودعا إلى إشراك المجتمع الأهلي في إدارة العملية، لأن هنالك كثيرون يمتلكون ثقة الناس، وجاهزون لمخاطبتهم إذا توفرت لديهم معطيات حقيقية.

حملة مضادة

في حين كان هنالك من اعترض على انتشار أخبار عن سرقة المساعدات، بينما هنالك أناس ما زالوا تحت الأنقاض، وأنه إذا كان هنالك حالات فردية فهذا لا يعني أن التبرعات لا تصل إلى أصحابها، وانتقدت إعلامية محلية المساهمة في ترويج هذا النوع من الأخبار، لأنها تؤثر على مشاركة الكثيرين في التبرع لأناس هم بأمس الحاجة للخدمة.

ودليلها، أن هنالك حالات تستحق التقدير كـ”الرجل الإغاثي الذي سلم الأموال والمصاغ الذهبي الذي عثر عليه إلى الشرطة، وذاك الذي يقبع على حاجر وتبرع بكيلو رز هو كل ما يملكه في بيته، أوصله مع السيارات التي تحمل المساعدات للمناطق المنكوبة، وأن وجود حالات قليلة لا يستحق كل هذه الحملة”، حسب قولها لنورث برس.

بينما طالبت جهات أخرى بتنظيم عملية التبرعات من خلال توحيد الجهة التي تستقبلها في كل مكان، ووضع خط هاتف وآلية منظمة ومرجعية تتابع وتحاسب، ولكي لا تكون تصريحات التبرع من قبل البعض عبارة عن تصريحات فيسبوكية فقط، بل التأكد من صحة التبرع، والجهة التي تلقت التبرعات.

وكانت العديد من الجهات المحلية والمحافظات قدمت تبرعات للإغاثة، كتبرعات أبناء محافظة درعا التي بلغت نحو5 مليارات ليرة، وكذلك محافظة ريف دمشق بنحو 4 مليارات ونصف المليار، إضافة إلى تبرعات الفنانين السوريين التي وصلت إلى المليارات أيضاً.

رغم المصاب  الواحد

وكانت وزارة النقل حددت عدد الطائرات التي نقلت مساعدات عربية ودولية حتى الآن، بنحو 40 طائرة، إلى كل من  مطارات (دمشق وحلب واللاذقية)، بينما لم يتجاوز عدد الدول التي قدمت المساعدات لسوريا 14 دولة، في حين وصل عدد الدول التي قدمت المساعدات لتركيا إلى 43 دولة، رغم أن مصاب الشعبين واحد، “ولكن السياسة والمواقف السياسية تعاقب الشعب السوري حتى في الكوارث الطبيعية”، بحسب أحد سكان دمشق.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله