دمشق ـ نورث برس
رفض مجلس الشعب مشروع قانون “مجهولي النسب” في عام 2018، وكان هذا من بين المرات القليلة التي يتم فيها رفض مشروع قانون.
ولكن وبدون سابق إنذار صدر المشروع بمرسوم لم يمر على مجلس الشعب مؤخراً!. ردود الأفعال تباينت بين من يؤيد لصدور هذا المرسوم وبين من يرى أنه “شر لا بد منه”، وأمر واقع يجب التعامل معه، لأن الأطفال ضحية، ولا يجب التعامل معهم وكأنهم مذنبون.
تقول زوجة عنصر في قوات الحكومة فقد حياته، لنورث برس، إن أطفال الشباب الذين حاربوا مع الدولة ورحلوا، لم يحظوا بالعناية المطلوبة، لكن أولاد المسلحين و”اللقطاء” أحاطهم المرسوم بعناية ورعاية “وكأن أباءهم كانوا يحاربون مع الدولة وليس ضدها”.
في حين تحاول ليلى عيسى، وهي أخت أحد عناصر قوات الحكومة فقد حياته أيضاً، أن تبدو أكثر واقعية، وتقول: “رغم أن أغلب هؤلاء الأطفال هم أبناء لمسلحين قتلوا أبناءنا وأهلنا، خاصة مع فتوى جهاد النكاح التي تسببت بزيادة أعداد هؤلاء الأطفال، ولكن لا يمكن للدولة أن تتركهم دون علاج لوضعهم، ففي المحصلة هم أطفال لا ذنب لهم، وإهمالهم قد يتسبب بمشاكل دائمة خاصة عندما تكون أعدادهم كبيرة”.
يتضمن القانون
ينص القانون على إحداث هيئة رسمية عامة مستقلة إدارياً ومالياً تنظم شؤون هؤلاء الأطفال أطلق عليها اسم (بيوت لحن الحياة) وتتمتع بالشخصية الاعتبارية، وتقوم بمهمة تطبيق أحكام قانون مجهولي النسب.
إضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات وطنية موحدة وشاملة لكافة معلومات الأطفال مجهولي النسب، وتعزيز التعاون مع الجهات العامة والأهلية والخاصة لتقديم أفضل خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية والتعليمية والتربوية للأطفال مجهولي النسب.
في حين بينت ناشطة في قضايا حقوق المرأة لنورث برس، أن الواقع يفرض على الدولة السورية التعامل مع ظاهرة مجهولي النسب، والقانون يلبي هذه الحاجات المجتمعية، ويسد الثغرة الموجودة بالتعامل مع أوضاع هذه الشريحة، ودعت إلى تشميل شريحة الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية بهذا المرسوم.
وأضافت الناشطة أن هنالك مشاكل اجتماعية أخرى تحتاج إلى حلول مشابهة مثل مشكلة الأمهات العازبات التي اعترف بها قانون الأحوال المدنية، لأمهات معروفات وآباء مجهولين، وغالباً ما تكون الأمهات ضحايا لجرائم اغتصاب خاصة في زمن الحروب كما حصل في سوريا.
بيئة بديلة
في حين قال المحامي طارق حسن (اسم مستعار، لنورث برس، إن التشريع الجديد أوسع من الأحكام المتفرقة التي كانت تنظم هذه الظاهرة بقانون الأحوال المدنية.
وعن أهم ملامح هذا القانون، قال “حسن” إنها بدون شك أحكام تفصيلية محكمة إلى حد كبير مستقاة من التجربة الواسعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ولمؤسسات الرعاية.
وأضاف “حسن” أنه نظراً لازدياد ظاهرة الأطفال “اللقطاء” مجهولي النسب بسبب إفرازات الحرب التي عصفت بالبلاد ارتأى المشرّع تنظيمها بتشريع. فالقانون نظّم أحكام الرعاية البديلة للطفل وفق معايير تهدف إلى توفير العيش الكريم للطفل، ضمن بيئة بديلة عن عائلته الطبيعية تقوم بتربيته وحمايته ورعايته وتعزيز قدراته.
ونظم القانون أحكام شروط إلحاق الطفل مجهول النسب بأسرة بديلة، أو بمؤسسة وفق شروط منها “عدم تسليم الطفل إلى أسرة أخرى إلا في حال الضرورة ولمدة لا تتجاوز الشهرين بعد موافقة المدير العام لبيت لحن الحياة، وعدم السفر بالطفل خارج سوريا إلا بموافقة القاضي الشرعي بناء على كتاب موجه من المدير العام للهيئة”.
وكذلك ”عدم تشغيل الطفل بأي عمل يكون خطيراً أو يُمثل عائقاً لتعليمه أو يكون ضاراً بصحته، وفي جميع الأحوال يخضع تشغيل الطفل للقوانين النافذة”.
وحدد المرسوم شروط إنهاء عقد الإلحاق بأسرة بديلة بقرار من المدير العام للهيئة بعد موافقة مجلس الإدارة في عدة حالات منها طلب الأسرة البديلة إنهاء العقد وإعادة الطفل، وفي حالة وفاة أحد الزوجين وعدم رغبة الزوج الآخر باستمرار الإلحاق، وانفصال الزوجين، ما لم يقدم أحدهما طلباً لاستمرار الإلحاق.
ظهور أحد والدي الطفل المثبت نسبه أو بنوّته له بموجب حكم قضائي قطعي ومطالبته باستعادته. ثبوت تكرار مُخالفة الأسرة البديلة لالتزاماتها المُحدّدة في هذا المرسوم التشريعي رغم الإنذار الموجّه إليها.
وأشار المحامي إلى أنه لا يحقّ للأسرة البديلة أو ورثتها، مُطالبة أيّ جهة كانت بأي مصاريف أو نفقات لرعايتها الطفل خلال مدة الإلحاق لديها، ولا يجوز مُطالبة الطفل بإعادة الأموال التي أنفقتها الأسرة البديلة أو مؤسسة الرعاية أو أي جهة أخرى على كفالته وتربيته ورعايته. إذا لم يكن للطفل وارث فإن أمواله تعود للهيئة بعد وفاته.
كما غيرهم
مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، قال لنورث برس، إن ظاهرة مجهولي النسب “تحتاج إلى طريق عملي يكرس مسؤولية الدولة تجاه هذه الشريحة، وحقهم في الحصول على الحقوق التي يكفلها المجتمع، لبقية أفراده دون تمييز”.
وأشار إلى أن الواقع يفرض التعامل مع ظاهرة الأطفال مجهولي النسب لأن أعدادهم تزايدت نتيجة الحرب، وأن احتضانهم لا بد منه لكي ينشأ الأطفال نشأة سليمة وضمن بيئة شبه طبيعية تجعل منهم أشخاصاً فاعلين في المجتمع، وليس قنابل موقوتة.