“المواقف السياسية” تحدد مدى التعاطف مع الشعب السوري المنكوب

دمشق ـ نورث برس

في اتجاه مغاير لمعظم الأحداث الكبرى التي شهدتها سوريا طيلة سنوات أزمتها، بدت الكارثة التي عايشها السوريون وهم يتابعون ما أسفر عنه الزلزال، وكأنها توحدهم مجدداً، كاد التوظيف السياسي، والاصطفاف السياسي أو الطائفي، يتنحى أمام طغيان الجانب الإنساني في تلك الكارثة، إلا أنه لم يغب أبداً.

على مواقع التواصل الاجتماعي، كتب البعض أن عشر سنوات من الحرب ومعايشة المآسي بشكل يومي، كادت تدفع إلى اللامبالاة أمام أي كارثة جديدة، لكن حجم ما جرى أثبت العكس.

وعبّر كثيرون عن التعاطف مع الضحايا، وعبر خارطة البلاد كلها، دون تمييز بين موال أو معارض، بين من يعيش ضمن مناطق سيطرة الحكومة، أو بين من هم خارجها، فالموت واحد، والمأساة واحدة، والضحايا في كل مكان متشابهون في كل شيء.

كما كتب البعض، متشابهون في الصراخ، والاستغاثة، والعيش في بيوت لم تكن أصلاً مهيأة لتحتمل زلزالاً كذاك.

مواقف الدول

وفي تعقيبه على فكرة الاستثمار السياسي لحدث إنساني، قال إعلامي مختص في الشأن السياسي لنورث برس، إن كل أحداث العالم يتم استثمارها سياسياً، لكن في هذا الحدث الجانب الإنساني هو الذي يطغى، بينما الموقف السياسي نراه في مواقف الدول.

وأضاف: “فعلى الصعيد المحلي، سواء بين الأفراد أو الأحزاب كان هنالك نوع من وحدة الموقف أمام الكارثة، أما على صعيد العلاقات بين الدول، فقد كانت الدول الحليفة لسوريا كإيران وروسيا أول المبادرين إلى إبداء المساعدة”.

وكذلك كانت الجزائر التي تعد علاقاتها بسوريا من أوثق العلاقات العربية العربية، وقد بذلت الجزائر جهوداً كبيرة، لإعادة إدماج سوريا في جامعة الدول العربية وهي مساعٍ لم تفلح.

الحكومة السورية حاولت أن تظهر الدعم الذي تحظى به على المستوى العربي أو حتى العالمي، وذلك عن طريق الاهتمام بأخبار التعاطف التي لم يتعد بعضها الجانب الإعلامي البحت، وذلك لإظهار أن تلك المواقف ليست مجرد تعاطف مع الضحايا بل هي أيضاً مواقف داعمة لحكومة دمشق.

تعاطف ومساعدة

على الصعيد الدولي، بدأت برقيات التعاطف وإبداء الاستعداد للمساعدة، وكان من الطبيعي أن تكون إيران وروسيا أول المبادرين لتقديم التعازي، وإبداء التعاطف، وعرض تقديم المساعدات لسوريا، ثم الإمارات، ومصر، وسلطنة عمان، والعراق، والجزائر، ولبنان، والبحرين، والأردن.

ومن بين ردود الأفعال الغربية كان لافتا الموقف الفرنسي، إذ بادرت باريس إلى إعلان تعاطفها، واستعدادها للمساعدة.

وعلى الصعيد العربي، كان لافتا أن السعودية بادرت أيضاً إلى إبداء الأسف، والتعاطف مع الضحايا، إلا أن بيان الخارجية السعودية الذي قال إن “المملكة تتابع عن كثب مجريات الأحداث المؤسفة في الجمهورية العربية السورية”، لم يتضمن عرض تقديم مساعدات، واكتفت بالإعراب “عن تضامن المملكة ومواساتها وتعازيها للأشقاء في سوريا، وتمنياتها للمصابين بالشفاء العاجل”. حسب البيان.

وفي اليوم التالي أعلنت السعودية عن فتح جسر جوي وتقديم مساعدات متنوعة وتنظيم حملة شعبية لنقل المساعدات إلى كل من تركيا وسوريا.

رفع الحصار

وكان كثير من السوريين تناقلوا صورة لحركة الطيران في المنطقة، تظهر فيه أجواء سوريا خالية من أي طائرة، بينما تزدحم السماء بالطائرات المتجهة إلى تركيا.

