طرح فكرة الإدارة الذاتية في الجنوب السوري.. كيف تستفيد دمشق منها؟

درعا/ السويداء ـ نورث برس

الموقع الجيوسياسي للجنوب السوري، جعله يتصدر المشهد حديثاً، بفرض حلول ذاتية له، في ظل غياب قرارٍ دولي شامل لإحداث تغير سياسي في البلاد وانطلاقاً من خيارات سكان الجنوب في تقرير مصيرهم، والتي ظهرت على شكل احتجاجات في درعا منذ أشهر، ولم تتوقف في السويداء لغاية اليوم.

وعن طرح فكرة الإدارة الذاتية كحل في الجنوب السوري، قال الكاتب الصحفي حافظ قرقوط، من السويداء، إن مشروع الإدارة الذاتية “ليس بجديد فهو مطروح في الجنوب منذ سنوات”.

واعتبر أن إعادة طرحه اليوم في الإعلام يأتي “بسبب تزايد الأزمة السورية بالتوازي مع تفاقم أزمة النظام الحاكم”.

ويربط  “قرقوط” بين الضغط التركي اليوم في الشمال السوري والذي دفع دولاً عربية من بينها الأردن، للتفكير بأن الحل السياسي للملف السوري قد يطول، لتبحث عن حل للجنوب السوري الملاصق لها، في محاولة لفرض الأمن فيه ومنع تهريب الكبتاغون من حدوده.

وتمثل الحل الذي يتم طرحه، في إقامة إدارة ذاتية في الجنوب السوري تتمثل في المحافظات السورية الثلاث (السويداء، درعا والقنيطرة).

وأشار الكاتب الصحفي إلى أن فكرة الإدارة الذاتية “تتطور نتيجة تلاقي رغبات إقليمية غير معلنة حتى الآن، بالإضافة لبحث سكان كل منطقة في سوريا عن حلول لإدارة شؤونهم في ظل وجود دولة فاشلة مستباحة من عدَّت جيوش”.

وأعرب “قرقوط” عن اعتقاده أنه في حال “أقيمت الإدارة الذاتية بشيء من الكفاءة، فسيكون فيها خلاص الجنوب السوري من ابتزاز النظام وتبعات ذلك على السكان”.

الأسد والإدارة الذاتية

في ظل الفشل الذي تعيشه الحكومة السورية من التدهور الاقتصادي، وانهيار البنية التحتية ووسط تغيرات دولية تتمثل بحرب أوكرانيا وصولاً للاحتجاجات في إيران وانهيار نظامها الاقتصادي، “تحاول الحكومة السورية البحث عن مخرج لأزمتها الاقتصادية والتخلي عن مناطق لتتمكن من الحفاظ على أخرى”.

يرجح “قرقوط”، أن “يستفيد النظام من فكرة الإدارة الذاتية، بإزالة العبء الاقتصادي عنه مع بقائه بحالة قيادة مركزية، كما يمكنه الطرح التخلص من تمرد سكان الجنوب، لتصبح هذه الإدارة هي من تواجه احتياجات السكان واحتجاجاتهم وتنشغل فيما بينها”.

وسيحاول “النظام” بحسب ما ذكره “قرقوط”، “استغلال الطبقة الفاسدة التي أوجدها في الجنوب طوال الخمسين عاماً، في حالة تم إقرار الإدارة الذاتية، لإشراكهم في إدارتها”.

ويمكن أن يحقق “النظام” استفادة أخرى في حال تمت فكرة الإدارة، تتمثل “بالدعم الذي من الممكن أن تقدمه الدول الإقليمية والمنظمات الدولية لتلك الإدارة الذاتية في الجنوب”، بحسب ما ذكره “قرقوط”.

ولكن الكاتب الصحفي، استبعد فكرة أن تكون تلك الإدارة “ملجأً للنظام، للتخلص من عقوبات قانون الكبتاغون. فالحكم الذاتي أو المركزي لا يلغي هذا القرار”.

