خشية احتراقها.. مزارعون غرب حلب يعزفون عن زراعة القمح

إدلب نورث برس

عزف زياد عن زراعة محصول القمح في أرضه هذا العام، خشية من تكرار سيناريو سبق حدوثه الموسم الماضي، حين احترق محصوله لقرب أرضه من خطوط الاشتباك مع قوات حكومة دمشق.

زياد عارف (52عاماً) من بلدة كفر عمة ويسكن في مدينة الأتارب، ويملك أكثر من ثلاث هكتارات، امتنع الرجل عن زراعتها بمحصول القمح هذا العام لقربها من الفوج 46 للقوات الحكومية غربي حلب، واختار موسماً آخر أقل تأثراً بالحرائق.

وتعتبر مدينة الأتارب آخر معقل لفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، غربي حلب، بعد سيطرة قوات حكومة دمشق على المنطقة بعملية عسكرية مطلع العام 2020.

اعتاد “عارف” على زراعة محصول القمح الاستراتيجي لأكثر من 20 عاماً، نظراً لقلة تكلفته، وعدم حاجته للرعاية المستمرة والمتابعة.

والمزارع ليس إلا واحداً من بين معظم سكان المنطقة، ممن عزفوا عن زراعة أراضيهم خشية احتراق مواسمهم، رغم أنهم يعتمدون على الزراعة كمصدر أساسي للدخل.

وفي مثل هذه الأوقات من كل عام، يبدأ المزارعون في قرى وبلدات منطقتي الأتارب ودارة عزة، آخر مناطق سيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام بريف محافظة حلب الغربي، بتهيئة الأراضي والحقول لزراعتها بالموسم الشتوي من قمح وشعير وغيرها من المحاصيل.

إلا أن قرب المنطقة من خطوط التماس يجعلها عرضةً للاستهداف بشكلٍ دائم، مما يجعل المزارعين يتخوفون من الذهاب إليها بشكلٍ متكرر حال زراعة المحاصيل الأخرى مثل البطاطا التي كانت تعتبر ذهباً أخضر بالنسبة لسكان المنطقة.

والأمر لا يقتصر على “عارف”، هناك الكثير من المزارعين، عزفوا عن زراعة أراضيهم، خوفاً من عملية عسكرية بين قوات حكومة دمشق وفصائل المعارضة المسلحة، فيما قام البعض من المزارعين بتأجير أراضيهم “لأشخاص متنفذين”، ممن لهم صلات مع قوات دمشق وفصائل المعارضة المسلحة.

ومنذ أشهر تشهد منطقة خفض التصعيد شمال غربي سوريا، تصعيداً عسكرياً وقصفاً متبادلاً بين فصائل المعارضة والقوات الحكومية والقوات الروسية المساندة لها، على الرغم من سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته روسيا وتركيا قبل عامين.

إضافةً إلى تطور شهدته المنطقة مؤخراً وهو عمليات التسلل المتبادلة بين الطرفين والتي أسفرت عن مقتل وجرح العشرات.

يقول “عارف”، إن بعض المزارعين كانوا يلجؤون في مواسم سابقة لحصاد محاصيلهم وهي خضراء وبيعها “فريكة”، خوفاً عليها من الاحتراق.

ويضيف، أن الموسم الماضي كان كارثياً على مزارعي المنطقة، وكانت أولى الحرائق شبت في أرضه التي احترقت أمام عينه دون أن يتمكن من فعل أي شيء بسبب قيام القوات باستهداف أي تحرك في المنطقة، “كنت عاجزاً تماماً عن فعل أي شيء، النيران أكلت قلبي قبل أن تأكل محصولي الذي انتظرته لأشهر طويلة، بس للأسف ما في باليد حيلة”.

ويشير، أن خسارته تجاوزت الـ 10 آلاف دولار أميركي، بعد أن احترقت الثلاث هكتارات بشكلٍ كامل، مما جعله يغير المحصول هذا العام ويزرع الأرض بمحصول الكمون وحبة البركة، نظراً لكونهما غير قابلين للاشتعال بشكل كامل، لاسيما أن المزارعين يقومون بحصادها وهي خضراء وبإمكانهم نقلها إلى منطقة أخرى “آمنة نسبياً”.

بينما فضّل سليمان قرنفل (47 عاماً) وهو من سكان بلدة تقاد غربي حلب، تضمين (تأجير) أرضه التي تزيد مساحتها عن 25 دونماً بمبلغ 1000 دولار أميركي، لأحد الأشخاص من أبناء بلدته الذين لهم تواصل مع حواجز القوات الحكومية القريبة من منطقته.

وأقدم الرجل على هذه الخطوة بعد أن احترقت محاصيل القمح والشعير في أرضه على مدار العامين الماضيين بشكلٍ كامل دون أن يستفيد منها.

يقول “قرنفل” لنورث برس، إن “ألف دولار أميركي باليد أفضل من 10 آلاف دولار على الشجرة، التي يمكن أن تنقطع في أي لحظة”.

ورغم خسارته بتأجير أرضه إلا أنه مضطر، “في الحقيقة أرضي إذا أردت تأجيرها في الأحوال العادية يزيد إيجارها عن 2500 دولار، لكن للأسف هذا الشيء مستحيل بسبب قربها من حواجز قوات النظام”.

ويضيف: “اخترت أن أقوم بتأجيرها بدلاً من زراعتها بتكلفة عالية ومتابعة لأشهر وفي الأخير يمكن بأي لحظة أن أخسرها”.

أما يونس الحلبي (45 عاماً) وهو من مزارعي بلدة من كفرنوران غربي حلب، بات عاجزاً عن زراعة أرضه نتيجة الديون المرتبة عليه، بعد أن خسر الموسم السابق جرّاء حريق نشب بفعل قذيفة للقوات الحكومية.

وكان الرجل قد اتجه لزراعة القمح بعلاً، لعدم قدرته على تحمّل تكاليف ري أرضه عند زراعتها بمحصول آخر مثل البطاطا.

ويقول: “في لحظات ذهب تعب عام كامل وأمل عائلة كاملة”، حينها خسر محصوله من القمح بأرضه البالغة 15 دونماً، وكانت جزء من آلاف الهكتارات التي احترقت.

ويضيف: “أقف اليوم عاجزاً عن زراعة أرضي، فالديون المترتبة علي ما زالت تلاحقني وأخشى أن يتكرر سيناريو العام الماضي لتزداد ديوني ديوناً أخرى، وتزداد معاناتي معاناة جديدة، لتبقى الأرض دون زراعة أو حراثة حتى الآن فالمخاوف وقلة الإمكانيات تقف حاجزاً بيني وبين زراعتها”.

إعداد: بهاء النوباني – تحرير: زانا العلي