الرقة – مصطفى خليل – NPA
على بعد خطوة من ذاكرة أوطانهن، حيث لا خطوة إلى الوراء، عايشت نساء سوريا خلال السنوات التسع الأخيرة كل أشكال الألم، بات معها تغيُّب وجوه الرفاق والجيران والأهل القُدامى، أخفّ أنواع الألم وطأة.
أعلامٌ مختلفة باتت تعتلي سواري الآليات العسكرية، تجلب كل منها معها قوة مسيطرة جديدة، أشدّها ظلماً كان السواد الذي دخل الرقة عام 2014، والذي لم يفرض معه ارتداء النساء للأسود فحسب، بل تجاوزه إلى حرق قلوبهن لتخترن الاتشاح بالسواد حداداً على ما فقدنه.
حاولت هدلة /75/ عاماً، والتي عرفت عن نفسها باستخدامها هذا الاسم، أن تقف في وجه من طالبها بارتداء النقاب، تقول "أنا كبيرة في السنّ، لماذا عساني أتنقب؟".
تضيف: "اعترضوا طريقي مرتين، كان يسألني عناصر التنظيم عن سبب عدم وضع النقاب على وجهي، فأقول لهم إني كبيرة ويضيق صدري من وضع شيء على وجهي". تقول هدلة، وتردف "صحت في وجههم حتى تركوني".
فقدت هدلة ابنها خلال الهجمات التي شنّها تنظيم "الدولة الإسلامية" على الرقة، ولم تفارق الحرقة قلبها بعد، تقول "انقتل ابني مع الكثير من الأطفال والشيوخ، الله لا يسامحهم".
أمّا هدى الجاسم /35/ عاماً، فقرّرت أن تحمل مسؤولية بيتها، بعد أن فجعت بمقتل زوجها خلال هجمات التنظيم على المدينة، لكنها لم تسلم من التعرض لها من قبل عناصر تنظيم "داعش".
"كانوا يريدون الزواج مني وأموراً أخرى"، تقول هدى وتضيف "إلّا أنني كنت مضطرة لمغادرة المنزل لتأمين الطعام والاحتياجات الأساسية لأطفالي".
وتروي هدى محاولات أحد أعضاء التنظيم الزواج منها، بعد أن ترمّلت، مؤكّدة أنّها عانت كي تستطيع إقناعه برفضها للزواج، وتقول "لا استغرب منهم أيّ شيء، فقد زوّجوا طفلة في الثامنة من عمرها لرجلٍ في الأربعين، باعتقادهم أنّ الإسلام ينص على هذا الأمر".
وتروي هدى حادثة مرض ابنها الذي اضطرت أن تسعفه ناسية تغطية وجهها، لتعاقب على ما يعتبره التنظيم جرماً وتُجلد في الشارع.
تقول هدى "كل ما فعلته أني أسعفت ابني المريض مساءاً دون أن أغطي وجهي، وكان جزائي أن أجلد في الشارع أمام الناس".
أمّا أريج العلي /25/ عاماً، والتي أصرّت على اتمام تعليمها الجامعي في دير الزور رغم دخول التنظيم إلى الرقة، تروي تعرضها للإهانة من قبل عناصره.
تقول أريج "كانوا يعتبرون ذهابنا إلى المناطق الأخرى ردّة، وتعليمنا سفوراً. فرضوا النقاب علينا ومنعونا من إكمال تعليمنا".
لا تنتهي القصص المُخفية خلف الأقمشة السوداء بالرقة، إذ إن النساء كنّ أكثر من عانى من التهميش والاضطهاد وفرض القوانين والعقوبات الصارمة من قبل أعضاء تنظيم "الدولة الإسلامية". ناهيك عن القيود غير الإنسانية ضدّ الحريات الشخصية، اضطرت معها المرأة في الرقة إلى العيش في خوفٍ دائمٍ، متأملة أن لا تختار السواد مرغمةً بسبب ما يمكن أن تفقده.