اقتصاد الجولاني القائم على نهب جيوب الفقراء

تجعل كل الأنظمة الديكتاتورية، ومعها نظام تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، من كتلة المال المنهوب الدرع الواقي لحماية سلطاتها، وتوضع كارتيلات المال التي تضرب الأرض شرقاً وغرباً في خدمة الزعيم الأوحد. في عهد حافظ الأسد كان محمد مخلوف (شقيق زوجة الأسد) يدير الكتلة المالية للنظام، وهو من يعقد الصفقات باسم الدولة، وبعيداً عن الدولة، وهو من وضع النفط السوري لمدة أربعين عاماً خارج ميزانية الدولة السورية، حيث كان تُلحظ أموال النفط دون ذكر الأرقام ضمن الميزانية العامة تحت بند “مصاريف قصر جمهوري”، فيما كانت أدنى الزيادات على رواتب موظفي القطاع العام تُعتبر هبة ومكرمة من القائد، فقد كانوا يعتبرون أنفسهم أوصياء وأصحاب كل أموال الدولة، ومع انتقال السلطة بالتوريث لبشار الأسد, أيضاً انتقلت زعامة المال توريثاً لرامي محمد مخلوف، الذي سيطر على معظم الاقتصاد السوري شراكة مع السلطة السياسية لنظام الأسد.

أيضاً في التنظيمات المنتمية “للقاعدة” هناك تزاوج بين السلطة ورأس المال؛ فمتزعم هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني عمل على تشكيل مافيات مال تتبع له مباشرة، رغم وجود مؤسسات وأجهزة ظاهرية مثل حكومة إنقاذ وهيئة معابر وهيئة حدود وهيئة الأمر بالمعروف وغيرها. الغاية من تلك المؤسسات هو أن تبقى جزءاً من عملية منظمة لجباية وسرقة أموال الناس لصالح متزعم التنظيم، إذ إن سلطات الجولاني إنما هي مستمدة من سلطاته وقدراته المادية،  ولأجل تأمين تلك السلطة المافيوية لابد من الدخول في الدورة الاقتصادية للمنطقة والتحكم بمواردها وإخضاع كل رأس المال لنفوذ الجولاني.

سياسية الترهيب والترغيب هي المعتمدة عبر رسائل تكون مغمسة بالدم أحياناً، ويتولّى مهمة توصيلها لرجال الأعمال أو لأصحاب المشاريع أدوات وأمراء الجولاني بغية إخضاعهم للأوامر والتعليمات.

تقديرياً، تنقسم الكتلة المالية في إدلب إلى  90% التي يسيطر عليها الجولاني عبر أدواته، فيما يتبقى 10%  وهي لأصحاب أموال ورجال أعمال تعود ثروتهم إلى ما قبل الثورة، ولا يستطيع الجولاني وكل أدواته تجاوزهم أو السطو عليهم لما لهم من مكانة في بلداتهم وقراهم ومدنهم، بيد أنهم سوف يدفعون “الإتاوات” المفروضة عليهم كأهون الشرين.

ويمكننا من خلال السطور التالية أن نبيّن أبرز استثمارات الجولاني ووسائل دخله وإثراء تنظيمه:

يُعتبر مصطفى قديد، الملقب بأبي عبد الرحمن زربا، الرأس الاقتصادي المدبّر لأموال الجولاني، وهو المتحكّم بكل المعابر، واستيراد المواد الغذائية، وتجارة واستيراد المحروقات، وتجارة السيارات والعقارات، وتجارة اللحوم والدواجن، يساعده بشكل أساسي المدعو “المغيرة بنش”، ولإتمام الخداع والتسويف والتمويه أُنشأت شركات وهمية حصلت على تراخيص من حكومة الإنقاذ، لكنها في الحقيقة تتبع في مجملها لأبي عبد الرحمن زربا ومنه لسيده الجولاني، ويمكن في هذا الصدد التطرّق إلى أبرز تلك الشركات والمشاريع:

-شركة زاجل، شركة تتبع للجولاني وتسيطر على شركات النقل، وتحتكر إدخال المواد الغذائية، ومكاتب التخليص الجمركي، إضافة لتراخيص استيراد وإدخال السيارات الأوروبية.

– شركة اليمامة، يديرها رئيس مجلس مدينة إدلب، خير الدين عيسى، ويحتكر تجارة اللحوم والدواجن، رغم أنه تاجر سابق منذ ما قبل الأزمة ومن أصحاب الأموال، لكن في إمارة الجولاني لابد أن يخضع الجميع بما فيهم أصحاب الأموال لزعامة الجولاني.

-شركة نماء، تسيطر على قطاع المحروقات بإشراف أبو عبد الرحمن زربا، وتم إنشاء الشركة بعد افتضاح شركات “طيبة، ووتد، وخيرات الشام”، وكلها شركات تتبع للجولاني أيضاً. وتعمل شركة نماء بالتنسيق مع محمود خليفة “الأخطبوط”، الذي يعتبر المسؤول الأهم عن كل عمليات استيراد المحروقات داخلياً، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بمخابرات الأسد، ويتجوّل دائماً ما بين تركيا وإدلب، والمناطق السورية.

