عمالة الأطفال في منبج.. ظروف اجتماعية واقتصادية تحوّل وجهتهم من المدارس إلى المهن والأسواق
منبج – صدام الحسن – نورث برس
تُعد ظاهرة عمالة الأطفال إحدى الظواهر المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوضع الاقتصادي داخل أي مجتمع، كذلك بدرجة تطوّر وثقافة المجتمع، وعلى الرغم من وجود التشريعات والقوانين التي وضعت للحدّ من عمالة الاطفال، إلّا أن الواقع يُظهر تزايد وتيرة هذه الظاهرة.
وحال الأطفال كغيرهم من فئات المجتمع السوري عانو من الحرب والويلات التي نتجت عنها، إذ كان الأطفال الفئة الأكثر تضرراً من كافة الجوانب، فمنهم من فقدوا حياتهم أو أصيبوا بعاهات دائمة، ومنهم الذين فقدوا حقوقهم الأساسية، وبالتالي فقدوا مستقبلهم جراء الحرب.
وبدل التوجّه إلى المدارس لكسب العلم توجه الأطفال مجبرين للأسواق، للعمل وكسب الرزق، بهدف المساهمة في مصاريف أسرهم في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، بغض النظر عن درجة سهولة أو صعوبة العمل الذي يمارسه الطفل، ومستوى تناسبه مع بنيته الجسدية.
مدينة منبج، كغيرها من المدن السورية، يُجبر فيها الأطفال في ظل الظروف الأسرية الصعبة، على ترك المدارس والتوجّه نحو المطاعم والمقاهي وأسواق الخضار ومحال الحدادة وورش الميكانيك سعياً للعمل.
إلزام الأهل للطفل
يعمل الطفل وليد العثمان من أبناء مدينة منبج في العقد الأول من عمره، في مهنة إصلاح السيارات، من أجل إعالة أهله بالمصروف اليومي، في ظل الغلاء الذي يعاني منه سكان المدينة، في حين يحمل العثمان على عاتقه الكثير من المسؤولية كونه يتيم الأب، حسب قوله.
ويشير قائلاً لـ"نورث برس" بأنه يتقاضى مبلغ /8000/ ليرة سورية؛ أي ما يعادل /10/ دولارات أمريكية، لقاء عمله كل أسبوع، متمنياً خلال حديثه، لو استطاع إكمال دراسته.
ولا يختلف حال الطفل محمد العلي من أهالي منبج عن حال وليد، حيث يعمل ميكانيكياً للسيارات، منذ قرابة العامين بغية إتقان هذه المهنة، حسب قوله.
وشدد على أن أهله هم من ألزموه بتعلّم هذه المهنة، وترك المدرسة، لأن تعلّمه لمهنة الميكانيكي، ستدرُّ الفائدة عليه وعلى المجتمع، على حد تعبيره.
والطفل ليث العلي (10 أعوام) وهو أحد النازحين من بلدة دير حافر بجنوبي مدينة منبج شرقي حلب، يعمل في مهنة بيع الأسماك، أكد أنه يعمل في هذه المهنة لمساعدة أبيه، كونه الابن الأكبر للعائلة.
وضع حد لشقاء الأطفال
ناصر الحسين هو أحد أصحاب بسطات بيع الأسماك في مدينة منبج يقول إنه يُشغّل لديه العديد من الأطفال صغار السن، ممن لا تتجاوز أعمارهم /10/ سنوات.
وبيَّن الحسين أن هذا العمل فيه شقاء وعناء على الأطفال، الذين يعملون لإعالة أُسرهم، كما طالب في نهاية حديثه الجهات المختصة "بوضع حدٍّ لهذه الظاهرة وإرجاع الأطفال إلى المدراس، من أجل ضمان مستقبلهم التعليمي".
من جهتها أرجعت الإدارية في لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل عبير البرهو، عمالة الأطفال إلى "الفقر مما يضطر بسببه الأطفال للعمل لتأمين قوت يومهم، والسبب الثاني هو اليتم الذي يجبر الطفل على تحمل مسؤوليات الاسرة"، كما أن السبب الأخير على حدّ قولها يتعلق بمستوى الوعي لدى الأهالي الذين يوجّهون أطفالهم للعمل بدل التعليم.
وفي ذات السياق، أكدّ سهيل والي الرئيس المشارك للجنة التربية والتعليم في مدينة منبج، أن لجنة التربية تعمل مع المتابعين التربويين من أجل إجراء مسح ميداني لمعرفة أعداد الطلاب المتسربين من المدارس من أجل العمل.
كما أوضح بأنهم سيقومون بالتنسيق مع محكمة العدالة الاجتماعية لمنع هذه الظاهرة من الانتشار، كونها تشكل تهديداً كبيراً للتعليم.
وعلى الرغم من مدى قسوة الظاهرة، وتزايد أعداد الأطفال المتضررين منها، إلّا أنه لا توجد حتى الآن أي إحصائيات دقيقة عن أعداد الأطفال العاملين في مدينة منبج، وسط عدم التزام الباعة بقوانين عدم تشغيل القاصرين، وعدم اتخاذ أية إجراءات بحق المخالفين.
إحصاءات دولية ومحلية
وبحسب تقارير سابقة للأمم المتحدة فإن نحو /168/ مليون طفل حول العالم أعمارهم بين /10 – 18/ سنة يعملون، ويشارك /85/ مليون منهم في أعمال خطرة، النسبة الأكبر من هؤلاء الأطفال في مناطق تشهد نزاعات مسلحة أو اضطرابات.
في حين قدرت نسبة الأطفال السوريين العاملين بـ/20%/ من إجمالي نسبة العاملين، مقارنة بـ/10%/ قبل "الثورة السورية"، مما يعني أن عدد الأطفال الذين دخلوا سوق العمل، تضاعف في ظل الحرب الطاحنة التي تدور رحاها بين أطراف متنازعة كثيرة في سوريا.