ارتفاع تكاليف التحاليل الطبية يفرض على السوريين الصمت على أوجاعهم
دمشق ـ نورث برس
طلب طبيب نسائية مجموعة من التحاليل الطبية لامرأة حامل ليطمئن على سير حملها الذي تأخر أربع سنوات حتى حصل.
لم يخطر في بال نهلة أحمد أن تسأل عن قيمة التحاليل بسبب قلقها على الحمل ورغبتها بالتأكد من سيره الطبيعي بعد كل سنوات الانتظار.
وكانت المفاجأة عندما ذهبت لإحضار النتائج من المخبر وقد اصطحبت راتبها كله، أنه لا يكفي لتسديد تكاليف التحاليل المطلوبة. فما كان منها إلا أن تركتها في المخبر وغادرت، على نية العودة بكامل سعرها.
لكنها كما قالت لنورث برس، إنها لن تتمكن من عرضها على الطبيب لأن قيمتها وصلت إلى 129 ألف ليرة وهذا رقم كبير جداً بالنسبة لدخلها.
تختلف أسعار التحاليل بين مخبر وآخر ومنطقة وأخرى، ولكن عموماً سعر تحليل “فيتامين دال” لوحده يصل إلى 80 ألف ليرة، وكلفة أقل تحليل كالسكر تصل إلى 5 آلاف ليرة وهنالك تحاليل تصل قيمتها إلى 60 ألف ليرة كتحاليل الغدة الدرقية وفيتامين b12.
مرهقة للمرضى
هذه التسعيرة التي ترهق غالبية المواطنين ينظر إليها أصحاب المخابر بعدم الرضى، ويصفونها بـ”المجحفة”.
وتشير مديرة مخبر في منطقة المزة بدمشق، إلى أنهم ينتظرون زيادة جديدة على أسعار التحاليل أسوة بالأدوية التي ترتفع بعد كل حملة ضغط وفقدان للدواء.
تضيف هنادي إسماعيل، إحدى سكان دمشق، لنورث برس، أنها تعاني الكثير من الأمراض، ولكنها لا تستطيع التوجه إلى المخبر لإجراء تحاليل يطلبها الطبيب وغير متوافرة في المستوصف الذي تراجعه، وأن كل ما هو متوافر بشكل مجاني يمكنها عمله أما أكثر من ذلك فلا يمكنها فعل شيء.
وتشير إلى أنه حتى المشافي العامة “أصبحت تتقاضى نسبة على التحاليل أقل مما هو في القطاع الخاص، لكنها تصعب عليها أيضاً”.
وتعاني “إسماعيل” كغيرها من أن التحاليل في المراكز الصحية لا تتوفر دفعة واحدة وعليها كلما أصبح بالإمكان إجراء تحليل أن تتعرض لوخزة الإبرة وسحب الدم، بينما لو كانت الحالة تسمح كان بإمكانها أن تجنب نفسها كل هذه “الوخزات والشنشطة”، حسب قولها.
هنالك بعض الجمعيات التي تقدم خدمات طبية مجانية، ولكن تقول بتول صالح (35 عاماً)، تسكن في اللاذقية، لنورث برس، إن التداوي عن طريقها يحتاج للكثير من الصبر والانتظار، ريثما تحصل على دور بسبب الازدحام الكبير عليها، ولكن المضطر ينتظر كحالها وحال كل المنتظرين.
سلم واستلم
صاحب أحد المخابر في الساحل السوري، أكد لنورث برس، أنهم في البداية كانوا يتساهلون مع المرضى أصحاب التحاليل ويرسلون لهم النتائج على الجوال ريثما يتمكنوا من الحضور الشخصي وأخذها ودفع سعرها، ولكنهم بعد ارتفاع الأسعار والتكاليف الكبيرة التي يتورط فيها بعض المرضى ولا يستطيعون الدفع أصبحوا يطالبون بدفع مبالغ على الحساب ريثما يأتي طالبوا التحاليل ويحاسبون، فيسلموا ويستلموا.
وقال إن تشغيل المخابر في هذه الظروف “مكلف”، لأنه يحتاج إلى توفير الكهرباء مدة 24 ساعة، لأن التبريد ضروري للكثير من المواد المخبرية، أو تشغيل المولدات عالية الكلفة أيضاً.
وبين أن هنالك مخابر توقفت عن العمل بسبب ارتفاع التكاليف، وأشار إلى أنه يجب تعديل الأسعار كل 3 سنوات كحد أعلى لتتناسب مع تكاليفها، ومع ارتفاع أسعار الصرف، ولكن هذا لم يحصل منذ 2015، حسب قوله.
أسعار رمزية
تجري المشافي العامة الكثير من التحاليل، ويصفها القائمون عليها بأنها أجور رمزية، وقد أشار رئيس قسم المخبر في أحد المشافي العامة، إلى أنهم يجرون في الشهر أكثر من 40 ألف تحليل، وأن هذا العدد يصل إلى 150 ألف تحليل في مشفى كالمواساة بدمشق مثلاً.
وفي تصريح لنورث برس قالت إحدى الممرضات العاملات في مخبر لمشفى عام في دمشق، إن أغلب التحاليل المكلفة يطلب من المريض إجراءها خارج المستشفى، في حين يدفع مرضى العيادات الخارجية أسعاراً على التحاليل يمكن عدها رمزية قياساً بأسعارها في القطاع الخاص، في حين ليست كذلك على الكثير من المرضى.
وبين مصدر في الصحة أن العقوبات أثرت كثيراً على مدى توافر بعض المواد المطلوبة لإجراء التحاليل، وجعلت النتائج غير دقيقة في حالات كثيرة بسبب استبدال المواد المكلفة بنوعية أقل سعراً وجودة، أو بسبب تخفيض نسبة الوحدات الطبية. يضاف لهذا المعاناة من النقص في بعض التحاليل المخبرية الخاصة ولاسيما المتعلقة بالأمراض المستعصية.
وأشار إلى أن وزارة الصحة في الحكومة السورية، كلفت لجاناً بدراسة رفع تسعيرة التحاليل الطبية قريباً.