الرغبة في الإدارة

يقول السياسي والدكتور الأكاديمي فايز القنطار، إن  السبب الذي دفع السكان للحديث وتقبل فكرة الإدارة الذاتية في الجنوب هو “الوضع الحالي المتعمد”، خاصة بعد شعورهم بالتهديد الوجودي للقمة عيشهم.

وفي السابق كان “النظام يلتف على موضوع الحكم الذاتي عبر تفعيل قانون الإدارة المحلية الذي أصدره البعث قبل الأسد وعمد الأخير، عندما استملك الدولة والسلطة عبر عصاباته إلى تهميش هذا القانون بصفته الحاكم الأوحد”، بحسب “القنطار”. 

ولكن السياسي لا يستبعد في الوقت الحالي “محاولة النظام الالتفاف على مأزقه في الجنوب عبر خلق إدارة ذاتية لكن شرط أن يقودها أزلامه هناك، وإن كان بالخفاء”.

وحول نظر الدول المتداخلة في ملف الجنوب السوري، يشير “القنطار” إلى “عدم اكتراث روسيا لوحدة الأرضي السورية إلا شكلاً. وهي من تطالب بنظام فيدرالي”.

في حين يرى أن “مصلحة ايران مرتبطة بمصلحة نظام الأسد فهو من يضمن لها الوجود وحرية العمل في الأراضي السورية”.

وعلى ضوء ما سبق يتوقع “القنطار” أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي عبر تغير وضع الجنوب فهو يهدف لتقليص الوجود الايراني، عبر طرح فكرة الإدارة الذاتية”.

واقع الطرح على الأرض

يكمل الدكتور فايز القنطار، القول بأن محافظة بالسويداء “لا تمتلك مقومات الاستقلالية لإقامة إدارة ذاتية بمفردها، ولكن إذا استطاعت تكوين نوع من التوافق الأهلي المحلي، وتسير شؤونها ذاتياً، فيمكنها حينها حل مشاكل سكانها”.

ولا يختلف الواقع في درعا كثيراً، فيقول علي الزعبي، أحد وجهاء المحافظة، لنورث برس، إن كل ما يقال عن المشروع هو “مجرد تحليل وتكهنات لا يوجد شيء فعلي على الأرض”.

وأضاف أن “النظام السوري” أصدر القانون رقم (107) عام ٢٠١٤، وهو يخص الإدارة المحلية فقط، محافظ ورؤساء بلديات فقط، ولا يتحدث فيه عن إدارة ذاتية.

وأشار إلى أنه في قانون الإدارة الذاتية “لا علاقة للأمن والجيش والمالية في الإدارة الذاتية، وتبعيتها لوزير الإدارة المحلية وهذا ما يريده النظام فقط”.

وشدد “الزعبي” على أن مشروع الإدارة الذاتية “لن ينجح في الجنوب السوري في ظل الانفلات الأمني الحاصل إذا لم يكون هناك سيطرة أمنية من طرف وجمع السلاح من أيدي الناس، وبغير ذلك لن يتحقق المشروع”.

وأشار إلى أن “النظام السوري” يريد إدارة ذاتية “لكنها لا تناسبنا ولكنه أصبح في عنق الزجاجة ويريد مخرجاً، إذ أنه لم يستطع السيطرة على الجنوب، لذلك يريد التخلص منه ولكن كما يريد هو وليس الشعب”.

وشدد عبد الله الأسعد، رئيس مركز “رصد” للدراسات الاستراتيجية، في حديث لنورث برس، على أنه في ظل الظروف الراهنة “لا يمكن تطبيق الإدارة الذاتية في الجنوب السوري”.

وأضاف أن هكذا طرح هو “محاولة من بشار الأسد لعدم تطبيق القرار 2254، أو الامتثال  للحل السياسي”.

إعداد: إحسان محمد / رزان زين الدين ـ تحرير: قيس العبدالله