المتعلقون بأردوغان في المعارضة السورية

لم يكن من الصدف أن يولد “المجلس الوطني السوري” في إسطنبول يوم الثاني من تشرين الأول/ أوكتوبر2011، وفي نفس السياق أن يأتي “الائتلاف الوطني السوري “بالعام التالي تحت رعاية تركية_قطرية، كما أن ما يسمى بـ”الجيش الوطني الحر” قد تم تنظيمه وترتيبه في تركيا خريف2011 أي بعد ثلاثة أشهر من إعلان العقيد رياض الأسعد انشقاقه عن الجيش.

أتى هذا أولاً من الرباط الأيديولوجي الذي يجمع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وهم قد شكلوا عماد “المجلس” و”الائتلاف”، مع حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان (رئيس الوزراء التركي2003-2014، ثم رئيس الجمهورية التركية)، ومن تحالف (الليبراليون الجدد) السوريين، وهم بمعظمهم من خلفيات شيوعية سابقة، مع (الإخوان المسلمون)، هذا التحالف الذي تبلور منذ (إعلان دمشق) المعلن في تشرين الأول/ أكتوبر 2005 ثم استمر في “المجلس” و”الائتلاف”، وقد قرأ الإسلاميون من زاوية أيديولوجية الرباط التركي فيما قرأه الليبراليون الجدد السوريون، وكان وعائهم الرئيسي في “إعلان دمشق” ولو أن شكلهم التنظيمي الأساسي كان (حزب الشعب الديمقراطي) الذي أسسه رياض الترك في نيسان/ أبريل 2005، من زاوية مصلحية مادامت مؤشرات “الربيع العربي” في عام 2011 تعطي اتجاهاً عند واشنطن لتبني “النموذج الإسلامي الأردوغاني” نحو القبول الأميركي بتولي الإسلاميين الأصوليين الإخوانيين للسلطة في تونس ومصر ومشاركتهم السلطة في ليبيا واليمن، وكان هناك عند هؤلاء المعارضين السوريين قراءة بأن مطالبة الرئيس الأميركي من الرئيس السوري بالتنحي في يوم 18 آب/ أغسطس 2011 تعني بأن هناك سيناريو ليبي سيطبق في سوريا، وليس صدفة في هذا المجال أن يسمّى مجلس إسطنبول على غرار “المجلس الوطني الليبي” برئاسة مصطفى عبدالجليل، الذي تولى السلطة بعد أن كانت عملية إسقاط نظام معمر القذافي من خلال تدخل عسكري خارجي لحلف الأطلسي كان رأس حربتها الفرنسيون، وكان يأمل هؤلاء المعارضون أن تضع واشنطن أردوغان بسوريا في مكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالعملية الليبية، وهو ما طالب به علناً المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السوريين رياض الشقفة، خلال مؤتمر صحفي في إسطنبول، يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011.

عندما حصل التفارق الأميركي- التركي في الثالث من تموز/ يوليو 2013 مع دعم واشنطن لانقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي على حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فإن هؤلاء المعارضين السوريين الذين تعلقوا بأردوغان وراهنوا عليه، المشار لهم آنفاً، لم يخف رباطهم بأنقرة، مادام أردوغان لم ينعطف نحو حلول تسوية للأزمة السورية، بخلاف ما فعلت واشنطن التي اتجهت للتنسيق مع موسكو باتجاه تلك الحلول، بداية من اتفاق 7 أيار/ مايو2013 في موسكو بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف لتفعيل “بيان جنيف1” الذي يقول بحل انتقالي تسووي للأزمة السورية، ثم عبر القرار الدولي 2118 الصادر في أيلول 2013 الذي تبنّى نص “بيان جنيف1” بالكامل وكانت في نصه الدعوة إلى عقد “جنيف2” كمؤتمر تفاوضي لحل الأزمة بين السلطة السورية والمعارضة.

