حلب- نورث برس
أكثر من ٣٠٠ ألف ليرة شهرياً يحتاج محمد بلورج )٣١ عاماً) ثمناً لحليب ومستلزمات لطفله البالغ من العمر ٩ أشهر.
الموظف الحكومي الذي يعمل في مديرية الزراعة في حلب لا يكفيه راتبه الشهري ثمناً لمصروف أسبوعين لطفله. على حد وصفه.
فمصاريف الطفل كما يقول “بلورج” لنورث برس، باتت تفوق قدرته. ويضيف: “لولا عملي كسائق أجرة بعد دوامي الوظيفي لتعرضت أنا وطفلي وزوجتي للموت جوعاً”.
فوجود طفل صغير في بعض العائلات السورية بات يعني وجود مبالغ مالية إضافية يجب أن يتم صرفها “فالكبار بإمكانهم تحمل الجوع أما الصغار فلا قدرة لهم على ذلك”، يقول “بلورج”.
ويعمل الرجل من الساعة الرابعة بعد الظهر حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل “كي أستطيع تأمين ثمن علبة الحليب وغيارات صحية خاصة بطفلي”.
فثمن العلبة بات أكثر من ٣٠ ألف ليرة طبعاً بحال كانت متوفرة بالصيدليات “فمعظم الأحيان نضطر لعملية بحث طويلة عن عبوة واحدة وقد ندفع ٣٥ ألفاً أو أكثر وثمن الكيلو غرام من الغيارات الصحية يبلغ ٢٧ ألفاً”.
وكل يومين يشتري الموظف الحكومي علبة حليب وكيلو غرام غيارات، “أي أن راتبي الشهري لا يكفي لطفلي أكثر من أسبوع”.
ويقول بغصة: “هذا الطفل هبة ربانية وأنا ووالدته كنا ننتظره بفارغ الصبر مدة 4سنوات بعد زواجنا، ولكن أرهقتنا التكاليف فأي أسرة بالوقت الراهن تنتظر مولدوا عليها أن تحسب حساب طعامه ومستلزماته إضافة للأدوية والفحص الطبي. وطبعاً عليها أن تضع في حسبانها مبالغ مالية قد تعجز عنها أغلب الأسر”.
أما زياد طوبال ( ٣٧ عاماً) فاتفق هو وزوجته على عدم الإنجاب نظراً للأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعانون منها.
فالشاب الثلاثيني وزوجته متفقين على تأجيل الإنجاب خاصة وأن تكاليف الحمل والولادة باتت ذات أرقام يعجز الزوجين حتى عن توفير جزء يسير منها.
يقول “طوبال” لنورث برس: “قرار تأجيل إنجاب طفل الذي اتخذته بالاتفاق مع زوجتي كان قرارا مؤلماً فكل شخص يقبل على الزواج من أجل تكوين أسرة لكن بظل هذه الظروف القاهرة التي نعجز فيها حتى عن تأمين كسرة خبز يصعب علينا أن ننجب طفلاً ونجلبه للعيش في هذه الحياة البائسة”.
عادة ما تتكفل الحكومات بالمواليد الجدد من ساعة الحمل حتى مراحل عمرية متقدمة “لكن هنا يجب أن تدفع وتتحمل أعباء مالية ضخمة تفوق القدرة من لحظة إعلان الحمل مرورا بالولادة وصولا لمرحلة تربية الأطفال”، يقول “طوبال”.
ويضيف: “وهذا ما لا نقدر عليه ولا نستطيعه بالوقت الراهن خاصة وأني أعمل في ورشة خياطة وبالكاد أوفر أساسيات المعيشة لي ولزوجتي”.
أما الدكتورة مها عبد الرحمن، (٤٧ عاماً) وهي طبيبة تخصص حمل وولادة في منطقة الأكرمية في حلب تقول لنورث برس: “معظم النساء اللواتي يحضرن لدي في العيادة يطلبن وسائل لمنع الحمل طبعا وأغلبيتهم لهم ذات الأسباب وهي عدم القدرة على تحمل المصاريف وتكاليف طفل جديد”.
وتضيف: “هذه الظاهرة تتزايد بشكل كبير ليس لدي فقط بل في معظم العيادات النسائية في حلب فالرغبة بالإنجاب واستقبال مولود جديد لا تقتصر على من لديه أطفال ويسعى لتحديد النسل”.
وتشير إلى أن هذه الحالات تظهر عند الكثير من الأزواج الجدد، “إذ لا قدرة لهم على تحمل الأعباء بظل الأوضاع المتردية التي يعيشها السكان في حلب”.
وقرار التأخر في الإنجاب مخالف للعادات الاجتماعية فالرغبة بإنجاب مولود تكون كبيرة خاصة للمتزوجين الجدد.
وتقول الطبيبة: “تكلفة عملية ولادة قيصرية مليوني ليرة والولادة الطبيعة مليون و200 ألف ليرة وهذا بالحد الأدنى. طبعاً قد يرتفع الرقم لأكثر من ذلك بحسب المشفى وما يقدم من رعاية طبية وطبعا هذا ما لا يقدر عليه الكثيرين”.
وتقول الطبيبى: “تفاقم هذه الظاهرة وازديادها يهدد تركيبة المجتمع وبنيته ما لم تتبنى الحكومة سياسية خاصة تكفل للمواليد الجديد ظروف رعاية صحية وغذائية سليمة ومتوازنة”.