أصوات كثير من السوريين تعالت مطالبة برفع الحصار، لتمكين المغتربين الراغبين بمساعدة بلدهم من فعل ذلك، وهو موقف قرأ فيه بعض المعارضين نوعاً من “الاستثمار السياسي” إذ قالوا إن “النظام في سوريا يستثمر ذلك الحدث لكسر عزلته السياسية من جهة، ولتوجيه الأنظار نحو قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية التي أقرتها الولايات المتحدة ودول غربية على سوريا”.

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وخلال اجتماعه مع ممثلي منظمات الأمم المتحدة ومكاتبها في سوريا والمنظمات غير الحكومية، قال إن آثار “العقوبات أحادية الجانب” تزيد من تداعيات الكارثة الطبيعية.

بينما وجه رئيس منظمة الهلال الأحمر السوري، خالد حبوباتي، مناشدة للاتحاد الأوروبي أيضاً كي يرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وتحدث عن أثر العقوبات على الوضع الإنساني، وعلى نقص المحروقات والوقود.

إسرائيل على خط الأزمة

وسط ردود الأفعال الإنسانية التي اكتسى بعضها طابعاً سياسياً واضحاً، كان ثمة تصريح لافت لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي أعلن موافقة حكومته على إرسال مساعدة إلى سوريا، وقال إن ذلك يأتي رداً على طلب سوري لتلك المساعدة، “عبر قنوات دبلوماسية”، لم يتحدث عن تفاصيلها.

نتنياهو قال أمام نواب حزب “الليكود” إن حكومته “تلقت طلباً عبر مصدر دبلوماسي لتقديم مساعدة إنسانية لسوريا”، وأضاف: “لقد وافقت على ذلك”. وأن “المساعدة سترسل قريباً”.

ليست دولة

النفي السوري لم يتأخر، لكنه جاء عبر صحيفة “الوطن” شبه الرسمية التي نقلت عن “مصدر رسمي” نفيه لما أعلنه نتنياهو، وقال إن “كل ما ينشر في وسائل إعلام العدو لا يتعدى سوى حملة دعائية لرئيس وزرائه”.

وتساءل: “كيف لسوريا أن تطلب المساعدة من كيان قتل وشارك في قتل السوريين طوال العقود والسنوات الماضية”.

ولاحقاً، أعاد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، نفي تلك المعلومة، وقال في تصريح لقناة “الميادين” إن دمشق “لا تعتبر إسرائيل دولة.. نسميها الكيان الصهيوني ونرفض الاصطياد في الماء العكر”.

وجدد المقداد مناشدة أطلقتها الخارجية في وقت سابق إلى “كل دول العالم” لتقديم المساعدات لسوريا.

وكان “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” وجه نداء “للمنظمات الطلابية والشبابية العالمية بمساندة أعمال الإغاثة ورفع العقوبات والإجراءات القسرية المفروضة على سوريا”.

مساعدات وصلت

كان العراق، ثم الجزائر، فالإمارات، أولى البلدان العربية التي أرسلت مساعدات، ووصلت أول دفعة مساعدات عراقية مطار دمشق محملة بأكثر 70 طناً من المساعدات على متن طائرتين.

كما أرسلت الجزائر فريقاً من الحماية المدنية للمشاركة في عمليات الإنقاذ، إضافة إلى طائرتي مساعدات، تلتها روسيا التي أرسلت طائرة تقل فريق إنقاذ ومعدات للمساعدة في عمليات الإنقاذ.

أما الشحنة الإماراتية الأولى فتمثلت بدفعة مساعدات إغاثية طبية من المستشفى السعودي الألماني – دبي في الإمارات العربية المتحدة، موجهة إلى المشفى الوطني في جبلة، تتضمن أدوية ومستلزمات إسعافية وإغاثية، حسبما ذكرت وكالة “سانا” عن “الأمانة السورية للتنمية” التي أعلنت أيضا أن فرقها “تكفلت بإيصالها بالسرعة القصوى إلى كادر المشفى لإدماجها في عمليات الإنقاذ”.

وفي اليوم ذاته وصلت طائرة مساعدات من الإمارات التي أعلن رئيسها محمد بن زايد آل نهيان أنه أوعز أيضاً بتقديم 50 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الزلزال في سوريا.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله