الصناعة الدوائية في سوريا بأسوأ أيامها

دمشق/ حلب ـ نورث برس

تعتذر دانا محمد (25 عاماً) وهو اسم مستعار لصيدلانية في ريف مدينة حمص، من غالبية زبائنها عن الكثير من أصناف الأدوية التي يطلبها الأطباء وتقول بلهجتها العامية: “صرت يادوب جيب لعيلتنا”.

تختصر الجملة التي قالتها “محمد”، قصة الأدوية في مناطق سيطرة الحكومة السورية دون استثناء من الساحل السوري وصولاً إلى دمشق، مروراً بوسط البلاد في حمص وحماة، حيث تعاني الصيدليات من نقص حاد أو بالأدق “شح” في الكثير من الأدوية، وذلك بسبب توقف المعامل عن التوزيع والتوريد للصيدليات.

حصص صغيرة!

تتعامل معامل الأدوية السورية مع الصيدليات على مبدأ الحصص، فيكون مخصص لكل صيدلاني وصيدلانية حصة دوائية تبلغ مجموعة من العلب والعيارات الدوائية لكل شركة، لكن منذ شهر تقريباً أي في الشهر الأخير من العام الفائت، بدأت الحصص تقل شيئاً فشيئاً إلى أن انعدمت من بعض المعامل.

وفي هذا السياق، يقول محمد محمد (50 عاماً) وهو اسم مستعار لصيدلاني في حماة المدينة، لنورث برس: “أول مرة منذ 25 عاماً، عندما مارست المهنة تحصل مثل هذه الأزمة في الأدوية”.

ويستذكر “محمد” الماضي، فيضيف: “سابقاً حتى في حال انقطاع دواء من شركة معينة، يكون له بديل في شركة أخرى، اليوم حتى الأسبرين بلغت حصة كل صيدلاني علبتين فقط، وهو أكثر مادة مطلوبة كمميع للدم على سبيل المثال لا الحصر”.

وترجع شركات الأدوية السبب في قلة الإنتاج، إلى “انقطاع الكهرباء، وغلاء المحروقات”، بحسب “محمد”.

في حين يذكر كل من الصيدلاني محمد، والصيدلانية دانا، أن معامل الأدوية والشركات زادت الأسعار على الصيادلة بنسبة وصلت للـ35% لبعض الأصناف.

وذكر مصدر في نقابة صيادلة سوريا، لنورث برس، أن “السبب لا يتعلق فقط بالمحروقات وانقطاعات المواد الأولية، بل يتعلق بعمليات الجرد التي تجريها المعامل والشركات والتي تنتهي عموماً منتصف الشهر الأول من كل عام”.

ولا ينفي المصدر أهمية الأسباب الأولى، ويشدد أن المعامل تريد أن ترفع أسعارها أكثر من 35% “كي تستطيع أن تواكب الفجوة الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع سعر الصرف، وخصوصاً أن غالبية المعامل تستورد موادها القطع الأجنبي”.

وخلال عام 2022 ارتفعت أسعار الأدوية، ثلاث مرات لتصل إلى ما يقارب 130%، حسب تصريح سابق لأحد العمال في قطاع الأدوية “للعربي الجديد”.

ويعلق المصدر أن نقابة الصيادلة “لا تستطع اليوم أن تضغط على معامل الأدوية لأنها شركات تجارية”، وأيضاً يرى المصدر أن “الصيادلة اليوم خاسرون فأرباحهم بالدواء قليلة جداً، وخصوصاً بعد رفع السعر الأخير”.

ومنتصف كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، رفعت وزارة الصحة السورية، عبر صفحتها الرسمية، أسعار 20 زمرة دوائية بنسب تراوحت بين 22 إلى 26 % شملت أدوية قلبية والتهابات والصرع والغدة الدرقية إضافة إلى بعض أدوية الكورتيزون.

الإغلاق مرفوض!

مع كل المعاناة من شح الأدوية، تبقى العاصمة دمشق هي الأكثر وفرة، فلصيدلياتها نصيب أكبر من الحصص الدوائية، رغم ندرتها أيضاً.

يتحدث علي علي، (30 عاماً) وهو اسم مستعار لصيدلاني في دمشق، لنورث برس، أن “الأدوية تتوفر في حال تم رفع سعرها 300 % وليس فقط 100% لكي تكون المعامل رابحة اليوم”.

ومع ذلك لاحظ الصيدلاني الثلاثيني، أنه في الفترة الأخيرة توجه الأطباء “لوصف الأدوية الأجنبية لسهولة توافرها مهربة في الأسواق، فهناك بعض الصيدليات التي تتوافر لديها كل الأنواع الأجنبية مهما علت الأسعار فلها زبائنها، إصافة إلى تشكيك بعض الأطباء بفعالية الدواء الوطني ومعهم كل الحق”، حسب تعبير “علي”.

ويتساءل “علي”: “أي فعالية دوائية ستكون في علبة حب التهاب بـ7000 ليرة مثلاً، في حين يبلغ سعر الأجنبي منها ما لا يقل عن 100 ألف؟”.

وعن احتمالات أن تغلق بعض الصيدليات أبوابها، يجمع الصيادلة الثلاثة أن هذه الفكرة “مرفوضة” لعدة أسباب، “لأن الصيدلاني/ة يتعرض لمخالفة، وأيضاً أن هذه الحالة لن تدوم طويلاً، وهي عقوبة من قبل معامل وشركات الأدوية للحكومة، لتجبرها على قبول رفع أكبر للأسعار”.

ولغياب الأدوية التي كانت تستخدمها من معظم الصيدليات، أجبرت وداد طحان (55 عاماً)، وهي من سكان حي الإذاعة بحلب، شمالي سوريا، على استبدالها بالصنف المتوفر لغير شركة.

وقالت “طحان” لنورث برس، إن الدواء الذي تستخدمه قد ارتفع خلال العام الماضي ثلاث مرات حتى وصل إلى أضعاف السعر عن العام 2021.

وعندما تسأل السيدة الخمسينة، أصحاب الصيدليات عن أسباب الارتفاع، تحصل على جواب: “يا حجة شو بدك في الأسباب. منشان ما يرتفع الضغط معك لا تعرفيها”.

لا دواء دون تعديل

وقال إسماعيل الأطرش وهو اسم مستعار، لشخص يعمل لدى مستودع للأدوية في حي المحافظة بحلب، لنورث برس: “منذ أكثر من شهر لم يخرج من المستودع أي قطعة دواء رغم طلب أصحاب الصيدليات”.

وأضاف “الأطرش”، أن المستودعات بشكل عام أوقفت ضخ المواد حتى يتم تعديل الأسعار الرائجة في الأسواق الدوائية كون المصادر رفعت أجور الشحن والمواد الأولية دون أي تعديل على المواد الحالية من قبل وزارة الصحة السورية.

ووصف عمل المستودعات في إيصال الأدوية ضمن طلبات تقتصر طلبها من قبل النقابة وهي أدوية متوفرة لشركة تاميكو الحكومية وتختصر في إنتاجها على بعض المسكنات من البودرة المحلولة والكبسولات.

ويحاول بعض الأشخاص أن يجمعوا أكبر قدر ممكن من الأدوية المزمنة التي يأخذوها، حيث جمعت هناء محمد، (57 عاماً)، من سكان دمشق، 5 علب من دواء وصف لها مدى الحياة، وهي مخصصاتها لشهر وبهذه الطريقة، تتحول الأدوية إلى مادة للتخزين المنزلي دون الالتفات إلى حاجة شخص آخر.

إعداد: دهب محمد/ رافي حسن ـ تحرير: قيس العبدالله