في تلك الفترة الفاصلة بين تاريخين، 7 أيار/ مايو 2013، وحتى استدارة أردوغان نحو موسكو في لقائه مع بوتين في يوم 9 آب/ أغسطس 2016، كانت تركيا معارضة للجهد الأميركي-الروسي نحو تسوية الأزمة السورية والذي تجسد مع ذروة اسمها القرار 2254 الصادر في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015، والذي انعقد على أساسه مؤتمر “جنيف3” في الشهر الأول من عام 2016، وقد حصل ذلك من خلال معارضين سوريين، مثل رياض حجاب وفاروق طيفور وجورج صبرا وسهير الأتاسي، الذين كانوا في “الهيئة العليا للمفاوضات” وبالتالي أُفشلت “جنيف3” من خلال إعلان رياض حجاب توقيف المفاوضات في 18نيسان/ أبريل، وهي مفاوضات حُددت مدتها بستة أشهر تنتهي  بنهاية تموز، حيث كانت المؤشرات على أن هناك حلاً  أميركياً- روسياً، إن لم يتفق السوريون، سيُفرض على المفاوضين السوريين، على غرار الحلول “الفوقية التفاوضية” التي جرت في اتفاق الطائف اللبناني عام 1989 وفي اتفاق دايتون عام 1995 الخاص بيوغسلافيا، وهو أمر كانت تخشاه تركيا التي كانت علاقاتها آنذاك متوترة مع كل واشنطن وموسكو، حيث كانت المؤشرات على أن حل الأزمة السورية لن يكون لصالح أنقرة، لذلك قامت بقلب الطاولة عبر “عصابة الأربعة: حجاب- طيفور- صبرا- الأتاسي” الذين كانوا يتحكّمون بـ”الهيئة العليا للمفاوضات”.

ولكن منذ لقاء بوتين-أردوغان، المشار إليه والذي أتى بعد عدة أسابيع من محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة ضد أردوغان والتي اتهمت أوساط تركية مقربة من أردوغان واشنطن بالضلوع بها، اتجه الرئيس التركي نحو بيع المعارضة السورية المسلحة، وقد بدأ بيعه للمعارضين المسلحين في شرق حلب نهاية عام 2016 مقابل أن يأخذ الأتراك خط  جرابلس- الباب- إعزاز، ثم مقابل مسلحي الغوطة وحوران أخذ الأتراك منطقة عفرين عام 2018، ثم بالتعاون مع موسكو أخذ أردوغان خط تل أبيض- رأس العين (سري كانيه) في خريف2019.

منذ خريف 2022 هناك دلائل على أن أردوغان يتجه إلى بيع المعارضة السورية السياسية الموالية له في “الائتلاف” مقابل أن يتعاون الروس والسلطة السورية معه في إنشاء خط أمني يمتد من إدلب حتى رأس العين (سري كانيه) على أن تضم له مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني)، وهناك مؤشرات على أن السلطة السورية لا تريد هذا الخط تحت سيطرة الأتراك ولا أن يشاركوا السيطرة عليه بل تريد انسحاباً تركياً عسكرياً من الأراضي السورية، وربما هي تفضل انتظار نتائج انتخابات الصيف القادم التركية، الرئاسية والبرلمانية، حيث إن فازت المعارضة التركية وهزم أردوغان فسيكون هناك اتجاه تركي نحو النأي عن الأزمة السورية، بخلاف ما فعله أردوغان منذ عام 2011.

كتكثيف: ظهر أردوغان في الأزمة السورية، البادئة مع درعا 18 آذار/ مارس 2011، كتاجر سوق الهال، الذي يتلهف للبيع لمن يدفع أكثر، كما ظهر من تعلق به، في “المجلس” ثم “الائتلاف” وفي المعارضة السورية المسلحة، كأناس بلا إرادة ولا رؤية ولا قدرة على تلمّس الوقائع التي تحدث معهم ولا على استشراف ماذا سيحدث، وهم الآن على الأرجح لا يملكون الجرأة على إعلان خيبتهم وفشل مراهناتهم على أردوغان، ولا على استخلاص العبر والدروس من وصولهم إلى تلك النتيجة الصفرية.