دمشق _ نورث برس
يتفرد السوريون دون غيرهم بمشكلة مفادها، أين يحفظون أموالهم وماذا يفعلون بها بعد كل صفقة أو عملية بيع؟.
يقول أسامة عيد (اسم مستعار) صاحب عقارات لنورث برس، إنه لا يرغب ببيع ما لديه من عقارات، لأن بيعها يشكل خسارة بالنسبة له.
ويضيف: “الخسارة ليس بسبب انخفاض قيمة الليرة بشكل دائم، ولكن لأنه لا يوجد مكان لحفظ تلك المبالغ أو التصرف بها، إذ أنه لا يمكن وضعها في البنوك مع سياسة السحب المتبعة منذ 2019 حتى بعد رفع المبلغ إلى 15 مليون ليرة، فسعر أقل شقة لا يقل عن 100 مليون وعليك أن تحسب عدد الأيام التي يحتاجها سحب هذا المبلغ؟”.
أين يضعه ؟
ويقول “عيد” إن أي عملية بيع (سيارة، بيت، عقار) تجعل السؤال الأهم أين سيذهب صاحب المال بماله؟”.
فإذا وضعه في البنك لن يتمكن من سحبه كاملاً عند الحاجة، أو عند الرغبة بشراء عقار سيارة بيت، بل يحتاج إلى زمن طويل وعليه أن يتفرغ طوال هذا الوقت لإنجاز معاملة السحب اليومية.
قلق دائم
والخيار الثاني لدى “عيد”، هو وضع المبلغ في البيت ولكنه “ليس بالأمر المريح”، لأنه سيكون دائماً في حالة قلق من التعرض للسرقة أو القتل وقد حصل الكثير من قصص السرقة والقتل بعد معرفة أشخاص بوجود بيعة وتوفر مبالغ مالية مع هؤلاء الأشخاص، وقلق عند نقل مبالغ كبيرة من مكان لآخر، لتتحول الأموال التي يفترض أن يفرح فيها صاحبها إلى هم وعبء فيما إذا لم يوظفها في الحال في مكان آخر.
ويشير “عيد” إلى أنه إذا تم اكتشاف المبلغ عند نقله بين المحافظات يصادر على الطرقات ويتم إيداعه في البنك المركزي، ليتقيد بالسحب ضمن المبالغ التي يتم نقلها بين المحافظات.
خطر أكبر
ويضيف تاجر جملة أن “المخاطرة تصبح أكبر إذا حاول صاحب الأموال شراء الدولار من السوق السوداء، عندها سيكون تحت خطرين: الأول من قبل اللصوص، والثاني إذا انكشف أمره فعندها يتم تغريمه بأضعاف قيمتها مع عقوبة السجن”.
والنتيجة جمود سوق العقارات، وحركة البضائع في الأسواق، وهجرة أصحاب رؤوس الأموال مع أموالهم.
أحد أصحاب المكاتب العقارية في دمشق, قال لنورث برس، إنه لا يتفق مع هذه الآراء وأنه يمكن لأي شخص تحويل المبلغ عن طريق البنك، عند شراء عقار أو سيارة أو بضاعة، ولا داعي لسحب الملايين بل تحويل ثمنها، وعند شراء حاجيات أقل يكفي معدل السحب الجديد لشراء حاجات اليوم.
ويضيف أن هذا يعني أنه ما من حاجة لحمل الملايين، إلا إذا كانت الغاية تبديل العملة المحلية بالدولار، وعندها يحق للحكومة حماية عملتها!.
ويرى أنه على الجميع ممن يتاجرون بهذه المصالح أن يخضعوا للضرائب، وأن يتعودوا على حركة الأموال عبر البنوك وبالليرة السورية، وأن كل دول العالم تحمي اقتصادها وتقلص استخدام الكاش.
“تحت البلاطة”
وفي السياق ذاته قالت ريتا علي لنورث برس، إنها اعتادت أن تدخر بعض المبالغ من عملها الإضافي في مصرف التوفير، لكنها أقلعت عن هذه العادة، وأصبحت تضع أموالها في البيت، بسبب الصعوبات التي واجهتها عندما احتاجت أموالها لعلاج ابنها.
وتطلب الأمر منها التوسط لسحب المبلغ الذي كانت بحاجته، لكل هذا أصبحت تضع أموالها كحال الكثيرين غيرها ممن يتوفر لديهم فائض مالي “تحت البلاطة”.
في حين يشير خبير اقتصادي لنورث برس، إلى أن مشكلة تقييد السحب منذ 2019 وحتى الآن كانت كفيلة بإفراغ البنوك من الأموال، وأن التعديلات الأخيرة ورفع سقف السحب إلى ١٥ مليون سببها الأرصدة البنكية الخاوية، وأن هذا القرار لن يصلح الأضرار الكبيرة التي لحقت بالتاجر والصناعي وعملاء البنوك.
كما قيصر
وينظر أصحاب الفعاليات الاقتصادية لقرارات البنك المركزي بأنها قيود وعراقيل وضعت على الاقتصاد كما عقوبات قانون قيصر.
وقد نشر عضو غرفة صناعة حلب فارس الشهابي على صفحته معقباً على تعديلات البنك المركزي على قراراته مؤخراً: ” ثبت أخيراً أنها ساهمت في تنفيذ العقوبات بصورة لم يتوقعها أعداء البلد! المهم الآن أن يكون هناك مراجعة شاملة لنعرف لماذا كان هناك اصرار على الخطأ وتجاهل لكل التحذيرات بعدم السير في هذا المسار المدمر؟، وذلك من أجل وضع أسس و ضوابط رادعة تمنع تأثير الانتهازيين والفاسدين على آليات صنع القرار و تقينا من تكرار الخطأ و الإصرار عليه مرة أخرى.. الوضع الاقتصادي و المعيشي لا يحتمل التجريب و الخطأ, بل يحتاج الى التخطيط السليم و الاصغاء الحقيقي لأصحاب الوجع.”.