الغجر في الشمال السوري.. انزواء في الخيام المزركشة بعيداً عن أطراف الحرب
الرقة- مصطفى الخليل – NPA
متحفظون لدرجة الحذر و يفتخرون بأصولهم بالرغم من كل الازدراء الذي عانوه من المجتمع السوري، يتباهون بأنهم يختلفون عن الجميع فهم لم يَحسبوا أنفسهم على أي طرف في الحرب السورية، فلقد فضلوا الانزواء في خيمهم المزركشة بعيداً عن معمعة الحرب.
ولكن هذا لم يشفع لهم في بلد تضرر الجميع فيه من حرب عمياء شرسة طويلة الأمد, لم تميز بين منتمي أو لا منتمي، فلقد فقد البعض منهم أبناءه و تدمرت بيوت البعض الآخر، واضطروا للنزوح من مناطقهم.
حالهم كحال بقية السوريين، إنهم الغجر أو كما يصرون التعريف عن أنفسهم بأنهم "قرباط", على حد تعبيرهم.
التسمية
"أطلقوا علينا تسمية قرباط، من الاغتراب لكثرة ترحالنا", هكذا يفسر محمد ياسر/50/ عاماً أصل اللفظة ومعناها، لـ"نورث برس".
وينحدر ياسر من شارع العشرين في حي الأشرفية؛ أحد أحياء حلب القديمة، ومنذ /9/ سنين خلت, يقطن وعائلته في مخيم يقع في الطرف الشرقي من قرية رطلة جنوب شرقي الرقة/12/ كم.
ويشير ياسر إلى أنه قبل الحرب السورية التي أثرت عليهم كثيراً، على حد قوله, كان أكثر تواجدهم في أحياء حلب, خاصة في حي الأشرفية، منوهاً إلى أنهم اليوم موزعين في العديد من المدن والمناطق السورية.
فيما يفتخر رضا جمعة الحسن/24/سنة، وهو نازح من أحياء حلب، ويقطن في مخيم رطلة، بأنه "قرباطي"، ويضيف "البعض ينظر إلينا بدونية، وخاصة العرب، علماً أن أصولنا عربية".
ويصر الحسن على الرواية التي أوردها الرجل الخمسيني محمد ياسر بأن سبب التسمية نابع من سكنهم في الخيام.
ويشتكي رضا من آلية عمل منظمات المجتمع المدني في الرقة، فهي لم تقدم لهم إلا الشيء القليل، حسبما يذكر, ويقول "يعطون أهل القرية ولا يقدمون لنا شيء؛ فقط يقومون بتسجيل بياناتنا".
ويضيف "البعض يقول لهم إنهم ليسوا بحاجة للدعم فهم لديهم دخل مادي من مهنة تركيب الأسنان، علماً أنه لا يوجد ماء أو مراحيض في هذا المخيم", في إشارة منه إلى أهالي قرية رطلة.
تركيب الأسنان
و أجبرت ظروف الحرب حسن حسين عبدالله/21/ عاماً, النزوح من حي الشيخ مقصود غربي، في حلب، ليقطن هو وأسرته في مخيم يقع شرقي قرية رطلة، منذ/11/ سنة.
وتعلم حسن مهنة تركيب الأسنان على أيدي والده، و بدوره اكتسبها الأب من عائلته التي تتوارث هذه المهنة جيلاً بعد جيل منذ /400/ سنة.
و عندما بلغَ عُمرُ حسن تِسعةُ أعوام, رافق أعمامه وأخواله وبعض أصحابه، أثناء تجوالهم في القرى للعمل في هذه المهنة, حسب ما أفاد به حسن.
ويعزي حسن سبب إقبال بعض الناس على تركيب الأسنان ومداوتها عنده، إلى ارتفاع أجور أطباء الأسنان، وغلاء المعيشة خاصة بعد الحرب التي تسببت بارتفاع أسعار الدولار.
وبحسب حسن فإن أطباء الأسنان يأخذون أجوراً تتراوح من/14/ ألف ليرة سورية إلى/15/ ألف ليرة سورية على تركيب السن الواحد، مضيفاً "في حين تكلفة أحسن سن نقوم بتركيبه لا يتعدى /7/ آلاف ليرة سورية", على حد تعبيره.
ويتحدث جمال الصايغ /60/ عاماً من حي الأشرفية في حلب بحنق أقرب ما يكون للغضب عندما تسأله عن أصول الغجر في سوريا "سوريون نحن" ويضيف باللهجة الحلبية الأصلية "لك نحنا من فسط حلب".
ويدحض جمال كل الروايات التي تقول إن غجر سوريا يعودون بأصولهم إلى الباكستان, قائلاً "هذا غير صحيح؛ لقد ولدنا وعشنا في حلب وأهلنا وأجدادنا عاشوا وماتوا في حلب".
ويتابع جمال "لا نعرف سوى مهنة تركيب الأسنان، وهي مهنة نمتاز بها"، مشيراً إلى أن النساء يعملن "ببيع بعض الأدوات البسيطة على ظهورهن كالعلك والإبر والمرايا، البعض منهن يعملن في الشحادة( التسول)", حسب قوله.