-مؤسسة “نقد”، وتختص بالعقارات والمقاولات والإنشاءات، وتعمل بميزانية تصل لـ 15 مليون دولار، وهناك شركات تعمل معها بالتوازي مثل شركة “الراقي للمقاولات والتعهدات” التي يديرها أبو إبراهيم سلامة من عندان.

-قصور وفيلات سرمدا والدانا، التي بنيت لإٍرضاء طبقة الأمراء وجباة الأموال والقيادات الأمنية والعسكرية في هيئة تحرير الشام، لابد من تمييزهم ومنحهم الاستثناءات برواتبهم المفتوحة وقصورهم وحتى نسائهم.

-المولات والأسواق التجارية، عمد الجولاني لافتتاح أكثر من مجمّع تجاري، وبما لا يتناسب مطلقاً مع الحالة المادية لأهل إدلب، وتقدر قيمتها بملايين الدولارات، وتتحكّم بمعظم المولات الموجودة في إدلب مافيا يقودها “أبو ماريا القحطاني” و”أبو أحمد زكور” ومظهر الويس، وحذيفة البدوي “أبو حفص بنش”، وهناك سوق مدينة الدانا التجاري للتجارة والألبسة الذي يضم 150 محلاً تجارياً تعود ملكيتها للجولاني، لكنها تُدار من قبل أبو إبراهيم سلامة وثلة منتفعين.

إضافة إلى مكاتب سيارات، خدمات أمنية لأصحاب الأموال (حراسة ومرافقة مأجورة)، مطاعم، شبكات الاتصالات، مزارع.

وتضاف للسرقات والنهب، عملية تخريب الطبيعة عبر الكسّارات وتجارة البحص والرمل، التي خرّبت جبال حارم ودير حسان، ويسيطر على تلك التجارة كلاً من أبو ماريا القحطاني، الفتى المدلل للجولاني وكاتم أسراره، إضافة لأبو أحمد حدود.

-معبر باب الهوى، وهو مصدر يدرُّ أموالاً هائلة على الجولاني، إضافة لسرقة نسب كبيرة من الإغاثة الأممية التي تدخل للشمال السوري عبر قوافل الأمم المتحدة، باعتبار أنه المعبر الوحيد المقرر من مجلس الأمن، وبإرادة روسية، ويبدو أن الخدمات المتبادلة بين الجولاني والروس دفعتهم لتأمين هذا التمويل لـ”الجولاني”، رغم أن وزير الخارجية الروسي “لافروف” لا يتوقف ليل نهار عن مطالبة تركيا بالتخلص من الجولاني وأدواته، وتقدر الأموال التي يجنيها الجولاني من معبر باب الهوى  15_20 مليون دولار سنوياً، يضاف لهذا المبلغ مليون دولار من احتكار تجارة السكر، و2 مليون دولار من تجارة اللحوم والدواجن، و2.4 مليون دولار من تجارة الموز، و3.6 مليون دولار من احتكار تجارة مواد البناء. ويضاف لكل تلك المبالغ عشرات ملايين الدولارات من خلال تسهيل تحرير الشام لتجارة المخدرات، ومن خلال المصدر الأكبر للمال الذي يتأتى من تجارة تهريب البشر، التهريب من مناطق النظام للشمال السوري ومن الشمال للداخل التركي عبر مافيات تصب معظم أموالها في خزينة الجولاني.

ومؤخراً بات “الجولاني” يعرض السلاح الثقيل للبيع، تحضيراً لمرحلة المصالحة مع الأسد التي تحتاج أسلحة فردية فقط مع قليل من الأسلحة المتوسطة على غرار اللواء الثامن لأحمد العودة في الجنوب.

أما حكومة الإنقاذ فـتناط بها مهمة تفريغ جيوب المواطنين من المال بأي شكل ووسيلة، حتى لو اضطرت لاختراع قوانين ما أنزل الله بها من سلطان، عبر جمع الضرائب والمكوس والصدقات والزكاة والمخالفات والجمارك.

ولتأمين عمل مافياته اللصوصية عمد الجولاني لإيجاد نوع من التحصين لإمارته في إدلب، حيث أصبح المواطن بحاجة للوحة سيارة في إدلب ولوحة في مناطق عفرين ومحيطها، وهناك مواد يُمنع نقلها من الشمال لإدلب لأنها تُضر بتجارة الجولاني.

أما المنظمات الإغاثية الأممية والخاصة فقد توقف معظمها عن العمل نتيجة فرض الجولاني عليها تسليمه ما بين 30 إلى 40% من المواد قسراً، لينتهي بها المطاف في مستودعاته، رغم أن بقية النسب يتقاسمها المقربون من الجولاني من مجالس محلية وأمراء ومن لف لفهم، وكان آخرها توقف منظمة “الأيادي الخضراء” الأميركية، التي تقوم بتوزيع مادة الفحم على النازحين والمهجرين في فصل الشتاء للتدفئة، لكنها أوقفت عملها وغادرت بعد إصرار الجولاني على سلب 30% من المخصصات التي توزعها للناس.

بطبيعة الحال، يقوم اقتصاد الجولاني ما عُلم منه وما خفي، على نهب جيوب الفقراء، وباتباع كل السبل؛ فالغاية عند متزعم الهيئة تبرّر كل الوسائل.